رَقَائِقُ الْفَتْحِ
الْحَلْقَةُ الْحَادِيَةُ عَشْرَةِ- قِيَامُ اللَّيْلِ 2
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
أَمَّا بَعْدٌ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اتْكَلِمْنَا فِي الْحَلْقَةِ السَّابِقَةِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَاتَّفَقْنَا أَنَّنَا نُحْيِي لَيْلَةَ رَأْسِ السَّنَةِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَقُلْنَا زي مَا فِيهِ نَاس حتقضي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي الْمَعْصِيَةِ، يبقى إحنا نَقْضِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي الطَّاعَةِ.
يَقُولُ تَعَالَى فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»
كَلِمَةُ «تَتَجَافَى» جاية مِنْ الْجَفْوَةِ، يقولك هُنَاكَ جَفْوَةٌ بَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، يَعْنِي مِشّ طايقين بَعْض «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» يعني مِشّ طايقين السراير اللى نايمين عَلَيْهَا، مِشّ طايقين يَنَامُوا عشان عاوزين يَقُومُوا اللَّيْلَ، وَيَقِفُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.
تَجِدُ -مَثَلًا- شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ- وَكَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ- كَانَ إِذَا دَخَلَ إِلَى فِرَاشِهِ يَتَقَلَّبُ عَلَيْهِ، يَقْعُدُ يَتَقَلَّبُ، مِشّ جايله نَوْم، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ قَدْ أَذْهَبَتْ عَنِّي النَّوْمَ.. ثُمَّ يَقُومُ يُصَلِّي إِلَى الْفَجْرِ.
عَارِف لما يَكُونُ عِنْدَكَ امْتِحَانٌ تاني يَوْمٍ، ومش عَارِف تَنَامُ مِنْ كُتْرِ الْقَلَقِ، شَدَّادٌ بْنُ قَيْسٍ كَانَ مِنْ كتر قَلَقِهِ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا بيعرفش يَنَامُ بِاللَّيْلِ، وَيَظَلُّ فِي صَلَاةٍ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ، كَانَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعُبَّادِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ بِاللَّيْلِ، يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْفِرَاشِ وَيَتَحَسَّسُهُ ثُمَّ يَقُولُ: مَا أَلْيَنُكْ.. وَلَكِنْ فِرَاشَ الْجَنَّةِ أَلِينُ مِنْكَ.. ثُمَّ يَقُومُ إِلَى صَلَاتِهِ.
هِيهِ دي «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثَّوَابُ أَجَلُّ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ.
ودايمًا لما يَأْتِي ذِكْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، يَأْتِي بَعْدَهَا ذِكْرُ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ، شوف أَيّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ بتتكلم عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، حتلاقي بَعْدَهَا عَلَى طُول الثَّوَابَ الْعَظِيمَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ:
«يَا دَاوُدُ إِنَّ لِي عِبَادًا أُحِبُّهُمْ وَيُحِبُونَنِي، وَأَشْتَاقُ إِلَيْهِمْ وَيَشْتَاقُونَ إِلَيَّ، إِنْ قَلَّدَتَهُمْ يَا دَاوُدُ أَحْبَبْتُكَ» فَقَالَ دَاوُدُ: يَا رَبُّ، دُلَّنِي عَلَيْهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: «يُرَاعُونَ الظِّلَالَ بِالنَّهَارِ، -يَعْنَي يُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا- وَيَحِنُّونَ إِلَى اللَّيْلِ كَمَا تَحِنُّ الطُّيُورُ إِلَى أَوْكَارِهَا، حَتَّى إِذَا جِنَّهمْ اللَّيْلُ وَخَلَى كُلُّ حَبِيبٍ بِحَبِيبِهِ، نَصَبُوا إِلَيَّ أَقْدَامِهِمْ، وَفَرَشُوا إلىَّ وُجُوهِهِمْ، وَنَاجَوْنِي بِكَلَامِي، وَتَمَلَّقُوا إِلَيَّ بِأَنْعَامِي، فَهُمْ بَيْنَ صَارِخٍ وَبَاكٍ، وَبَيْنَ مُتَأَوِّهٍ وَشَاكٍ.. أَتَعْلَمُ يَا دَاودُ.. أُعْطِهِمْ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ:
الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَتْ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والْأَرَاضِينَ السَّبْعُ فِي مِيزَانِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَاسْتَقْلَلَتُهَا عَلَيْهِمْ.
