رَقَائِقُ الْفَتْحِ
الْحَلَقَةُ الثامنة- التوبة 3
اتكلما على مدار حلقتين عن "التوبة" وقلنا إِنَّ حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ: تَرْكٌ وَنَدَمٌ وَعَزْمٌ: تَرْكٌ لِلذَّنْبِ فِي الْحَالِ، وَنَدَمٌ شَدِيدٌ عَلَى ارْتِكَابِهِ فِي الْمَاضِي، وَعَزْمٌ أَكِيدٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَى هَذَا الذَّنْبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
الْإِمَامُ عَلِىٌّ -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- وَضَعَ شُرُوطَ التَّوْبَةِ فِي سِتِّ نِقَاطٍ، فَقَالَ –رَضِىَ اللهُ عَنْهُ وَكَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ-
التَّوْبَةُ دَرَجَةُ الْعِلِّيينَ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى سِتِّ مَعَانٍ:
أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى.
وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ أَبَدًا.
وَالثَّالِثُ :أَنْ تُؤَدِي إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَ اللهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ.
وَالَّرابِعُ: أَنْ تَعْمَدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّي حَقَّهَا.
وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمَدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي يَنْبِتُ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيُبُهُ بِالْإِحْزَانِ حَتَّى تَلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ.
وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمُ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ اسْتَغْفِرُ اللهَ
* * * * * * * * *
يَقُولُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين}
يَعْنِى ايه وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين ؟ يعنى يُحُبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ.
يَقُولُ الرَّسُولُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "التَّائِبُ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ"
احنا بنسمع الحديث دايمًا ده في آخر الخطبة يوم الجمعة، بس عمرك ركزت في هذا المعنى ؟ "التَّائِبُ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ" التائب حبيب ربنا، ربنا بيحبه
حاقولك قصة في هذا المعنى، كان فيه رَاقِصَةٌ أَرَادَتْ التَّوْبَةَ، فَكَلَّمَتْ الشِّيْخَ/ الشَّعْرَاوِيَّ كان زمان أي فنان عاوز يتوب يتصل بالشِّيْخَ/ الشَّعْرَاوِيَّ –رَحِمَهُ اللهَ ورَضِىَ اللهُ عَنْهُ -
َفِي نِهَايَةِ الْمُكَالَمَةِ، الشَّيْخُ الشَّعْرَوِايُّ قَالَ لَهَا كلمة غريبة قوي، قَالَ لَهَا "ادْعِيلِي"، بَعْدَ مَا قَفَلَتْ السِّكَّةَ، قَعَدَتْ تُفَكِّرُ، هوه الشيخ الشعراوي بيتريق عليه؟ فهمت بعد كده إن أكيد الشَّيْخُ الشَّعْرَوِايُّ ما كانش طبعًا بيتريق عليها، انما كان بيعنى بالفعل انها تدعيله، لأن التَّائِبُ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ، التائب قريب جدًا من ربنا، لدرجة أن الشيخ الشعرواي نفسه بيطلب منها هيه انها تدعيله
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ "أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ عَاصٍ فَيَقُولُ يَا رَبُّ؛ فَتَحْجِبُ الْمَلَائِكَةُ صَوْتَهُ، فَيُكَرِّرُهَا فَيَقُولُ يَا رَبُّ فَتَحْجِبُ الْمَلَائِكَةُ صَوْتَهُ، فَيُكَرِّرُهَا فَيَقُولُ يَا رَبُّ فَتَحْجِبُ الْمَلَائِكَةُ صَوْتَهُ، فَيُكَرِّرُهَا فَيَقُولُ يَا رَبُّ فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِلَى مَتَى تَحْجِبُونَ صَوْتَ عَبْدِي عَنِّي، لَبَّيْكَ عَبْدِي لَبَّيْكَ عَبْدِي لَبِّيْكَ عَبْدِي لَبَّيْكَ عَبْدِي"
* * * * * * * * *
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ
((أَنَا وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ فِي نَبَأٍ عَظِيمٍ، أَخْلُقُ وَيُعْبَدُ غَيْرِي، أَرْزُقُ وَيُشْكَرُ سِوَايْ، خَيْرِي إِلَى الْعِبَادِ نَازِلٌ، وَشَرُّهُمْ إِلَيَّ صَاعِدٌ، أَتَوَدَدُّ إِلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي وَأَنَا الْغَنِىُّ عَنْهُمْ، وَيَتَبَغَضُّونَ إِلَيَّ بِالْمَعَاصِي وَهُمْ أَفْقَرُ مَا يَكُونُونُ إِلَيَّ، أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مَجَالَسَتِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَالِسَنِي فَلَيَذْكُرَنِي، أَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ مَحَبَّتِي، أَهْلُ مَعَصِيَتِي لَا أُقْنِطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي، إِنْ تَابُوا إِلَيَّ فَأَنَا حَبِيبُهُمْ، وَإِنْ أَبَوْ فَأَنَا طَبِيبُهُمْ، أَبْتَلِيهُمْ بِالْمَصَائِبِ لِأُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَايْبِ، الْحَسَنَةُ عِنْدِي بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَأَزِيَـدُ، وَالسَّيْئَةُ عِنْدِي بِمِثْلِهَا وَأَعْفُو، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَوْ اسْتَغْفَرُونِي مِنْهَا لَغَفَرْتَهَا لَهُمْ، مَنْ أَتَانِي مِنْهُمْ تَائِبًا تَلَقَيْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِّي نَادَيْتُهُ مِنْ قَرِيبٍ، أَقُولُ لَهُ أَيْنَ تَذْهَبُ أَلَكَ رَبٌّ سِوَايَ، أَلَكَ رَبٌّ سِوَايَ)
تسمع الحديث ده، تحس انك بتحب ربنا قوي، وتحس انك مكسوف من ربنا، وتحص انك مطمن قوي انك ربك بهذه الرحمة
رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلَأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمْ اللّهَ تَعَالَى لَغَفَرَ لَكُمْ،
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرْ لَهُمْ"
* * * * * * * *
وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ أَنَّ أَبَا أَيُوبَ الْأَنْصَارِيَّ –رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةَ قَالَ: قَدْ كُنْتُ كَتَمْتُ مِنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"
* * * * * * * *
على فكرة ما تستغربش من الأحاديث دي، العلماء بيقولولك لو انته ما أذنبتش، واستغفرت، وتوبت، ستتعطل صفات من صفات الله، ستتعطل صفات: الغفور، التواب، العفو
يا جماعة هوه ربنا خلقنا ليه؟ ما كانت الملائكة موجودة، ربنا خلقنا عشان نخطأ ونستغفر ونتوب، يقول "عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ"هيَ خَطَايَا مُطَوَّقَةٌ فِي أَعْنَاقِ الرِّجَالِ، وَإِنَّ الْهَلَاكَ فِي الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا" حنغلط حنغلط بس المهم نستغفر ونتوب
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ : أَلَا يَسْتَحِيي أَحَدُنَا مِنْ رَبِّهِ يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذُنُوِبِهِ ثُمَّ يَعُودُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ ثُمَّ يَعُودُ، فَقَالَ:
وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ ظَفَرَ مِنْكِمْ بِهَذَا، فَلَا تَمِلُّوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ.
مَالِكِ بْنِ دِيْنَارٍ، من كبار التابعين، وقصة توبته من أجمل قصص التوبة
يَقُوْلُ: بَدَأْتُ حَيَاتِي ضَائِعًا سِكِّيرًا عَاصِيًا شَدِيْدَ الفُجُورِ، أَظْلِمُ النَّاسَ وأَضْرِبُهُمْ، وَلاَ تُوجَدُ مَعْصِيَةٌ إِلاَّ وَارْتَكَبْتُهَا
يَقُوْلُ: فِيْ يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ، اشْتَقْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ وَيَكُوْنَ عِنْدِي أَطْفَالٌ، فَتَزَوَّجْتُ وَأَنْجَبْتُ طِفْلَةً سَمَّيْتُهَا "فَاطِمَةَ" أَحْبَبْتُهَا حُبًّا شَدِيدًا، وَكُلَّمَا كَبُرَتْ "فَاطِمَةُ"؛ ابْتَعَدْتُ عَنِ الْمَعَاصِي شَيْئًا فَشَيْئًا وَاقْتَرَبْتُ مِنَ اللهِ خُطْوَةً، وَلَرُبَّمَا رَأَتْنِي "فَاطِمَةُ" أُمْسِكُ كَأْسًا مِنَ الخَمْرِ، فَاقْتَرَبَتْ مِنْي فَأَزَاحَتْهَا، وَهِيَ لَمْ تُكْمِلِ السَنَتَيْنِ، وَكَأَنَّ اللهَ يَجْعَلُهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ
فَلَمَّا أَكْمَلَتْ "فَاطِمَةُ" عَامَهَا الثَالِثَ مَاتَتْ،
فَانْقَلَبْتُ أَسْوَأَ مِمَّا كُنْتُ، وَتَلَاعَبَ بِيَ الشَّيْطَانُ، حَتَّى جَاءَ يَومٌ فَقَالَ لِي شَيْطَانِي: لَتَسْكَرَنَّ اليَوْمَ سَكْرَةً مَا سَكِرْتَ مِثْلَهَا مِنْ قَبْلِ!!
