((عِيسَى- علَيْهِ السَلَام))
الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي
تاريخ الخطبة: 1431- 2010
المكان: مسجد "الوادي" بمدينة نصر، ومسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة
مدة الخطبة: 35 دقيقة
أما بعد
تظلنا هذه الأيام ذكرى ميلاد السيد المسيح –عليه السلام- وحديثنا اليوم –ان شاء الله- عن قصة المسيح –عليه السلام- من خلال آيات القرآن الكريم
* * *
تبدأ أول مشاهد هذه القصة في قول الله تعالى في سورة آل عمران بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) من هو عمران ؟ ومن هي امرأة عمران ؟ عمران هو أبو مريم وجد عيسى –عليه السلام- وامرأة عمران هي أم مريم وجدة عيسى –عليه السلام- وكان عمران أكبر علماء بنى اسرائيل في وقته، وكان امرأة عمران قد تقدم بها السن حتى يأست، وفي يوم كانت جالسة في ظل شجرة ورأت مشهدًا حرك فيها غريزة الأمومة، شاهدت طائرًا يطعم فرخه، حرك فيها هذا المشهد جدًا غريزة الأمومة لديها، فدعت الله سبحانه وتعالى أن يرزقها طفلًا، ولاشك أنها دعت الله كثيرًا قبل ذلك اليوم، ولكن يبدوا أن دعائها هذه المرة –وبعد أن شاهدت هذا المشهد- كان دعاءًا بتضرع وابتهال، فاستجاب لها الله تعالى
أرادت امرأة عمران أن تشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، فتصدقت بما في بطنها على بيت المقدس، قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي، ومعنى "مُحَرَّرًا" يعنى محرر من الدنيا وأشغالها، متفرغ لعبادة الله تعالى
ولم يكن يحرر الا الغلمان فقط أما الفتيات فلا يحررن، فلما فعلت ذلك قال لها زوجها "عمران": ويحك ما ذا فعلت أرأيت ان كان في بطنك أنثى، ووقعوا جميعًا في هم من ذلك، يعنى كان يجب على امرأة عمران أن ترى أولا المولود فاذا كان ذكرًا حررته، واذا كانت انثى فلا تنذر هذا النذر
ومات "عمران" وامرأته حامل في "مريم" فلما وضعتها اذا هي انثى، وقالت وكأنها تعتذر الى الله تعالى ((فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) سَمَّيْتُهَا "مَرْيَمَ" كلمة مَرْيَمَ يعنى "العابدة"
* * *
يروى لنا القرآن الكريم بعد ذلك أنه حدثت منافسة بين الكهان والعلماء أيهم يكفل "مريم" يقول تعالى ((وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)) لماذا تنافسوا على كفالتها ؟ لأنها ابنة امامهم، فتاة جميلة مطيعة، ووجدوا امارات على أنها فتاة مباركة، ولذلك تنافسوا عليها
وكان ممن أراد كفالتها "زكريا" عليه السلام، وزكريا كان نبيًا عظيمًا من أنبياء بنى اسرائيل، وكان زوج خالة "مريم" ولذلك هو كان أولى من يكفل "مريم" لأن "الخالة بمنزلة الأم" كما قال الرسول –صلى الله عليه وسلم" فيما رواه البخاري، ولأن "زكريا" عليه السلام لم يرزق هو وزوجته بولد، فهو في حاجة هو وزوجته الى طفل، وفوق كل هذا وذاك هو كبيرهم وسيدهم وعالمهم وامامهم ونبيهم
برغم كل ذلك لم يجيبوا "زكريا" في طلبه وقالوا له "لا تطيب أنفسنا هي ابنة امامنا" وقرروا أن يقترعوا، يعنى يعملوا قرعة، فذهبوا الى نهر الأردن، والقوا أقلامهم التى يكتبون بها التوراة، فأيهم يثبت قلمه، ولا يجرى مع التيار هو الذي يكفل "مريم" عندما ألقوا أقلامهم جرت جميع الأقلام –عادي جدًا- مع تيار النهر، وبقى قلم "زكريا" عليه السلام ثابتًا، وقيل أنه مشى في عكس اتجاه التيار، وبذلك كفل "زكريا" مريم، يعنى أصبح هو المسئول عن رعاية شئون مريم، لأنها يتيمة الأب، حتى اذا نشأت، بنى لها محرابًا، يعنى غرفة في المسجد، وسمى المحراب بذلك الأسم لأنك بعبادتك فيه تحارب الشيطان
* * *
