Untitled Document

عدد المشاهدات : 2604

الفصل الثلاثون: انقطاع الوحي، ثم رؤية جبريل بصورته الحقيقية

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)

الفصل الثلاثون

انقطاع الوحي، ثم رؤية جبريل بصورته الحقيقية

*********************************

 

فترة الوحي

بعد أول لقاء للرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع جبريل، انقطع الوحي عن الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمدة أسابيع، وهي التى يطلق عليها علماء السيرة "فترة الوحي"

و"الفترة" في اللغة هي زمن السكون، وبالفعل كان الهدف من انقطاع الوحي هذه المدة: أن تسكن نفس النبي ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويهدأ من توابع أو من آثار لقاءه بجبريل لأول مرة، وأن يتحول هذا الخوف الشديد من الوحي ومن جبريل، الى شوق للوحي ولجبريل

وبالفعل بدأ الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرج الى الصحراء ويصعد الى الجبال حتى يأتيه جبريل مرة أخري، لأن الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتقد أن الوحي لا يأتيه الا في الصحراء أو الجبال بعيدًا عن الناس، فكان الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذهب الى الصحراء والجبال على أمل أن يأتيه جبريل، لأنه كان حتى هذه اللحظة غير واثق من أن الذي جاءه ملك، وأنه نبي، وكان يريد أن يطمئن الى هذا الأمر، وأنه ليس مريضًا بشيء في عقله

 

بدأ الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرج الى الصحراء ويصعد الى الجبال حتى يأتيه جبريل مرة أخري

*********************************

الرسول يري جبريل بصورته الحقيقية

استمرت هذه الفترة كما قلنا عدة أسابيع والرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكتئبًا حزينًا حتى كان يوم والرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصحراء اذ سمع صوتًا فوقه، فنظر الى أعلى فرأي أعجب مشهد يمكن أن يراه أي انسان في الدنيا، رأي الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل بصورته الحقيقية جالسًا على كرسي أو عرش بين السماء والأرض

والرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرَ جبريل بصورته الحقيقية الا مرتين فقط: مرة في الأرض وهي هذه المرة، وهذا هو قول الله تعالى ((وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِين)) والمرة الثانية كانت في السماء في رحلة المعراج، بعد هذا التاريخ بعشرة سنوات، وهو قول الله تعالى ((وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى))

وجبريل لم يظهر للرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار حراء في صورته الحقيقية بل في صورة رجل من البشر، لأن الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحتمل أن يري جبريل في صورته الحقيقية بدون أي مقدمات، ولكنه ظهر له الآن في صورته الحقيقية ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستعدًا الآن لهذا الأمر، وحتى يتأكد الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هذا الذي يأتيه هو بالفعل ملك، وحتى يتأكد أنه بالفعل نبي

 

رأي الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل بصورته الحقيقية

*********************************

وصف جبريل

ووصف لنا الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لنا هذا المشهد العظيم جدًا والفريد جدًا فقال متحدثًا عن جبريل "لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ"

وحتى نتخيل صورة جبريل التى رآها عليه الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   

وصف الله تعالى جبريل في سورة النجم بأنه "شَدِيدُ القُوَى" ومن قوة جبريل –عليه السلام – أن له ستمائة جناح، اذا نشرها سد الأفق، وقد أهلك قري لوط بأن رفعها بطرف ريشة من أجنحته الستمائة الى عنان السماء ثم قلبها على الأرض

ووصف الله تعالى جبريل –عليه السلام- بأنه "ذو مرة" يعنى شديد الجمال، ومن جماله –عليه السلام- أنه اذا نشر أجنحته تناثر منها الدر والياقوت والأحجار الكريمة والتهاويل، يعنى الألوان الجميلة المختلفة

يقول تعالى "إِنَّهُ لَقَوْل رَسُول كَرِيم ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مَكِين مُطَاع ثُمَّ أَمِين"

"إِنَّهُ لَقَوْل رَسُول كَرِيم" جبريل –عليه السلام- يصفه الله تعالى بأنه "رسول كريم" "ذي قوة" قوي جدًا "عِنْد ذِي الْعَرْش مَكِين" له مكانه عظيمة عند الله تعالى "مُطَاع" يعنى أهل السماء تطيع جبريل طاعة كاملة، وطاعة عمياء "ثُمَّ أَمِين" يعنى أمين في نقل الوحي

رأي الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا المشهد العظيم، الذي ربما لم يشهده أي نبي قبله، وسمع جبريل يخاطبه ويقول له في كلمات واضحة:

-        يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل

 

رأي الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا المشهد العظيم، الذي ربما لم يشهده أي نبي قبله

********************************

دثروني، دثروني

تسمر الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مكانه ولم يستطع أن يتحرك من هول المشهد، وجعل الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلما نظر في ناحية رأي جبريل

وهكذا عرف الرسول ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتيقن أن أصبح نبيًا ورسولًا لله تعالى

وعاد النبي ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى بيته مرعوبًا يرتجف من الخوف، وهو يقول "دثروني، دثروني" ويدخل في فراشه، ويتغطي، ولكن قبل أن ينام ينزل عليه ‏-‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثاني ما نزل من القرآن العظيم، وهو قول الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)) وكانت هذه الآيات هي أول أمر بتبليغ الدعوة، وهذا سيكون حديثنا في الفصل القادم ان شاء الله تعالى

********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

********************************