رَقَائِقُ الْفَتْحِ
الْحَلَقَةُ السابعة
تَارِيخُ الإِذَاعَةِ:
عُنْوَانُ الْحَلَقَةِ: التوبة 2
* * *
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ
أَمَّا بَعْدُ
* * *
بدأنا في اللقاء السابق حديثنا عن التوبة، وقلنا أن التوبة تعنى ، الْعَوْدَةَ وَالرُّجُوعَ، الرُّجُوعُ مِنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ إِلَى كُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ، الرُّجُوعُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلَى طَاعَةِ اللهِ
يقول الحق –سبحانه وتعالى- ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) نداء قرآني شامل لنا جميعًا، كلكم توبوا، خلى بالك الآية دي في سورة النور، وهي سورة مدنية، يعنى هذه الآية نزلت في الصحابة، يعنى ربنا بيقول للصحابة "توبوا جَمِيعًا" لإن البعض يعتقد لما تقوله توب، يقولك أتوب ليه وانته شايفنى باعمل ايه، لا التوبة واجبة على الجميع: المؤمن والعاصى، الفاجر والتقي، الكبير والصغير
الرسول –صلى الله عليه وسلم- نفسه يقول "يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مئة مرة أو أكثر من مئة مرة" حديث رواه مسلم عن ابن عمر –رضي الله عنهما-
فإذا كان الرسول المعصوم الذي غفر له الله تعالى ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر ويتوب في اليوم مائة مرة، أو أكثر من مئة مرة فكيف بنا نحن
وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" عارف لما يقولك فلان ماددلك ايده، أهو الحق –سبحانه وتعالى- الملك ماددلك ايده ليل ونهار "حتى تطلع الشمس من مغربها" يعنى حتى يوم القيامة
روي مسلم –كذلك- من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ! من ذا الذي يسألني فأعطيه ! من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ! فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"
إحنا عندنا كنز اسمه "جوف الليل" و "الثلث الأخير من الليل" كل يوم ينزل الحق إلى السماء الدنيا، نزولًا يليق بجلاله وكماله، وينادي "من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ! من ذا الذي يسألني فأعطيه ! من ذا الذي يستغفرني فأغفر له !" واحنا كل ليلة في غفلة، وكل ليلة نائمون
يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي
(( ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه يقول: يا رب ائذن لي أن أُغرق ابن ادم فانه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات: يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن ادم فانه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض: يا رب ائذن لي أن ابتلع ابن ادم فانه أكل رزقك وعبد غيرك، فيقول الله تعالى: دعوهم لو خلقتموهم لرحمتموهم ))
ويقول تعالى –كذلك- في الحديث القدسي
(( أني لأجدنى استحى من عبدي يرفع أليا يديه يقول يا رب فاردهما، فتقول الملائكة أنه ليس أهلا لان تغفر له فيقول الله ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم أنى قد غفرت لعبدي))
جاء في الحديث ((أوحى الله إلى داود: يا داود لو يعلم المدبرين عني شوقي لعودتهم ورغبتي في توبتهم لذابوا شوقا أليا يا داود هذه رغبتي والمدبرون فكيف محبتي بالمقبلين عليا))
"أبو نواس" الشاعر العباسي، كان معروفًا بالمجون، حتى أطلق عليه "شاعر الخمر" ولكنه تاب قبل موته، وقال في ذلك:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعا
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل ظني ثم إني مســــــــــــــــــلم
يقول ابن القيم -رحمه الله- أن حقيقة التوبة: ترك وندم وعزم: ترك للذنب في الحال، وندم شديد على ارتكابه في الماضي، أنا ازاي عملت الذنب ده، وعزم أكيد على عدم العودة إلى هذا الذنب في المستقبل، أنا أترمي في النار ومعملش الذنب ده تاني
وفي شرط رابع أن ترد الحقوق إلى أصحابها، ما ينفعش تتوب وانته معتدي على حق حد، أو ظالم حد
لو كنت مثلًا شهدت زور، والشهادة دي تسببت في حبس واحد، ينفع تتوب ويبقي الموضوع خلاص كده ؟! لأ طبعًا، لازم تروح وتقول انك شهدت زور، حتى لو أدي ده الى انك تتحبس مكانه
لو ظلمت أختك أو بنتك في الميراث، وقلت ده سلو بلدنا، ينفع تقول توبت ويبقي الموضوع انتهي ؟! طبعًا لأ، رجعلها حقها الأول وبعدين قول أنا تبت