زكريا –عليه السلام- كلما دخل عليها المحراب يجد عندها رزقا، يجد فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، يدخل عليها في الشتاء مثلًا فيجد عندها: تين وعنب ومنجة، فيقول لها: (يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا) يعنى من أين لك هذا ؟! ۖ قَالَتْ ((هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)) وهذا نأخذ منه أن المسئول عن الإنفاق في البيت اذا وجد شيئًا في البيت لم يحضره، فانه يجب عليه أن يسأل أهل بيته من أين جاء هذا الشيء، لأنه ربما جاء بطريق غير شرعي، فعليه ألا يغض بصره عن هذه الأمور
وقد روى أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- مر على فاطمة وقال لها "يا بنية هل عندك شيء آكله فانى جائع" فلم يكن عند فاطمة شيء، فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلما خرج الرسول –صلى الله عليه وسلم- من عندها بعثت اليها جارتها برغيفين وقطعة لحم، فأخذتها ووضعتها في جفنة، يعنى زي حلة، وأتت به الرسول –صلى الله عليه وسلم- فلما كشفتها وجدتها مملؤة خبزًا ولحمًا فبهتت ووعرفت أنها بركة من الله، وقال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم- "من أين لك هذا يا بنية ؟" قالت: يا أبتِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فقال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "الحمد الله الذي جعلك يابنية شبيهة بسيدة نساء بنى اسرائيل فانها كانت اذا رزقها الله شيئًا وسئلت عنه قالت هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ"
المهم أن مريم عندما قالت لزكريا عليه السلام (إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) أيقظت في زكريا هذه القضية الإيمانية، مع أن زكريا نبى، ويعلم هذا الأمر تمام العلم، يعلم أنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ولكن عندما شاهد الأمر مشاهدة عملية، استيقظت في قلبه هذه القضية الايمانية، وهي أن الله تعالى أنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وأنه تعالى يعطى وان عزت الأسباب، فرفع يديه وهو في المحراب، يقول تعالى (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)
زكريا أدرك أن هذه الفتاة وهي "مريم" فتاة مباركة، وأدرك أن هذا المكان، وهو محرابها أو مكان عبادتها مكان مبارك، ولذلك اراد أن ينتهز هذه الفرصة السانحة، وأن يتعرض لنفحات الحق –سبحانه وتعالى- في هذا المكان المبارك، فدعا ربه (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)
* * *
انظر في سورة مريم يقول تعالى (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) يعنى قصة زكريا فيها ذكر لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال الله تعالى "عبده" لينبهك الى قضية هامة جدًا، وهي أن عبوديتك لله تعالى هي شيء في صالحك، لأنك بعبوديتك لله تعالى فأنت المستفيد، بعكس العبودية للبشر، العبودية للبشر يعنى أن السيد يأخذ خير العبد، أما العبودية لله فأنت الذي تأخذ خير سيدك
ولذلك قول الله تعالى (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) ينبهك الى قضية هامة جدًا وهي أن عبودية زكريا لله تعالى، كانت سببًا في تنزل رحمات الله تعالى على زكريا
* * *
ثم يقول تعالى (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) كلمة "نَادَىٰ رَبَّه" تدل على اجتهاد زكريا في الدعاء، وتدل على شدة تضرعه، وعلى الحاحه في الدعاء، طيب لماذا كان النداء خفيا، ليدل على اخلاصه في الدعاء، ممكن واحد يدعى ويتضرع في الدعاء، وهوه عاوز الناس تشوفه وهوه يدعي
* * *
(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) وعظم الانسان هو أصلب شيء في الانسان، فاذا وَهَنَ أي ضعف العظم، فغيره من باقي أعضاء الجسم وأجزاء الجسم من باب أولى
(وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) خلاص شعره كله أصبح أبيض، انتشر المشيب في راسي كما يشتعل النار في الحطب، يقول ابن عباس: كان زكريا عمره مائة وعشرون عامًا، وامرأته ثمانة وتسعون عامًا
