Untitled Document

عدد المشاهدات : 4876

خطبة: الإِعْجَاز العِلْمِي فِي القُرْآنِ الكَريِم

الإِعْجَاز العِلْمِي فِي القُرْآنِ الكَريِم

الخطيب: وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 10 ذي الحجة 1430- 27 أكتوبر 2009

المكان: مسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 30 دقيقة

 

عناصر الخطبة

1.       أهمية الإعجاز العلمي

2.       نماذج من الإعجاز العملي في القرآن

3.       نماذج من الإعجاز العلمي في السنة             

 

أما بعد ،،،

حديثنا اليوم –إن شاء الله تعالى- عن أمر أحببت أن أتحدث عنه كثيراً، وهو موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فنقول أن الله تعالي قد أيد كل رسول أرسله بمعجزة، و جرت سنته تعالي علي أن تكون معجزة كل رسول من جِنْسِ ما برع فيه قومه، لأنه حين يعجزهم بأمر هم نابغين فيه،  وهم يعلمون أن النبوغ بين البشر محصور بينهم، فإن ذلك دليل علي أن ما جاء به هذا الرسول ليس من عنده، و إنما وراءه قوة أخري

 

          وهكذا كانت معجزة إبراهيم –عليه السلام- أن نجاه الله تعالى من النار، لأن قومه كانوا عبدة كواكب، والكواكب قريبة من النار، و كانت معجزة موسى-عليه السلام- أمور تبطل السحر، لأن المصريين في ذلك الوقت كان قد شاع فيهم السحر، و كانت معجزة عيسى- عليه السلام - هي إبراء الأكمه والأبرص –والأكمه هو الذي وُلِدَ كفيفاً- لأن قومه كانوا نابغين في الطب، وكانوا كذلك شديدي  الارتباط بالأسباب

 

          ثم جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى العرب، و قد اشتهروا بالفصاحة و البيان، فكان معجزته -صلى الله عليه وسلم- هي القرآن

ونظر العرب فوجدوا أن هذا القرآن ليس من قبيل النثر الذي تفننوا فيه، ولا من قبيل الشعر الذي أقاموا له الأسواق، وإنما هو جنس أدبي قائم بذاته، و خارج عن كل مألوف من نظمهم  وكلامهم

          و افتتح القرآن بعض سوره بحروف عشوائية ليدل علي أن مادته الخام لم تخرج عن تلك التي يأخذون منها في لغتهم، كما أنه ليس في مفرداته ما هو جديد عليهم، و مع ذلك فإنهم عاجزون كل العجز عن الإتيان بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو حتى بسورة واحدة من سوره

          *       *       *

و قد حَفِظَت لنا كتب السيرة كيف استقبل شيوخ المعارضة وقادة الإيذاء القرآن فما وسعهم إلا الإقرار بأن هذا الكلام لم يأت به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند نفسه، و أنه ليس بحال من كلام البشر

          من ذلك أن "الوليد بن المغيرة" اجتمع مع نفر من قريش، وقد حضر موسم الحج، فقال لهم:

-    يا معشر قريش إنه قد حضر الموسم، و إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، و قد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجمعوا فيه رأيا واحدا و لا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، و يرد قولكم بعضه بعضا

قالوا: نقول كاهن

قال: لا و الله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما هو بزمزمة الكاهن و لا سجعه

قالوا: فنقول مجنون

قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون و عرفناه، فما هو بخنقه ولا تخالجه

قالوا: فنقول شاعر

قال:

-         ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه و هزجه وقريضه ومقبوضه  ومبسوطه

قالوا:

-         فما نقول يا أبا عبد شمس ؟

قال:

-    و الله إن لقوله لحلاوة، و إن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، وما  أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عُرِفَ أنه باطل، و إن أقرب القول فيه لأن تقولوا جاء بقول هو السحر يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء و زوجته، و بين المرء و عشيرته

*       *       *

من ذلك أيضا قصة "عتبة بن ربيعه" و كان ذلك حين أسلم حمزة وأسلم عمر، و أخذ أصحاب الرسـول-صلى الله عليه وسلم- يزيدون، فقال عتبة - وكان سيدا في قومه - و هو جالس في نادي قريش،  والرســـول-صلى الله عليه وسلم- جالس وحده في المسجد:

-         يا معشر قريش ألا أقوم إلي محمد فأكلمه، وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا

قالوا: نعم يا أبا الوليد قم إليه فكلمه

فقام عتبة حتى جلس إلي الرسول -صلى الله عليه وسلم- و قال:

-    يا ابن أخي إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، و عبت آلهتهم، و كفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قل يا أبا الوليد أسمع

قال عتبة: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، و إن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، و إن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال: نعم

فقرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

)( بسم الله الرحمن الرحيم 0 حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فُصلت آياته قرآن عربيا لقوم يعلمون ((

و مضى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قراءته و عتبة منصتا إليه و قد ألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها، فلما انتهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلي قوله تعالى: ))فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود  ((انتفض عتبة من مكانه ووضع يده علي فم الرسول -صلى الله عليه وسلم- و هو يقول له:

-         قومك يا محمد لا تدع عليهم

ثم قام عتبة غلي أصحابه، فلما رأوه مقبلا قال بعضهم لبعض:

-         و الله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به

فلما جلس إليهم قالوا: ما ورائك يا أبا الوليد ؟

قال: ورائي أني قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط، و الله ما هو بالشعر و لا بالسحر و لا بالكهانة،  وليكونن له نبأ عظيم، يا معشر قريش أطيعوني و اجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر عليهم فملكه ملككم، و عزه عزكم،  وكنتم أسعد الناس به

قالوا: سحرك و الله يا أبا الوليد بلسانه

قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم

*       *       *

من ذلك أيضا أن "أبا سفيان بن حرب" و "أبا جهل بن هشام" و"الأخنس بن شريق" وكان ثلاثتهم من أشد الكفار معاندة و قسوة وعنفا، فكان إذا جن الليل تسللوا إلي بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم-،  واتخذ كل منهم مجلسا يستمع فيه إلي تلاوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا طلع الفجر، و آوى الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلي مضجعه، خرج كل منهم من مكمنه متلصصا و مضى إلي بيته، فجمعهم الطريق، وأخذوا يتلاومون في أمرهم، و قال بعضهم لبعض لو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا

فما كانت الليلة الثانية، عاد كل منهم إلي مجلسه فباتوا يتسمعون كما تسمعوا في الليلة الأولي، حتى إذا طلع الفجر جمعهم الطريق و تلاوموا كما تلاوموا في ليلتهم الأولى

فلما كانت الليلة الثالثة عادوا إلي مجلسهم، و جمعهم الطريق في الفجر، ثم تعاهدوا ألا يعودوا إلى ذلك أبدا

*       *       *

و هكذا فإن العربي القديم كان إذا استمع إلي بعض آيات من القرآن، فإنه بتمكنه الشديد من لغته العربية، و بموهبته الأدبية الفطرية، يتأكد لديه أن هذا الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس من عنده، وإنما هو كلام الله تعالي

و لذلك كان أئمة الكفر يحثون أتباعهم علي التشويش علي الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا أخذ في قراءة القرآن، فيصفقون و يصفرون و يصيحون، و ذلك حتى لا يستمع إليه أحد من العرب، فلا يلبث أن يدرك صدقه و يؤمن به

يقول تعالي: )( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ()

*        *         *

و لكن هل ظل القرآن الكريم محتفظا بأهم عوامل إعجازه، وهو أنه جاء من جنس ما نبغ فيه من أرسل إليهم ؟

و السؤال من جهة أخرى هو هل ظل هؤلاء الذين قد أُرْسِلَ إليهم القرآن الكريم من الوعي باللغة العربية  وأسرارها بحيث يدركون أن هذا الكلام الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يكون قد جاء به من عند نفسه ؟

و الإجابة علي السؤالين واحدة، وهي أنه لم يعد هناك الآن من يستمع إلي القرآن فينفعل به ذلك الانفعال الأدبي الذي كان يأخذ العربي القديم حين يستمع إليه

ثم هناك بعدا آخر للأمر و هو أن الإسلام دين عالمي، فإذا كان ذلك الإعجاز اللغوي قد أعجز العرب و قد نزل بلسانهم وهم أهل الفصاحة و البلاغة، فكيف شأن الأمم الأخرى غير العربية وقد أُرْسِلَ إليهم القرآن أيضا و لكنه بغير لغتهم

 

و هنا كان الترتيب الإلهي المحكم، فمع الابتعاد التدريجي للعرب عن لغتهم، وعجزهم المتزايد عن استخراج كنوز الإعجاز اللغوي من بين آيات القرآن الكريم، ثم مع زيادة انتشار الإسلام في مشارق الأرض و مغاربها، كان هناك الظهور التدريجي أيضا لمعجزات أخرى للقرآن لا شأن لها بإعجازه الأدبي، و هي الإعجاز العلمي للقرآن الكريم

 

*       *        *

ونذكر الآن بعض نماذج هذا الإعجاز العلمي

      

يقول تعالى ) أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهم وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (

(رتقاً) يعني كتلة واحدة، و يقول علماء الفلك أن الكون كان في البدء كتلة متجمعة في نقطة واحدة، أطلقوا عليها "نقطة بداية الكون" ، ثم انفجرت هذه النقطة انفجارا هائلا، فتفتت أجزائها وتشتت، والتي تكون منها النجوم والكواكب، وقد أُطْلِقَ علي هذه النظرية "الانفجار العظيم" 

