رَقَائِقُ الْفَتْحِ
الْحَلَقَةُ الثَّالِثَةُ
عُنْوَانُ الْحَلَقَةِ: حُبُّ النَِبىِّ 1/ 2
* * *
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ
أَمَّا بَعْدُ
مَعَ حَلَقَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ "رَقَائِقِ الْفَتْحِ" وحنتكلم النهاردة – إِنْ شَاءَ اللهُ- عَنْ مَوْضُوعٍ مُهِمٍ جِدًا وَهُوَ "حُبُّ النَّبِيِّ" صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهَمِّيَةُ حُبِّ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَتَمَثَّلُ فِي أَمْرَيْنِ:
1- الأَمْرُ الأَوَّلُ: أَنَّ حُبَّ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرْطٌ لاكْتِمَالِ الإِيمَانِ.
يَقُولُ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ" مَعْنَى "لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ " يَعْنِي لا يَكْتَمِلُ إِيمَانُ الْعَبْدِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ" إِلَّا لَمَّا يُحِبُنِي أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ لِنَفْسِهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أنَّ حُبَّ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، بَلْ سَبَبٌ لِبُلُوغِ الدَّرَجَاتِ الْعُلا مِنَ الْجَنَّةِ.
2- جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟يَعْنِي مَتَى يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا؟ يَعْنِي لَيْسَ الْمُهِمُ مَوْعِدُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَكِنَّ الْمُهِمَّ مَا أَعْدَدْتُ أَنْتَ لِهَذَا الْمَوْقِفِ، لأَنَّ الإِنْسَانَ عِنْدَمَا يَمُوتُ تَقُومُ قِيَامَتَهُ، وَيَنْقَطِعُ عَمَلَهُ قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ عَمَلٍ إِلَّا أَنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ عَمَلٍ" لأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْتَقِلُّونَ أَعْمَالَهُمْ فِي جَنَابِ الْحَقِّ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، المَيْزَةُ الوَحِيدَةُ التِِّى فِيهِ أَنَّهُ يُحُبُ اللهَ وَرَسُولَهُ– صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللهِ– صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَاوِي الْحَدِيثِ "فَمَا رَأَيْتُ فَرَحَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الإِسْلَامِ فَرحُهُمْ بِهَذَا" يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَاوِي هَذَا الحَدِيثِ "فَمَا رَأَيْتُ فَرَحَ المُسْلِمِينَ بَعَدَ الإِسْلامِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا" عُمْرِي مَا شُوفْت المسْلِمِينَ فَرْحَانِينَ قَدَّ فَرْحَتُهُمْ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الحَدِيثَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
هَدَفُ كَلامِنَا النهارده، هُوَ أَنْ تَزِيدَ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قُلُوبِنَا.
خلينا نَسْتَعْرِضُ بَعْضَ نَمَاذِجَ مِنْ حُبِّ الصَّحَابَةِ لِلرَّسُولِ– صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
* * *
- الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الهِجْرَةِ عِنْدَمَا أَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِيقِ أَنَّهُ سَيَكُونَ صَاحِبَهُ فِي الْهِجْرَةِ ، بَكَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، لِمَاذَا بَكَى أَبُو بَكْرٍ ؟ لأَنَّهُ سَيَكُونَ مُصَاحِبًا وَمُلازِمًا لِلرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعِدَةِ أَيَامٍ.