ثم يقول زكريا (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) يعنى أنا مستجاب الدعوة عندك يارب، فكما أكرمتنى يارب باجابة دعائي من قبل، فلاتخلف عادتك معي هذه المرة ايضًا
* * *
ثم يقول (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ) يقول زكريا –عليه السلام- حيثيات هذا الطلب وهذا الدعاء، وهو أنه لم يطلب الولد من حيث أنه زينة الحياة الدنيا، أو ليشبع غريزة الأبوة عنده، ولكنه يطلب الولد لأنه خشى ألا يكون هناك من يحمل منهجه من بعده، وكلمة "موالى" يعنى أبناء عمومته، وقد رأي زكريا –عليه السلام- من سلوكياتهم في الحياة، أنهم غير مؤهلين للنهوض بهذه المهمة، ولذلك دعا الله تعالى أن يرزقه ولد يكون نبيًا، ولذلك قال بعد ذلك ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)) يعنى يكون نبيًا كما كان آبائه أنبياء، فيرث منهم النبوة، ثم يقول (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) يعنى مرضيًا عندك، وعند خلقك، فتحبه يارب وتحبب فيه خلقك
وقيل أن زكريا قال في دعائه: يارب يا من تعطى من آمن بك، وتعطي من كفر، وتعطى من أطاع، وتعطى من عصاك، حاشاك أن تمنع عطاءك عمن أطاعك، ويدعو الناس الى طاعتك
وقيل أيضًا أن زكريا قال: يا رب يارب يارب، فقال له الله تعالى: لبيك لبيك لبيك
* * *
يقول تعالى (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) معنى (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) يعنى لم يُسَّمَ أحد قبله بهذا الاسم، ومعنى آخر لكلمة "سَمِيًّا" يعنى شبيهًا في الطاعة والعبادة وتقوى الله تعالى
وهناك لمحة وهو أن الناس حين تسمى أبنائها فانها تتمنى أن يكون لابنها حظ من اسمه، فالذي يسمى ابنه "سعيد" مثلًا يتمنى أن يعيش ابنه حياة سعيدة، الذي يسمى ابنه "محمد" مثلَا أو "محمود" يتمنى أن يكون ابنه محمودًا بين أهل الأرض وأهل السماء، الذي يسمى ابنه "فاضل" يتمنى أن يكون ابنه انسان "فاضل" والذي يسمى ابنته "حنان" يتمنى أن تكون هذه الصفة الحميدة وهي الحنان في ابنته وهكذا كل من يسمى يتمنى أن يكون لابنه أو ابنته حظ من اسمه، ولكن قد لا يأتي المسمى على وفق ما أراد، لأن هناك قوة أخرى تتحكم في هذا الأمر، أما اذا كان الذي يختار الاسم هو الله تعالى، فلابد أن يتحقق الاسم في المسمي، لأنه ليس هناك قوة أخرى تتحكم في الأمر، الله –سبحانه وتعالى- هو الذي يتحكم في الأمر، فعندما يسمى الله –سبحانه وتعالى- ابن "زكريا" بيحيي فلابد أن تنطبق عليه هذه الصفة، وهي صفة الحياة، لأن كلمة يحيى يعنى الذي لا يموت، والمخلوق الوحيد الذي لا يموت هو الشهيد، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولذلك علم "زكريا" قبل أن يولد ولده، بل قبل أن تحمل به زوجته، علم أنه سيكون شهيدًا
* * *
زكريا عندما أجيب الى ما سئل، وبشر بالولد، وعلم أنه سيكون ولد صالح، فرح فرحًا شديدًا ولذلك قال (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) طيب ما انته لسه قايل (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) ولسه قايل (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) يعنى لا تلد بطبيعتها، وهذا يدل على شدة فرح "زكريا" عندما بشر بيحي، وعلى أن قلبه قد امتلأ بالشكر والعرفان والامتنان لله تعالى، مع أنه لا يملك أي أسباب لهذا الأمر، لا من جهته هو ولا من جهة زوجته
يقول تعالى (قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ يعنى بسيط جدًا، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، فالحق –سبحانه وتعالى- خلق الانسان من عدم، وليس هناك في حق الله تعالى شيء سهل وشيء اسهل منه، ده كله سهل وبسيط وهين عند الله تعالى لأنه يخلق بالكاف والنون، يقول "كن" فينتهي الأمر، ولكنه يقول ذلك حتى يقرب القضية الى ذهنك أنت، فيقول لك أنه خلق الانسان من عدم، أليس خلق الانسان بعد ذلك من اب وأم أسهل وايسر واهون على الله تعالى ؟