وَالثَّانِي: أقْذِفُ مِنْ نُورِي فِي وُجُوهِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ.
وَالثَّالِثُ: أُقْبِلُ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِي، أَفَرَأَيْتَ يَا دَاودُ مَنْ أَقْبَلَتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِي أَيَعْلَمُ أَحَدٌ مَاذَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَهُ؟
رَوَى أَحْمَدُ وَاَلتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ»
«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ» يُوصِيكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ «فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ» عِبَادَةُ كُلِّ الصَّالِحِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، عِبَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّدِيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ «وَقُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ» أَكْتَرَ حَاجَة تُقَرِّبُكَ لِرَبِّنَا هِيه قِيَام اللَّيْلِ «وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ» مِشّ مُمْكِن تَقُومُ اللَّيْلَ وِتَانَيْ يَوْم حترتكب ذَنْبًا «وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ» لِأَنَّ أَفْضَلَ أَوْقَاتِ الِاسْتِغْفَارِ هُوَ آخِرُ اللَّيْلِ، يَقُولُ تَعَالَى «وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» «وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ» ودي مِنَ الْإِعْجَازِ الْعِلْمِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، تَصَوَّرُ أَنَّ هُنَاكَ مِئَاتِ الْأَبْحَاثِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ يُسَاعِدُ فِي عِلَاجِ عَشَرَاتِ الْأَمْرَاضِ مِنَ السَّرَطَانِ إِلَى الْقَلْبِ وَالضَّغْطِ وَالسُّكَّرِ وَالْمَفَاصِلِ والْاكْتِئَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
احنا تَحَدَّثْنَا فِي الْحَلْقَةِ السَّابِقَةِ عَنْ قِيَامِ الرَّسُولِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شوف الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ يَقُولُ: يَقُولُ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمَائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٍ سَبَحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا، قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ «سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سُوءٍ. قِيلَ: مَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ»
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
- عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيُوقِظُ أَهْلَهُ وَيَقُولُ «وَأمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ» وَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَيَبْكِي بَيْنَ يَدِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى أَصْبَحَ تَحْتَ عَيْنَيْهِ خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الدُّمُوعِ، وَقَرَأَ لَيْلَةً «إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِع * مَا لَهُ مِنْ دَافِع» فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَظَلُّوا يَعُودُونَهُ شَهْرًا لَا يَعْرِفُونَ مَا بِهِ.
- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، وَيُسْمَعُ لَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، وَكَانَ يُقَسَّمُ اللَّيْلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ، فَيُصَلِّي هُوَ ثُلْثَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يُوقِظُ زَوْجَتَهُ فَتُصَلِّي الثُّلْثَ، ثُمَّ تُوقِظُ زَوْجَتُهُ ابْنَتَهُمَا الْوَحِيدَةَ فَتُصَلِّي الثُّلْثَ، فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، أَصْبَحَتْ زَوْجَتُهُ تَقُومُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَابْنَتُهُ تَقُومُ نِصْفَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا مَاتَتْ زَوْجَتُهُ أَصْبَحَتْ ابْنَتُهُ تَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، أَيْنَ بُيُوتُنَا نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ الْمُؤْمِنَةِ الْمُضِيئَةِ؟
- انْظُرْ «عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ» كَانَ يَحْرُسُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَحَدِ الْغَزَوَاتِ، فَقَامَ يُصَلِّي فِي اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ أَحَدُ الْمُشْرِكِينَ وَرَمَاهُ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي بَطْنِهِ، فَنَزَعَ السَّهْمَ وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَوَقَعَ فِي بَطْنِهِ، فَنَزَعَ السَّهْمَ كَذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ ثَالِثٍ فَجَاءَ فِي مَقْتَلٍ، جَاءَ فِي صَدْرِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الاحْتِمَالَ، فَأَيْقَظَ «عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ» لِأَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَبُ مَعَهُ الْحِرَاسَةَ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: لِمَاذَا لَمْ تُوقِظْنِي عِنْدَمَا رُمِيْتُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ عَبّادٌ: كُنْتُ أَقْرَأُ فِي آيَاتٍ فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَقْطَعَهَا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|