أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)
الفصل الثاني والثلاثون
بدء الدعوة، وايمان خديجة، وأبو بكر، ونزول فاتحة الكتاب، وتشريع الصلاة
ذكرنا في الفصل السابق أن الآيات السبعة الأولى من سورة المدثر هي ثاني ما نزل من القرآن العظيم، بعد أول خمسة آيات من سورة القلم، وهي الآيات التى أمر فيها الحق –سبحانه وتعالى- الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبدأ في تبليغ الرسالة
*********************************
ايمان "خديجة" و"أبو بكر"
وكان أول من آمن بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الأمر بتبليغ الرسالة: السيدة خديجة
ثم آمن أبو بكر الصديق، وكان أبو بكر هو أقرب أصدقاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان صديق طفولته وشبابه، وكان أصغر من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسنتين وأشهر
آمن "أبو بكر" بعد السيدة خديجة
وكان أبو بكر من رؤساء قريش وأشرافها، وكان تاجرًا غنيًا، وكان معروفًا بحسن خلقه، وكان مشهورًا بالسخاء والكرم، وكان شخصية محبوبة في قريش
وكان أبو بكر في الجاهلية من أكبر علماء الأنساب وأخبار العرب، وكانت به صفة ليس لغيره من علماء الأنساب، أنه لم يكن يذكر المثالب، وقد حببه ذلك عند العرب
وكان أبو بكر شخصية وقورة، ولذلك كان يرفض أن يشرب الخمر حتى لا يضيع وقاره، كذلك لم يسجد أبو بكر لأي صنم، يقول أبو بكر: لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي، فانطلق بي إلى الأصنام، فقال لي: «هذه آلهتُك الشمُّ العوالي»، ثم ذهب، فدنوت من الصنم وقلت: «إني جائع فأطعمني» فلم يجبني، فقلت: «إني عار فاكسني» فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه
لماذا كان أبو بكر الوحيد الذي آمن بلا تردد
وهكذا كان أبو بكر هو أول من آمن بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ورقة بن نوفل، وبعد السيدة خديجة، ويتحدث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ايمان أبو بكر ويقول "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة، وما تردد فيه"
أما السبب فهو أن أبا بكر كان يعلم أن صديق طفولته وشبابه "محمد بن عبد الله" سيكون رسولًا وكان ينتظر هذا منه
حتى روي أن أبا بكر كان في رحلة تجارية بالشام فرأي رؤيا قصها على "بحيري الراهب" فقال له بحيري الراهب: يبعث نبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته
*********************************
نزول فاتحة الكتاب
آمنت السيدة خديجة وآمن أبو بكر فور نزول سورة المدثر والأمر بتبليغ الرسالة، ونزلت بعد ذلك أعظم سورة في القرآن العظيم وهي سورة "الفاتحة"
نزلت سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن
وقد قيل أن الله تعالى أنزل 114 كتاب، جمع هذه الكتب في أربعة كتب وهي: الزبور والتوراة والانجيل والقرآن، وجمع هذه الكتب الأربعة في كتاب واحد وهو القرآن، وجمع القرآن في سورة الفاتحة، وجمع سورة الفاتحة في آية واحدة وهي "اياك نعبد واياك نستعين" وهذا الذي تحدث به "ابن القيم" في كتابه "مدارج السالكين بين اياك نعبد واياك نستعين"
وهكذا نزلت الفاتحة في بداية الرسالة، فيها كل الرسالة، ليكون القرآن العظيم الذي سينزل على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك على مدي ثلاثة وعشرين عامًا تفصيلًا لما جاء بالفاتحة
*********************************
نزول تشريع الصلاة
شرعت كذلك الصلاة، والمشهور أن الصلاة فرضت في ليلة الاسراء والمعراج، وهذا صحيح أن الصلاة فرضت كما هي عليه الآن بمواقيتها وبعدد ركعاتها في رحلة المعراج، ولكن كانت هناك صلاة قبل ذلك
شرعت الصلاة في أول الدعوة برغم صعوبة اقامة الصلاة في ذلك الوقت
وكانت الصلاة ركعتين فقط، فلم تكن هناك صلاة ثلاثية أو رباعية، وكانت الصلاة ركعتين في أول النهار، أي في وقت صلاة الفجر الآن، وركعتين في آخر النهار، وهو وقت صلاة العصر الآن
وتشريع الصلاة منذ الأيام الأولى للوحي يدل على الأهمية الكبيرة جدًا للصلاة، برغم من صعوبة اقامة الصلاة في ذلك الوقت لأن الدعوة كانت سرية، ولكن مع ذلك كانت هناك صلاة
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|