Untitled Document

عدد المشاهدات : 3293

الفصل الثالث والعشرون: تجديد بناء الكعبة، وعبقرية تحكيم الرسول

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الثاني: من ولادة الرسول حتى مبعثه –صلى الله عليه وسلم 

الفصل الثالث والعشرون

تجديد بناء الكعبة

وعبقرية تحكيم الرسول

 

*********************************

قريش تقرر هدم الكعبة واعادة بنائها

قبل البعثة بخمسة سنوات، وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمره خمسة وثلاثون عامًا، قامت قريش باعادة بناء الكعبة

وكانت الكعبة في ذلك الوقت لا تزال على بنائها القديم الذي بناه ابراهيم واسماعيل –على نبينا وعليهما الصلاة والسلام- وكانت عبارة عن حجارة موضوعة فوق بعضها البعض بلا مونة، وكان هذا البناء قد مر عليه حوالي ثلاثة آلاف سنة، وتأثر كثيرًا بعوامل الزمن، والسيول التى تجتاح مكة كثيرًا، لأن مكة محاطة بالجبال

وكانت القبائل التى تسكن مكة من "العماليق" ثم "جرهم" ثم "قريش" أخيرًا كانت تعمل على ترميمه كلما تأثر البناء أو تهدم منه جزء

وحدث في ذلك الوقت سيل كبير، فتأثر البناء جدًا، وتصدعت جدران الكعبة، وأصبحت على وشك أن تنهار، ولذلك فكرت قريش في أن تهدم الكعبة بالكامل وتعيد بنائها بناءًا قويًا يصمد أمام السيول

 

حدث سيل كبير وتأثر البناء جدًا

"الوليد بن المغيرة" يأخذ المبادرة

ولكن قريش هابت جدًا أن تقدم على هدم الكعبة، حتى قام "الوليد بن المغيرة" وكان من سادة قريش، ومن أغنياء قريش، وهو والد "خالد بن الوليد" وقال "نحن لا نريد الا الخير" وقال أنا أبدؤكم في هدمها وبالفعل أخد "الوليد بن المغيرة" المعول وبدء في الهدم، وانتظر الناس حتى الصباح يترقبون هل اصاب الوليد شر بسبب ما فعل، فلم أصبحوا ووجدوا الوليد لم يصبه شيء، قاموا فأكملوا هدم الكعبة

مكة على شفا حرب أهلية

ثم شرعوا في البناء، وبدأوا ينقلون الحجارة من جبال مكة، وشارك معهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حمل الحجارة، ثم قسموا البناء بين قبائل فريش، فكل قبيلة من قريش بنت جزءًا من الكعبة

 

كل قبيلة من قريش بنت جزءًا من الكعبة

وبذلك اكملوا البناء ولم يبق الا وضع الحجر الأسود، فاختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود، وكل قبيلة تريد أن تحوز شرف وضع الحجر الأسود بيد شيخ هذه القبيلة

 

أكملوا البناء ولم يبق الا وضع الحجر الأسود

توقف البناء لمدة خمسة أيام، واشتد الخلاف جدًا حتى باتت قريش على شفا حرب أهلية، وحتى اقترح عليهم رجل من قريش اسمه "أبو أمية بن المغيرة" أن يُحَكِمُوا بينهم أول رجل يدخل عليهم من باب المسجد، فوافقوا على هذا الاقتراح، وجلسوا يترقبون من سيدخل عليهم، فكان أول من دخل هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستبشروا بذلك، وقالوا: هذا الأمين محمد، قد رضينا حكمه

 

وجلسوا يترقبون من سيدخل عليهم

عبقرية الحل

وبسرعة بديهة مذهلة، سار بهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى أبعد نقطة في المسجد بعيدًا عن الكعبة، ووضع ثوبه على الأرض، وأخذ الحجر الأسود بيده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووضعه في وسط الثوب، ثم جعل كل شيخ قبيلة يحمل الثوب من أحد أطرافه، وحملوه جميعًا حتى موضع الحجر، ثم وضعه بيده في مكانه

 

وضع الرسول الحجر الأسود بيده

*********************************

لماذا هو حل عبقري ؟

وقد كان هذا الحل في غاية التوفيق من أكثر من جهة:

-        أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يستشر أحدًا من قريش في حكمه، ولا حتى أخبرهم به، حتى لا يفتح الباب لخلاف جديد، فطالما أنهم ارتضوا بحكمه فيتم تنفيذ هذا الحكم فورًا

-        أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ الثوب بعيدًا عن الكعبة حتى تشعر كل قبيلة، ويشعر كل شيخ قبيلة أنه قد أدي دورًا في حمل الحجر الأسود هذه المسافة الى موضعه بالكعبة

-        حمل كل شيخ قبيلة الحجر هذه المسافة الكبيرة وبذله جهدًا في ذلك، ساهم في افراغ شحنة الغضب التى كانت بداخلهم

-        أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بنى هاشم، ومع ذلك لم يختر أن يضع الحجر الأسود شيخ بنى هاشم، بل وضعه بنفسه، وبذلك لم يثر حفيظة أي قبيلة أخري من قبائل قريش، لأنه بذلك وضعه ليس بصفته من بنى هاشم، وانما بصفته رجل من قريش

وبذلك انتهت هذه المشكلة الكبيرة جدًا، بهذا الحل البسيط جدًا والعبقري جدًا، ولو قضيت حياتك كلها تفكر في حل آخر لهذه المشكلة فلن تجد أفضل من هذا الحل

 

انتهت هذه المشكلة الكبيرة بهذا الحل البسيط جدًا

***********

وسنجد بعد ذلك في كل سيرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدره هائلة وفذة وعبقرية على حل جميع المشكلات المستعصية بأسهل طريق وأقربه

ولذلك يقول المفكر الانجليزي الشهير برناردو شو  وقد كان ملحدًا:  

ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد يحل مشاكل العالم

 

برناردو شو

ويقول المفكر الروسي الأشهر ليو تولستوي

لو كان محمدًا حيًا بيننا الان لحل جميع مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة

 

ليو تولستوي

*********************************

كشفت حادثة تجديد بناء الكعبة عن مكانة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأدبية في الوسط المكي

وحصل بها للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرفان:

-        شرف فصل الخصومة، ووقف القتال الذي كان سينشب بين قبائل قريش

 

-          وشرف تنافس عليه القوم، وادخره الله تعالى للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

 

 *********************************