أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الثالث: من نزول الوحي حتى الهجرة (مرحلة الدعوة المكية)
الفصل السابع والعشرون
نزول الوحي
*************
نعود مرة أخري الى غار حراء، كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يزال يتردد على غار حراء، ويظل هناك عدة أيام، حتى بلغ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعون عامًا
لا يزال الرسول يتردد على غار حراء حتى بلغ أربعين عامًا
*************
جبريل ينزل بالوحي في صورة انسان من البشر
وفي شهر رمضان، وفي ليلة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، بدأ نزول الوحي على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نزل جبريل من السماء، وشعر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطمئنينة في قلبه، وسكينة في نفسه لم يشعر بها من قبل، وبينما الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذلك ظهر جبريل أمام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار حراء
نزل جبريل من السماء وشعر الرسول بطمئنينة في قلبه
ولم يكن جبريل في هذه المرة على صورته الحقيقية، بل جاءه في صورة انسان من البشر، وقد أعطي الله تعالى الملائكة القدرة على التشكل والتصور في أي صورة، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يتحمل أن يري جبريل في صورته الحقيقية، بدون أي مقدمات لهذا الأمر، وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المكان الموحش: في غار، في جبل، بعيد عن مكة، وفي الليل، وهي ليلة غير مقمرة، لأن ذلك كان في العشر الأيام الأخيرة من شهر رمضان
جاء جبريل الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صورة انسان من البشر، وكانت –كما نعلم جميعًا- أول كلمة من الوحي، هي كلمة "اقرأ" واعتقد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن جبريل يأمره بالقراءة، فقال "ما أنا بقاريء"
وكانت أول كلمة من الوحي هي كلمة "اقرأ"
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فأخذني فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد" فأخذني فَغَطَّنِي يعنى احتضننى واعتصرني، لدرجة الرسول لم يستطع أن يتنفس، تقول العرب "غط الشيء" يعنى كبسه وعصره، ولذلك يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد" ثُمَّ أَرْسَلَنِي، يعنى تركه، وقال له مرة ثانية "اقرأ" فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ما أنا بقارئ" يعنى : لا أجيد القراءة، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم }
وكانت أول خمس آيات من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم
وكانت أول خمس آيات من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم
********************************
ما الذي حدث ؟! ولماذا احتضن جبريل الرسول ؟
نزل جبريل –عليه السلام- بالوحي، وأراد أن يقرأ على الرسول –صلى الله عليه وسلم- أول مانزل من القرآن، وهو قول الله تعالى ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) والرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يفهم هذا ! فهو لا يفهم أن هذا قرآن، ولا يفهم أن هذا وحي، ولا يفهم أن هذا مَلَك، فعندما سًمِعَ قول جبريل –عليه السلام- اقرأ، اعتقد أنه يأمره بالقراءة، فقال "ما أنا بقاريء" يعنى : لا أجيد القراءة
قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ من الجهد" لماذا احتضنه جبريل –عليه السلام- ؟ لأنه كان مشتاقًا للقاء الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان جبريل ينتظر هذه اللحظة منذ آلاف السنين، وهي اللحظة التي يلتقي فيها مع خير خلق الله تعالى
ومنذ آلاف السنين وجبريل –عليه السلام- يرى اسم الرسول –صلى الله عليه وسلم- على العرش، مكتوب على العرش (لا اله الا الله، محمد رسول الله) ولذلك لم يتحمل جبريل –عليه السلام- ألا يلتزم الرسول –صلى الله عليه وسلم-
دعنى أسألك كيف شوقك للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؟ وماذا تفعل لو رأيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؟ لاشك أنك ستجري اليه وتحتضنه، ولعلك من هيبة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تستطيع أن تحتضنه، ولكن لا شك كلنا نتمني أن نحتضن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دعنى أسألك سؤال آخر: من أكثر ايمانًا أنت أم جبريل ؟ لا شك أن جبريل –عليه السلام- أكثر منك ايمانًا، فلابد –اذن- أن حب جبريل، وشوق جبريل للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر من حبك وشوقك للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان جبريل مشتاقًا جدًا للقاء الرسول
سبب آخر لاحتضان جبريل للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أن الفترة بين عيسى –عليه السلام- وبين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حوالى ستمائة سنة، وهي أطول فترة بين رسولين، ووظيفة جبريل الرئيسية هي نقل الوحي من الله تعالى الى الرسل والأنبياء، ولذلك جبريل كان مشتاقًا جدًا الى أن يؤدي وظيفيته وأن يقوم بدوره في نقل الوحي، وأن يؤدي هذه الطاعة العظيمة والتى لا يؤديها أي مخلوق في الكون كله غيره، وهي نقل الوحي من السماء الى الأرض
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أرسلنى، يعنى تركني، ثم قال "اقرأ" مرة أخري الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يفهم أن هذا قرآن، وأن هذا وحي، وأن هذا ملك، ومرة أخري يعتقد أنه يأمره بالقراءة، فيقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ما أني بقاريء" ومرة أخري يحتضن جبريل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم يتركه، ويقول له اقرأ فيقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أنا بقاريء، فيحتضنه جبريل مرة ثالثة، ثم يتركه ويقرأ قول الله تعالى: { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم } أول خمس آيات من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم
ثم يختفي جبريل فجأة كما جاء فجأة، ويترك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غار حراء ويتجه الى بيته
********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
********************************
|