Untitled Document

عدد المشاهدات : 6672

الفصل الحادي عشر: النبي في بادية بنى سعد

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الثاني: من ولادة الرسول حتى مبعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

الفصل الحادي عشر

النبي في بادية "بنى سعد"

عائلة "حليمة"

كانت العائلة التى تربي فيها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تتكون من: "الحارث بن عبد العزى" وزوجته "حليمة بنت عبد الله بن الحارث" ولهم ثلاثة ابناء:

1-  عبد الله بن الحارث، وهذا الذي كانت ترضعه "حليمة"

2-  وأنيسة بنت الحارث

3-  وجدامة بنت الحارث، ولقبها "الشيماء" وهذه أشهر أخوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاعة

 

بقايا البيت الذي عاش فيه الرسول في بادية بنى سعد

وفاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد حوالى خمسة وعشرون سنة من هذا التاريخ، بعد أن تزوج السيدة خديجة، كان أول شيء فعله أن أرسل الى السيدة "حليمة" أربعين رأسًا من الضأن ترعاها في ديارها وتستغنى بها الى آخر ما قدر لها من العمر

وبعد ذلك التاريخ بعشرات السنين، في السنة الثامنة من الهجرة، انتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا في غزوة "حنين" على قبيلة "هوازن" وكان من أسري "هوازن" في هذا اليوم "الشيماء" أخت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاعة، فوقفت الشيماء بين الأسري ونادت: يا رسول الله، أني لأختك من الرضاعة، فقال لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وما علامة ذلك ؟ قالت: عضة عضضتها في ظهري، -يعنى هي كانت تحمل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ظهره وهو صغير فعضها في ظهرها، وعرفها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهش لها ورحب بها، وخلع ردائه وأجلسها الى جواره، وأخذ يتحدث اليها، ثم خيرها بأن تبقي في مكة معززة مكرمة، أو أن يعطيها أموال ويرجعها الى قومها، فاختارت أن يعطيها مال ويعيدها الى قومها

وقد أسلمت "شيماء" واشتهرت بكثرة العبادة

وقبيلة "بنو سعد" من القبائل التى ارتدت عن الاسلام بعد وفاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن ظلت "الشيماء" على دينها، ودافعت عن الاسلام بكل جهدها، وأخذت تنشد الشعر الذي تناصر فيه الاسلام والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أذهب الله تعالى الفتنة عن "بنى سعد"

أما "حليمة" فقد ماتت في السنة الثامنة، يقول الراوي: فذرفت عين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بالدموع

 

قبر حليمة السعدية في البقيع بالمدينة

الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يظل في "بنى ساعدة" عامين

ظل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بنى ساعدة سنتين، هي مدة الرضاعة، تقول السيدة حليمة في ذلك:

-        وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا مَا يُشْبِهُ أَحَدًا مِنَ الْغِلْمَانِ، يَشِبُّ فِي الْيَومِ شِبَّانَ الْغُلَامِ فِي الشّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شِبَّانَ السَّنَةِ

يعنى مثلًا الطفل العادي يبدأ في المشي في عمر السنة، فبدأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المشي في عمر ستة أشهر، ويبدأ والطفل العادي في الكلام في عمر عامين، فكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحدث في عمر عام مثلًا

وظل الرسول في قبيلة "بنى سعد" عامين، وهي فترة الرضاعة، وكان على حليمة وزوجها أن يردوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى أمه بمكة، كما هو الاتفاق

 

صورة من البادية

عودة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى مكة

ولكن حليمة وزوجها كانوا قد ارتبطوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأرادوا أن يحتفظوا  به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فترة أطول، فقالت السيدة حليمة وزوجها:

-        وَاللَّهِ لَا نُفَارِقُهُ أَبَدًا، وَنَحْنُ نَسْتَطِيعُ

وأخذا يحاولا مع السيدة "آمنة" ويقولان لها: إِنَّا لَنَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ وَأَسْقَامَهَا، وهكذا حتى وافقت السيدة "آمنة" حوفًا على ابنها، ورجعا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن لم تمر الا أربعة أشهر حتى وقعت حادثة شق الصدر:

 

صورة لبادية بنى سعد الآن

حادثة شق الصدر

كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلعب خَلْفَ الْبُيُوتِ هُوَ وَأَخُوهُ من الرضاعة، فجاء اليه جبريل في صورة رجل، وأضجعه الى الأرض، وشق صدره، وأخرج قلبه من صدره، وأخرج من قلبه علقة -يعنى قطعة دم متجمدة- وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل قلبه بماء زمزم في طست من ذهب، يعنى في طبق من ذهب، ثم ضم صدره مرة أخري

فلما رأي أخوه من الرضاعة هذا جري الى حيث أبوه وأمه، وقال: "إِنَّ أَخِيَ الْقُرَشِيَّ أَتَاهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بَيَاضٌ، فَأَخَذَاهُ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ" فذهبت السيدة حليمة وزوجها يجريان بأقصى سرعة، فوجدا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممتقع الوجه –يعنى لونه مخطوف- فلما رآهما أجهش بالبكاء، وأخذت السيدة حليمة وزوجها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أحضانهما

 

صورة من البادية

العودة الثانية للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى مكة

خافت حليمة وزوجها على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكون قد أصابه مس من الجن أو غير ذلك، فقررا أن يردوه الى أمه بمكة، وبالفعل ركبا الى مكة مرة أخري، وفوجئت السيدة "آمنة" بعودة حليمة وزوجها، فسألتهما عن السبب، فقالا: أنه قد استكمل الرضاعة، فلم تقتنع السيدة آمنة، وقَالَتْ: إِنَّ لَكُمَا لَشَأْنًا، يعنى الأمر فيه سر، فلم تزل السيدة "آمنة" بهما، حتى اعترفا لها بما حدث، وقالا لها انهما يخافان عليه، فَقَالَتْ:

-        كَلَّا وَاللَّهِ لَا يَصْنَعُ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ، إِنَّ لِابْنِي شَأْنًا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمَا خَبَرَهُ، إِنِّي حَمَلْتُ بِهِ، فَوَاللَّهِ مَا حَمَلْتُ حِمْلًا قَطُّ أَخَفَّ عَلَيَّ مِنْهُ وَلَا أَيْسَرَ، ثُمَّ أُرِيتُ حِينَ حَمَلْتُهُ أَنَّهُ خَرَجَ نُورٌ أَضَاءَ قُصُورَ بُصْرَى ، ثُمَّ حِينَ وَضَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ، لَقَدْ وَقَعَ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَدَعَاهُ عَنْكُمَا

وهكذا انتهت فترة اقامة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ديار قبيلة "بنى سعد" وكانت حوالى عامين قضاهما الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هناك، والقبيلة موجودة الى الآن، ومكان بيت "حليمة" الذي تربي فيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موجود الى الآن، وكان قد بنى عليه مسجد، ولكن قامت أيضًا السلطات السعودية بهدمه حتى لا يتبرك به الناس، ولكن المكان لا يزال معروف ومحاط بالحجارة

 

بقايا من بيت حليمة في بنى سعد

نتحدث في الفصل القادم عن عودة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى أمه والى جده "عبد المطلب"

 

صورة من البادية حيث عاش الرسول