فَظَلَلْتُ طِوَالَ اللَّيْلِ أَشْرَبُ وَأَشْرَبُ وَأَشْرَبُ،
فَرَأَيْتُنِي تَتَقَاذَفُنِي الأَحْلَامُ، رَأَيْتُنِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَقَدْ أَظْلَمَتْ الشَّمْسُ، وَتَحَوَّلَتْ البِحَارُ إِلَى نَارٍ، وَزُلْزِلَتْ الأَرْضُ، وَالنَّاسُ أَفْوَاجٌ وَأَفْوَاجٌ، وأنا بينهم
وَأَسْمَعُ المُنَادِي يُنَادِي فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ، هَلُمَّ لِلْعَرْضِ عَلَى الجَبَّارِ،
يَقُولُ: فَأَرَى فُلَانٌ هَذَا وَقَدْ اسْوَدَّ وَجْهُهُ سَوَادًا شَدِيْدًا مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ، يَقُوْلُ: حَتَّى سَمِعْتُ المُنَادِي يُنَادِي بِاسْمِي: مَالِكِ بْنِ دِيْنَارٍ هَلُمَّ لِلْعَرْضِ عَلَى الجَبَّارِ، فَاخْتَفَى البَشَرُ مِنْ حَولِي، وَكَأَنَّ لَا أَحَدَ فِي أَرْضِ المَحْشَرِ، ثُمَّ رَأَيْتُ ثُعْبَانًا عَظِيْمًا قَوِيًّا يَزْحَفُ نَحْوِي فَاتِحًا فَمَهُ، فَجَرَيْتُ مِنْهُ وَأَنَا مِنَ الخَوفِ فِي نِهَايَةٍ، فَوَجَدْتُ رَجُلاً عَجُوزًا ضَعِيفًا
فَقُلْتُ لَهُ: انْقِذْنِي مِنْ هَذَا الثُّعْبَانِ !
فَقَالَ لِي: يَا بُنَيُّ أَنَا ضَعِيْفٌ لَا أَسْتَطِيعُ لَا أَسْتَطِيعُ أن أفِعْلَ لك شيئًا وَلَكِنِ اجْرِ فِي هَذِه النَّاحِيَةِ لَعَلَّكَ تَنْجُو، فَجَرَيْتُ حَيْثُ أَشَارَ لِي وَالثُّعْبَانُ خَلْفِي، وَوَجَدْتُ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَأَهْرَبُ مِنَ
الثُّعْبَانِ لأَسْقُطَ فِي النَّارِ ؟! فَعُدْتُ مُسْرِعًا أَجْرِي وَالثُعْبَانُ يَقْتَرِبُ،
فَعُدْتُ لِلْرَجُلِ الضَّعِيْفِ، وَقُلْتُ لَهُ: بِاللهِ عَلَيْكَ انْجِدْنِي انْقِذْنِي، فَبَكَى رَأْفَةً بِحَالِي، وَقَالَ: أَنا ضَعِيفٌ كَمَا تَرَى، لَا أَسْتَطِيعُ فِعْلَ شَيْء،ٍ وَلَكِنْ اجْرِ تِجَاهَ ذَلِكَ الجَبَلِ لَعَلَّكَ تَنْج
|