يبقي أول خطوة من خطوات التوبة هي ترك الذنب في الحال، و "في الحال" يعنى في هذه اللحظة، مش الأسبوع الجاي ولا بكره
شوف "الفضيل بن عياض" كان سارق وقاطع طريق، لدرجة ان الأمهات كانوا بيخوفوا عيالهم بالفضيل بن عياض، تأتي الأم تقول لطفلها: اسكت والا أخذك الفضيل
في يوم الفضيل دخل أحد البيوت ليسرقها، فوجد صاحب البيت شيخ كبير فاتح المصحف، ويقرأ القرآن على سراج صغير، ويبكي
جلس الفضيل يستمع إلى قراءة هذا الشيخ الكبير، ويشاهد بكائه، حتى مر الشيخ بقول الله تعالى في سورة الحديد ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ)) فنظر الفضيل إلى السماء وقال: آن يارب ، الفضيل ما قلش الأسبوع اللى جاي، ولا بعد السرقة دي، ولا حتى قال بكره، ذهب الفضيل من فوره فاغتسل ثم ذهب إلى المسجد وأخذ يبكي حتى صلاة الفجر، ويصبح الفضيل بعد ذلك أحد كبار الصالحين في تاريخ الأمة كلها، ويصبح إمام الحرمين الحرم المكي، والحرم المدني
* * *
هناك قصة في هذا الموضوع: فتاة اسمها "ليلي" بتحكي عن نفسها وبتقول إنها كانت ملتزمة تحافظ على الصلاة في مواعيدها، لكن في يوم –وبدافع الفضول- دخلت على أحد المواقع الإباحية، ومن موقع لموقع أدمنت تصفح المواقع الإباحية على النت، وبدأت في الشات مع الشباب، ومن الشات الى برامج المحادثة الصوتية، ووصلت الى أنها تفتح الكام مع الشباب، كانت بتقوم بأفعال وكلام –زي بتقول- أفعال وكلام مشين تستحي أن تذكره
ولذلك نقول الأفضل دائمًا ألا يكون جهاز الكمبيوتر داخل غرف نوم الأبناء، الأفضل أن يكون الجهاز في الصالة، والشاشة تكون موجهة بحيث أي حد معدي ممكن يشوف الشاشة
المهم استمرت على هذه الأمور عدة شهور، كل يوم لما ييجي الليل تجري على النت كالمجنونة، وتقعد لحد الصبح، لكن تاني يوم بتكون مكتئبة وحزينة وقرفانة من نفسها
وكان ليها صديقة بيشجعوا بعض على هذه الأمور، ويتبادلوا الأفلام الإباحية، وفي يوم "ليلي" قررت أنها تتوب، وقالت إن أول خطوة في التوبة إن هيه تبعد عن صديقتها اللي بتشجعها على هذه الأمور، وده قرار سليم جدًا، من أهم خطوات التوبة انك تبعد عن أصدقاء السوء، وتكون لك صحبة تانية، صحبة صالحة، بس "ليلي" مكسوفة من صاحبتها، حتقولها ايه ؟ حتقولها مش عاوزة أكلمك تاني ؟ فقررت تقولها ان هيه عاوزة تتوب، حتى لو اتريقت عليها، مش مشكلة خليها تيجي منها، وبالفعل "ليلي" قالت لصاحبتها: تعالى نتوب لربنا، وكانت المفاجأة إن صاحبتها فرحت جدًا بكلامها، وقالت لها أيوه نتوب ونشجع بعض، وبالفعل "ليلي" وصاحبتها تابوا، وبقوا يصحوا بعض على صلاة الفجر، وليهم برنامج في قراءة القرآن، وحفظ القرآن ويسمعوا البعض، واتحجبوا في يوم واحد، وبدئوا يحضروا دروس تجويد في المسجد
وبعدين صحبتها سافرت، وفضلوا على اتصال لحد ما نقطع اتصال صاحبتها، تبعتلها ميلات تتصل بيها مش عارفة توصل لها، وبعد 15 يوم اتصل أحد قرايبها وقالها الخبر اللي نزل عليها كالصاعقة، أن صاحبتها ماتت، مرضت فجأت ونقلوها المستشفي، ودخلت في غيبوبة لمدة يومين، وكل ما كانت بتفوق كانت بتردد اسم "ليلي" وقبل ما تموت ادت قريبها ورقة مكتوب فيها اسم "ليلي" ورقم تليفونها، وقالت له لو مت اتصل بليلي وقلها تدعيلي
"ليلي" بعتت قصتها وبتقول حاجتين: أول حاجة بتقولها أن الطاعة لها حلاوة، لا تقارن بالسعادة الزائفة للمعصية، وتاني حاجة التعجيل بالتوبة، تخيل لو صاحبة "ليلي" ما كانتش وافقتها لما "ليلي" راحت وقالتلها تعالى نتوب
"ليلي" بتقول أرجو كل من يقرا قصتي هذه الواقعية أن يعلن التوبة الآن دون تسويف
* * *
انتهت قصة "ليلي" وأهم ما في القصة، هي رسالة "ليلي" الأخيرة، انك تتوب دلوقتى دون تسويف، يعنى ايه تسويف ؟ تسويف جاية من كلمة "سوف" سوف أتوب لما أكبر، سوف أرتدي الحجاب لما أتجوز، حابطل سجاير رمضان الجاي، حابتدي أصلى من أول الأسبوع
سوف من جنود ابليس
تخيل أن أكثر عذاب وصراخ أهل النار بسبب التسويف، بسبب الندم على ترك التوبة، أكثر عذاب أهل النار مش النار ولا العذاب، أنما لإن كان قدامه الفرصة يتوب وما تابش
يقول تعالى
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
نستغر الله العظيم ،نستغفر الله العظيم ،نستغفر الله العظيم تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا وعاهدنا الله على ألا نعود للمعاصى أبدا
اللهم أنت ربى لا اله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك على، وأبوء بذنبي فأغفر لي، فأنه لا يغفر الذنوب ألا أنت
|