 

) والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون (

تبين لعلماء الفلك أخيرا أن الكون في توسع و تمدد مستمرين، منذ الانفجار العظيم وحتى الآن

ويُشَبِه العلماء الكون ببالون هائل، تنتشر على سطحه النجوم والكواكب، وهذا البالون ينتفخ تدريجيا بمرور الوقت

 

)) ثم استوى إلى السماء وهي دخان ()

وقد تبين لعلماء الفلك أن الكون كان دخانا قبل أن تتخلق النجوم والكواكب، وقد أطلقوا علي هذا الطور "الحالة السديمية"

وقد عرض مدير مرصد طوكيو باليابان صورا لنجم وهو يتكون، وقد بدأ النجم كتلة من الدخان، ثم يقول: "إنني متأثر جدا بوجود هذه الحقيقة العلمية في القرآن"

قال تعالي: ) فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان (

تصف الآية أحد مشاهد يوم القيامة بأن تتصدع السماء وتتشقق و تكون مثل الوردة الحمراء، و قد التقطت وكالة "ناسا" الأمريكية صورة لانفجار أحد النجوم،  ونشرت تلك الصورة في موقعها علي شبكة الإنترنت، و كانت الصورة تشبه تمام الشبه الوردة الحمراء، حتى أن وكالة ناسا أطلقت علي الصورة اسم "الوردة الحمراء" !!

 

) ولو فتحنا عليه بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون(

وصف الله تعالى الحركة في السماء بالعروج، و العروج في اللغة هو سير الجسم في خط منحن، وقد ثبت علميا أن أي جسم مادي في الكون لا يمكن أن يتحرك في خط مستقيم بل لابد له من الانحناء، نظرا لانتشار المادة و الطاقة

 

يقول تعالى ((فلا قسم بالخنس * الجوار الكنس))

تتحدث الآيتين الكريمتين عن ظاهرة كونية لم يكتشفها العلماء إلا في القرن الماضي، وهي "الثقوب السوداء" وهي نجوم عملاقة لها كتلة ضخمة جداً، وهذه النجوم تتمتع بجاذبية مذهلة فتجتذب جميع الأجرام التي تمر عليها، ومن شدة جاذبيتها أنها تجتذب الضوء المنبعث منها، فتخنس على نفسها، ولذلك كان هذا التعبير القرآني شديد الدقة "الخنس"

"الثقوب السوداء" تظهر أمام علماء الفلك من خلال المراصد "ثقب أسود" تتجه إليه جميع الأجرام، ولذلك كان هذا التعبير القرآني في الآية القرنية التالية فقال "الجوار الكنس" أي تكنس جميع الأجرام التي تمر عليها، لدرجة أن علماء الغرب أطلقوا عليها "giant vacuum cleaner" أي مكنسة كهربائية ضخمة

 

( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون (

تذكر الآية الكريمة حقيقة كونية لم يعرفها الإنسان إلا بعد ارتياده الفضاء في ستينيات القرن العشرين، حيث فوجئ بأن الكون كله غارق في ظلام دامس، و أن حزام النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس لا يتعدى سمكه مائتي كيلومتر، و إذا ارتفع بعد ذلك فهو يغرق في ظلام دامس، و لا يقطع كحولته إلا بعض البقع الباهتة في مواقع النجوم

و هذا يعني أن الظلام هو الأصل في الكون، وأن النهار ليس إلا طبقة رقيقة جدا تنسلخ من ليل السماء

 

قال تعالي: ) وكان عرشه علي الماء)

أثبت علماء الجيولوجيا أن الكرة الأرضية كانت في أطوارها الأولي مغطاة بالكامل بالمياه، و من هنا كان التعبير القرآني الدقيق من أن عرش الله - و الذي هو كناية عن الملك  والسلطان- حين خلق الأرض كان علي الماء، أي أنه كان مهيمنا علي كامل الكرة الأرضية

 

) والأرض بعد ذلك دحاها (

كان الناس وقت نزول القرآن تعتقد أن الأرض مسطحة، حتى قام "كريستوف كولومبس" برحلاته الاستكشافية في القرن الخامس عشر الميلادي، حتى أن البحارة وقتها كانوا يخافون من السقوط عند حافة الأرض، ثم انتهي العلماء أخيرا إلي أن الأرض ليست كروية تماما و إنما هي بيضوية الشكل، و هكذا تطابق ما وصل إليه العلم مع التعبير القرآني الدقيق ) دحاها ( أي جعل شكلها مثل "الدحية" و هي البيضة

 

يقول  تعالي: ) والأرض ذات الصدع (