Untitled Document

عدد المشاهدات : 3575

خطبة: ذم الانشغال بعيوب الناس، وذم خلق الشماته

((الانشغال بعيوب الناس))

الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 1432- 2011

المكان: مسجد "الايمان" بمصر الجديدة

أما بعد

حديثنا اليوم –ان شاء الله تعالى- عن موضوعين في غاية الأهمية، وهما:

-         الانشغال بعيوب الناس

-         ذم خلق الشماته

وقد اخترت الحديث عن هذين الموضوعين لأني وجدت أن المجتمع الآن كله –الا من رحم الله تعالى- منذ أحداث 25 يناير، والمجتمع كله قد وقع في براثن هذين الخلقين الذميمين: الخلق الأول هو: الانشغال بعيوب الناس عن عيوب النفس، والخلق الثاني هو الشماتة في الغير

ونبدأ أولًا بالحديث عن الخلق الأول وهو الانشغال بعيوب الناس عن عيوب النفس

-         يقول تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة) يقول قتاده: يعنى بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن عيوبه وذنوبه

-         وروى الديلمي عن أنس بن مالك أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" يعنى هنيئًا لمن انشغل بعيوب نفسه ليصلحها، ولا يلتفت الى عيوب الآخرين

-         وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رســـول الله –صلى الله عليه وســلم- قال "من حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"

-         روى البخاري عن أبي هريرة –رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القـذاة في عين أخيه، وينسى الجذع في عين نفسه" القذاة هو التراب الذي يقع في العين، والمقصود به الأشياء الهينة الصغيرة التى لا تكاد ترى، يبصرها الانسان ما دامت في عين أخيه، يعنى أخيه في الاسلام، وينسى ولا يرىجذع الشجرة الذي في عينه، اذن الحديث يعيب هذا السلوك أن لا يرى الانسان عيوب نفسه الكبيرة الضخمة، بينما يرى عيوب الآخرين بمنظار مكبر

-         روى أحمد والترمذي وأبو داود أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"

-         الانشغال بعيوب الغير يجر الى الغيبة، وقد روى ابن حزم عن أبي هريرة أن رجلًا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: أتيت امرأة حراما، فأعرض عنه الرسول –صلى الله عليه وسلم- حتى شهد على نفسه أربع مرات بالزنا فقال له الرسول –صلى الله عليه وسلم- فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "فما تريد بهذا القول" ؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يرجم فرجم، فسمع الرسول -صلى الله عليه وسلم-رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى مَرَّ بجيفة حمار، فقال: أين فلان وفلان ؟ فقالا: نحن يا رسول الله، فقال لهما: كلا من جيفة هذا الحمار فقالا: يا رسول الله غفر الله لك من يأكل من هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نلتما من عرض هذا آنفا أشد من أكل هذه الجيفة فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة"

*      *      *

عيسى –عليه السلام- عندما أحضروا له في الهيكل امرأة زانية، وقالوا له: كيف تحكم على هذه المرأة ؟ وهم يعلمون أن حد الزنا في التوراة قبل تحريفها هي أن يرجم الزاني بالحجارة حتى الموت، مفأجابهم عيسى في حكمة عظيمة: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر

*      *      *

لو كل شخص اصلح نفسه، وعالج عيوب نفسه لصلح المجتمع

-         ويقول بكر بن عبدالله: إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُـكِـرَ بِهِ

-         ولذلك قيل: من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره

-         وكان السلف الصالح يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب كما قال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول: "إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلّم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله"

-         وقد يكون انشغال المرء بعيوب الناس والتحدث فيها محاولة يغطي بها عيوبه، عن محمد بن سيرين -رحمه الله- قال: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا، أفرغهم لذكر خطايا الناس

-         يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى: الشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً يضخم عيوب الآخرين، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وبحقارتها وأن حجم نفسه صغير؛ لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين، ولذا يُكْثِر نقد الناس وذكر عيوبهم

-         يقول الشاعر:

المرء ان كان عاقلًا ورعًا        أشغله عن عيوب غيره عيبه

كما العليل السـقيم اشـغله         عن وجـع الناس كلهم وجعه

 

*      *      *

هذه هو الخلق الأول الذي أردنا أن نتحدث في ذمه وقد قلنا أن المجتمع كله في هذه الأيام –الا من رحم الله- قد وقع في براثن هذا الخلق الذميم، وسائل الاعلام الآن، ونحن منساقون ورائها، نشطت في تتبع عورات من تستطيع أن تتبع عوراته

فلان عمل وفلان قال، وفلان سهل لفلان شراء قطعة الأرض بعد سهرة خاصة جدا، ومحاولات مستميته لتصوير المتهمين، ومحاولات لاتنتهى لتصوير الرئيس السابق، وتجد المئات تنتظر ساعات طويلة، حتى ترى أحد المتهمين وهو يركب سيارة الترحيلات، ربما ينتظرون طوال الليل حتى تري فلان وهو يدخل أو يخرج من النيابة، ويوم السبت الماضى يقولك تزاحم مرورى غير عادي في المنطقة المحيطة بسجون القناطر الخيرية حتى يشاهدوا حرم الرئيس السابق وهي تدخل السجن

وقد يقول قائل أليس من حق المجتمع تتبع الفساد والمفسدين، ونقول هذا ليس دورك أنت، بل هو دور الأجهزة الرقابية، ودور جهات التحقيق، أما الواجب عليك أنت هو أن تنقي لسانك عن الغيبة، وتنقي سمعك كذلك عن الغيبة، بل واجبك أيضًا أن تنقي قلبك عن سوء الظن بأخيك

 

 

 

 

 

 

 

 

الشماته

الخلق الثاني الذي أردنا أن نتحدث عنه هو "ذم الشماته" والحقيقة أننى مندهش تمامًا من وقوع الغالبية الغالبة من الناس في هذا الخلق الذميم

-         ما هي الشماته ؟ الشماته: هي الفرح بمصيبة الغير

-         و"الشماتة" ليست من أخلاق الإسلام، وهو خلق لا يليق بمسلم أبدًا تجاه أخيه المسلم بل هو من صفات الأعداء الذين حذر الله تعالى منهم، ووصفهم بقوله في سورة آل عمران: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط)

-         وكان ال