وَعِنْدَمَا صَعِدَا إِلَى "غَارِ ثِوْرٍ" وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ أَمَامَ الْغَارِ وَقَالَ: وَالذِّي بَعَثَكَ بِالْحَقِ لا تَدْخُلْهُ حَتَّى أَدْخُلَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيءٌ فَيَبْدَأُ بِي، الْغَارُ يَكُونُ مَأْوًى لِلوُحُوشِ وَالِحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَيَبْدَأُ بِي
- دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الْغَارَ وَجدَ فِيهِ شُقُوقًا كَثِيرَةً، فَهَذِهِ الشُّقُوقُ طَبْعًا تَكُونُ بَيْتًا لِلحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، أَبُو بَكْرٍكَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ أَخَذَ يُمَزِّقَهُ وَيَسُدُ هَذِهِ الشُّقُوقَ، وَبَقِيَ شَقٌ وَاحِدٌ، لمَ ْيَسُدَّهَ أَبُو بَكْرٍ لأنَّ الثَّوْبَ الَّذِي مَعَهُ لَمْ يَكْفِ فِي سَدِّ هَذَا الشَّقِ
دَخَلَ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَارَ، وَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَسْنَدَ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ عَلَى فَخْذِ أَبِي بَكْرٍ لِيَنَامَ وَيَسْتَرِيحَ، "أَبُو بَكْرٍ" مَا نسيش الفتحة المتبقية، وهو قلقان على الرسول- صلى الله عليه وسلم- فَسَدَّ هَذِهِ الْفَتْحَةَ المُتَبَقِيَةَ بِكَعْبِ قَدَمَهُ، بِالْفِعْلِ هَذَا الشَّقِ كَانَتْ فِيهِ حَيَّةً، لَدَغَتْ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّ أَبَا بَكُرٍ لمَ ْيُحَرِّكْ رِجْلَهُ حَتَّى لا يُوقِظُ رَسُولَ الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَوْمِهِ، وَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَلَّمُ، وَتَسْقُطُ دُمُوعُهُ مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ، وَمَعَ ذَلِكَ لمَ ْيُحَرِّكْ رِجْلَهُ حَتَّى لا يُوقِظُ رَسُولَ الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَقِيقَةُ أَنَا تَوَقَفْتُ كَثِيرًا أَمَامَ هَذِهِ الْقِصَةِ، وَكُنْتُ أقَُولُ أَنَا مُسْتَعِدٌ أَنْ أُضَحِّي بِحَيَاتِي فِي سَبِيلِ الرَّسُولِ- صّلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مُتَأَكِدٌ مِنْ شُعَوِرِنَا كُلِّنَا، كُلُّنَا مُسْتَعِدُونَ أَوْ حَتَّى نِفْسِنَا نُضَحِّي بِحَيَاتِنَا فِي سَبِيلِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ انْظُرْ أَبَا بَكْرٍ يُضَحِي بِحَيَاتِهِ فِي سَبِيلِ أَلاَّ يُوقِظُ الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَوْمِهِ
أَبُو بَكْرٍ يَتَأَلَّمُ وَتَنْحَدِرُ دُمُوعُهُ مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ، وَمَعَ ذَلِكَ لا ْيُحَرِّكُ رِجْلَهُ حَتَّى لا يُوقِظُ رَسُولَ الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَسْقُطُ دُمُوعُ أَبَي بَكْرٍ عَلَى وَجْهِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْتَبِهُ مِنْ نَوْمِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: مَالَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟!، قَالَ: لُدِغْتُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِي! يا سلام شوف الأدب ما قلش لدغت بسببك مثلًا،لا، لُدِغْتُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِي فَتَفَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسَحَ عَلَى قَدَمِه، فَذَهَبَ مَا يَجِدُ أَبُو بَكْرٍ
- فِي الطَّرِيقِ إِلَى المّدِينَةِ، جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَ الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، وَمِرَّةً عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : مَا هَذَا يَا أبَا بَكْرٍ؟ فِقِالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَذْكُرُ الرَّصَدَ فَأَكُونَ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ خَلْفَكَ، وَمَرَّةٌ عَنْ يَمِينِكَ، وَمَرَّةٌ عَنْ يَسَارِكَ، لا آمَنُ عَلَيْكَ.