* * *
ثم يقول تعالى (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) من شدة فرح زكريا، وشدة تلهفه على هذا الولد الذي سيحمل المنهج من بعده، ويرث النبوة منه ومن آبائه، ويسوس بنى اسرائيل بنبوته وبما يوحي اليه ربه، طلب من الله تعالى أن يجعل له آية أي علامة ظاهرة ومحسوسة على ايجاد هذا الجنين في رحم أمه
قال تعالى (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) يعنى هذه العلامة أنك يا زكريا لا تستطيع أن تتحدث الى الناس ثلاثة ليال متتابعة، دون وجود أي مانع يمنعك من الكلام، يعنى جهاز النطق عندك سليم مائة في المائة ومع ذلك لا تستطيع أن تتحدث الى الناس، ده مش كده وبس "زكريا" يستطيع أن يذكر الله تعالى ويسبحه، ومع ذلك عندما يأتي ليتحدث مع الناس لا يستطيع
طب اشمعنى هذه الاية، اشمعنى هذه العلامة ؟ الحق –سبحانه وتعالى- يقول له سأعطيك الولد رغم تعطل الأسباب، وأمنع عنك الكلام وأنت تملك أسباب الكلام، وهذه هي طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى
اذن عملية الانجاب ليست عملية ميكانيكية ولكنها متعلقة بمشيئة الله تعالى، فأحيانًا تجد زوجين صالحين للإنجاب ويتأخر الحمل سنوات طويلة، يروحوا للطبيب ويعملوا تحليلات والاثنين صالحين للإنجاب ومع ذلك لا يتم الحمل، لماذا لأن الله تعالى لم يأذن بالذرية، أحيانًا تجد زوجين استمرت حياتهم الزوجية سنوات بلا انجاب، ثم يحدث طلاق وتتزوج هي فتنجب، ويتوزج فينجب هو أيضًا
* * *
في آية أخرى في سورة الأنبياء يقول تعالى (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) معنى " أَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ " أنها أصبحت تنجب بعد أن كانت لا تنجب، ثم ذكر الله تعالى حيثية اجابة دعاء زكريا فقال "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ" يعنى لا يجدون بابًا من أبواب الخير الا بادروا اليه، فينبغي على كل من ابتلى بعد الانجاب أولًا أن يمثر من أعمال الخير، ثم قال (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) يبقي يكثر من الدعاء، وقد يؤخر الله تعالى اجابة دعائك لأنه يحب أن يسمع صوتك وأنت تدعوه وتتضرع اليه، ثم قال تعالى "وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" يعنى ايه "خَاشِعِينَ" يعنى خاضعين لله تعالى، راضين بقدرهم في عدم الانجاب، مطمئنين الى مقادير الخالق في الخلق، اليقين في حكمة الله تعالى في كل ما كتبه على الناس من أقدار، ولا يُرفع قضاء حتى يرضى به صاحبه
تسمع أو تقرأ عن حادثة سيدة تأخر بها الانجاب فتقوم بخطف طفل مثلًا من أمه، لمذا فعلت ذلك لأن قلبها قد امتلأ بالحقد والكراهية على كل من تحمل طفلأ، ممكن واحدة تأخر بها سن الزواج فتحقد كل كل من تتزوج، أو أم تأخر زواج ابنتها فتحقد على كل أم تزوجت ابنتها، ولذلك قال العلماء "لا يرفع قضاء حتى يرضى صاحبه به" يبقي من أسباب رفع البلاء أن ترضى بقضاء الله تعالى فيك
طب هب أن الله تعالى قد رفع عنك البلاء دون أن يتحقق الرضا في قلبك، يبقي انته فشلت في الاختبار، كان اختبارًا لمدة معينة، لمدة سنة أو اثنين أو خمسة أو حتى حياتك كلها، والله سبحانه وتعالى- يمكن أن يطيل فترة الاختبار في انتظار أن يتحقق الرضا في قلبك وتنجح في هذا الابتلاء، يبقي ربنا مش عاوزك تفشل ومش عاوزك تسقط في الامتحان ولذلك يطيل عليك أمد الاختبار، ويطيل عليك مدة الابتلاء
* * *
الآية التالية يقول تعالى (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) أَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ يعنى اشار لهم لأنه –كما ذكرنا- لا يستطيع الكلام، وهذا يبين حرص زكريا الكامل على ابلاغ الدعوة، حتى في مدة ثلاثة ايام، المفروض عنده عذر، وهو أنه غير قادر على الكلام، ومع ذلك فهو مصر على طاعة الله تعالى وابلاغ دعوته والأمر بالمعروف
|