- مِنْ شِدَّةِ حُبِّ أَبِي بَكْرٍ لِلرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرِضَ يَمْرَضُ أَبُو بَكْرٍ، مَرِضَ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَلَمَّا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ لِيَعُودَهُ وَرَأَي الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرِيضًا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شُفِيَ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ لِيَعُودَ أَبَا بَكْرٍ، لمَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَلِيمًا شُفِيَ هُوَ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا
مَرِضَ الحَبِيبُ فَعُدْتُهُ فَمَرِضْتُ مِنْ حَذَرِي عَلَيْهِ
وَأَتَى الحَـبِيبُ يَعُودُنِي فَبَرئِتُ مِنْ نَظَـــرِي إِلَيْهِ
- انْظُرْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَمَا هَاجَرَ مِنْ مَكَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَقَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي فِرَاشِهِ لِيَفْدِيهِ بِحَيَاتِهِ، وَيَكُونُ أَوَْل فِدَائِي فِي الإِسْلَامِ، وَقُلْنَا إِنَنَا نَفْهَمُ هَذَا، نَفْهَمُ أَنْ تُضَحِّي بَِحَيَاتِكَ فِي سَبِيلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ انْظُرْ مَا الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ ، بَقِيَ "عَلِىٌّ" فِي مَكَّةَ بَعَدَ ذَلِكَ بِضْعَةَ أَيَامٍ لِيَرُدَ وَدَائِعَ قُرَيْشٍ الآن هِجْرَةِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَقَدَ فِي فِرَاشِه، وَظَلَّ فِي مَكَّةَ لِيَرُدَ الْوَدَائِعَ، وَبَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلِيٌّ الْوَدَائِعَ،َ الآن "عَلِىٌّ" يُرِيدُ أَنْ يَلْحَقَ بِالرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَدِينَةِ وَلَكِنْ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَاحِلَةً، وَلَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ ثَمَنَ الرَّاحِلَةِ، وَكَانَ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاحِشُهُ جدًا مِشْ قَادِر يَنْتَظِرُ حَتَّى يُدَبِّرَ ثَمَنَ الرَّاحِلَةِ، "عَلِيٌّ" أَخَذَ بَعْضُهُ وَذَهَبَ إِلَى المَدِينَةِ سَيْرًا عَلَى قَدَمَيْهِ، الْمَسَافَةُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ 460 كِيلُو مِتْرِ وَالمَدِينَةِ، واللي احنا بنروحها رَاكِبِينَ سَيَّارَاتٍ مُكُيْفَةٍ، نَقِفُ فِي الرِّسْتِ مَرَّتَيْنِ، وَنَصِلُ مُرْهَقِين، ذَهَبَ عَلِيٌّ كُلَّ هَذِهِ المَسَافَةِ سَيْرًا عَلَى قَدَمَيْهِ، بَيْنَ الْجِبَالِ وَالصَّحَرَاءِ شَدِيدَةِ الَحرَارَةِ، لأَنَّ الرَّسُولَ وَحَشَهُ، ولَمْ يَسْتَطِعُ تَحَمُّلَ بُعْدَهُ عَنْهُ، وَصَلَ عَلِىٌّ إِلَى مَشَارِفَ المَدِينَةَ كَانَتْ َقَدْ تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، وَسَقَطَتْ أَظَافِرَه، حَاوَلُوا أَنْ يَسْنِدُوهُ ما قدرش فَلَمْ يَسْتَطِعُ حَتَّى ْقَدَمَهُ تَلْمِسُ الأَرْضَ، جَاءَ الرَّسُولُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَزُورَهُ لمَا رَأَى قَدَمَا عَلِىٍّ بَكَى، وَمَسَحَ عَلَيهِمَا فبَرِأَتْ.
* * *
- انْظُرْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ قَبْلَ المَعْرَكَةِ أَخَذَ الرَّسُولُ يُعَدِّلُ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ وَفِي يَدِهِ قَدَحٍ يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرَّ بِسَوَادٍ بْنِ غُزَيَّةٍ وَهُوَ مَسْتَنْتِلُ مِنَ الصَّفِّ، يَعْنِى مُتَقَدِّمٌ عَنِ الصَّفِّ، طَالِعٌ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ "اسْتَوِ يَا سَوَادٌ" مَرَّةٌ ثَانِيَةٌ وَجَدَ سَوَادٌ لا يَزَالُ مُتَقَدِمًا عَنِ الصَّفِّ، فَقَالَ "اسْتَوِ يَا سَوادٌ" المَرَّةُ الثَّالِثَةُ وَجَدَ سَوَادًا لا يَزَالُ مُتَقَدِمًا عَنِ الصَّفِّ، فَزَقَُه بِقِطْعَةٍ فِي يَدِهِ بِبَطْنِهِ وَقَالَ: اسْتَوِ يِا سَوادٌ، فَقَالَ يَا رَسولَ اللهِ أَوْجَعْتَنِي وَقَدْ بَعَثَكَ اللهُ بِالْحَقِ وَالْعَدْلِ فَأَقْدِنِي، قَالَ: فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ: اسْتَقِدْ، قَالَ: فَاعْتَنَقْهُ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَادٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ حَضَرَ مَا تَرَى فَأَرَدْتُ أُنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِكَ أَنْ يَمِسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ بِخَيْرٍ وَقَالَ لَهُ: اسْتَوِ يَا سَوَادٍ.
- فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ عِنْدَمَا تَكَالَبَ الْكُفَّارُ عَلَى الرَّسُولِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، لأَنَّهُ كَانَ هَدَفُ غَزْوَةِ أُحُدٍ أَمْرَيْنِ: الأَمْرُ الأَوَلُ هُوَ الانْتِقَامُ لِقَتْلَى بَدْرٍ، وَالهَدَفُ الثَّانِي هُوَ قَتْلُ الرَّسُولِ حَتَّى لا يَقُومُ لِلْمُسْلِمِينَ قَائِمَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، تَكَالَبَ جَيْشُ الْكُفَّارِ بِالْكَامِلِ، ثَلاثَةُ آلافِ مُشْرَكٍ يُرِيدُونَ قَتْلَ الرَّسُولِ، وَالمُسْلِمُونَ قَدْ انِكَشَفُوا لأَنَّ سَرَتْ إِشَاعَةٌ أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ قُتِلَ فَأُحْبِطَ مَنْ أُحْبِطْ، وَعَادَ مَنْ عَادَ إِلَى المَدِينَةِ، وَالرَّسُولُ وَقَفَ يُنَادِي مَنْ يَدْفَعُهُمْ عَنِّى؟ فَيَأْتِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَيَقُولُ "نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ يَا رَسُولَ اللهِ" أَنَا رَقَبَتِي تَتَقَطَّعُ وَلَكِنْ لا يَخْلُصُ إِلَيْكَ شَيئًا وَلا يَمَسُّكَ شَيْئًا يَا رَسُولَ اللهِ، وَيَأْتِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَدْفَعُ عَنْ رَسُولِ اللهِ وَيُصَابُ إِصَابَاتٍ بَالِغَةٍ حَتَّى أَنَّ الرَّسُولَ بَعْدَ المَعْرَكَةِ كَانَ يَبْحَثُ عَنْهُ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَيَأْتِي عَشْرَةُ مِنْ شَبَابِ الأَنْصَارِ وَيَسْقُطُ الْوَاحِدُ تِلْوَ الآخَرِ شَهِيدًا وَهُوَ يُدَافِعُ عَنْ الرَّسُولِ ، وِتَأْتِي أُمُّ عُمَارَةَ أَوْ "نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ" تَحْمِلُ السَّيْفَ وَتُدَافِعُ عَنْ الرَّسُولِ ، فَيَأْتِي ابْنُ قَمِئَةِ الْكَافِرُ، وَهُوَ مِنْ فِرْسَانِ المُشْرِكِينَ، يَجِدُ أُمَّ عِمَارَةَ وَاقِفَةً أَمَامَهُ بِالسَّيْفِ فَيَضْرِبُ ضَرْبَةً تُطِيحُ السَّيْفَ مِنْ يَدَهَا، وَتَقِفُ مَعَ ذَلِكَ أُمُّ عِمَارَةَ لا تَتَحَرَّكُ مِنْ مَكَانِهَا،َ وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَلَّا يَقْتِلُونَ النِّسَاءَ، فَيَضْرِبُهَا ابْنُ قَمِئَةِ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ ضَرَبَاتٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى تَسْقُطَ مُدْرَجَةً فِي دِمَائِهَا، وَيَأْتِي ابْنُهَا يُرِيدُ أَنْ يُسَاعِدَهَا، تَقُولُ لَهُ دَعْنِي، دُونَكَ رَسُولُ اللهِ، وَيَتْرُكُهَا ابْنُهَا
وَيَأْتِي أَبُو دُجَانَةَ يُتَرَّسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ يُتَرَّسُ يَعْنِي حَضَنَهُ حَتَّى جَعَلَ جَسَدَهُ هُوَ التِّرْسَ أَوْ الدِّرْعَ الَّذِي يَحْمِيه مِنَ السِّهَامِ، وَيَقَعُ سَهْمٌ فِي ظَهْرِ "أَبِي دُجَانَةَ" فَلا يَتَحَرَّكُ "أَبُو دُجَانَةَ" مِنْ مَكَانِهِ، وَيَسْقُطُ سَهْمٌ ثَانِي وَثَالِثٌ وَرَابِعٌ، وَ"أَبُو دُجَانَة َ" ثَابِتٌ لا يَتَحَرَّكُ، يَقُولُ الرَّاوِي حَتَّى أَصْبَحَ "أَبُو دُجَانَةَ" مِثْلَ الْقُنْفُذِ، وَهُوَ مُحْتَضِنًا الرَّسُولَ لا يَتَحَرَّكُ مِنْ مَكَانِهِ.
وَيَعُودُ الرَّسُولُ بَعْدَ المَعْرَكَةِ إِلى المَدِينَةِ، وَتَقِفُ إِحْدَى الصَّحَابِيَّاتِ عَلَى أَطْرِافِ المَدِينَةِ تَنْتَظِرُ الرَّسُولَ وَتَقُولُ: مَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَيُقَالُ لهَا: إِنَّ زَوْجَكِ قَدْ مَاتَ، فَتَقُولُ: مَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَيُقَالُ لَهَا: إِنَّ ابْنَكِ قَدْ مَاتَ، فَتَقولُ: مَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللهِ؟ يُقَالُ لهَا: إِنَّ أَخِيكِ قَدْ مَاتَ، تَقُولُ: مَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللهِ؟ قَالُوا لهَا: هُوَ بِخَيْرٍ! قَالَتْ: حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَتِ الرَّسُولَ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ هَيْنَةٌ.
* * *
إِنْ شَاءَ اللهُ فِي الحَلَقَةِ الْقَادِمَةِ مِنْ "رَقَائِقِ الفَتْحِ" حنَسْتَكْمِلُ نماذج حب الصحابة للرسول - صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
* * *
قبل ما نختم ما هو معيار معيار محبة الرسول e معيار محبة الرسول e هو اتباع منهج الرسول e يقول تعالى في سورة آل عمران
|