Untitled Document

عدد المشاهدات : 1895

الفصل الخامس والثلاثون: لغز "أبو طالب"

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)

الفصل الخامس والثلاثون

*********************************

لغز "أبو طالب"

*********************************

 

*********************************

انتهينا في الفصل السابق حين نزل قول الله تعالى "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ" فبدأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرض الاسلام على قرابته من "بنى عبد المطلب" أي أعمامه وأبناء أعمامه، وذلك حتى يضمن حمايتهم له من قريش ومن بقية العرب

وقلنا أن قرابة النبي قد انقسموا الى فريقين: الفريق الأول وهو الأغلبية: فريق مدافع عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ولو لم يدخل في الإسلام، وهذا الفريق يتزعمه "أبو طالب" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وهو سيد بنى هاشم

الفريق الثاني: هو الفريق المهاجم للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتزعمه "أبو لهب" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

*********************************

مفتاح شخصية "أبو طالب"

و"أبو طالب" من أكبر علامات الاستفهام في السيرة، وقد حير موقفه كثيرًا جدًا من الناس، لأن "أبو طالب" كان واضحًا أنه منذ اللحظات الأولى من الدعوة، وهو يؤمن بأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو رسول بالفعل ، بدليل أن أول اجابة لأبو طالب على دعوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "فامض لما أمرت به" يعنى هو استخدم فعل مبنى للمجهول، يعنى ما جئت به ليس من عند نفسك، وانما من عند الله تعالى

 

كان "أبو طالب" يؤمن أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو رسول بالفعل

اذن ما السر في هذا الموقف الغريب جدًا لأبو طالب ؟ فهو يؤمن بأنه رسول، ويدافع عنه بكل ما يملك، ولكنه في النهاية لا يدخل في الاسلام

ان مفتاح شخصية "أبو طالب" هو حبه الشديد جدًا الى درجة "الولع" بأبيه "عبد المطلب"

وقد فسر لنا "أبو طالب" موقفه هذا الغريب بوضوح كامل وهو يجيب على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما دعا أعمامه لدخول الاسلام فقال  "فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب"

وفي نفس الوقت نجد "أبو طالب" يبذل كل ما يستطيع في سبيل حماية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن أبوه "عبد الطلب" أوصاه بذلك وهو على فراش الموت، فقال له: يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه، ولم يَذُق شفقة أُمّه، انظُر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كَبِدك، وانصُرْه بلسانك ويدك ومالك؛ هل قَبِلتَ وصيّتي ؟ فيقول أبو طالب: نَعَم قد قبِلتُ يا سيد قريش، فيقول  عبدالمطّلب: الآن خُفِّف علَيَّ الموت

 

يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه

هذا هو حل لغز "أبو طالب" فهو من شدة حبه لأبيه "عبد المطلب" لا يستطيع أن يخالف دينه، ومن شدة حبه لأبيه يحفظ وصيته في الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويدافع عنه بكل ما يملك

*********************************

آفة الحب

ولذلك يقول الرسول في حديث صحيح "أحبب حبيبك هونًا، وأبغض بغيضك هونًا" يعنى عندما تحب أي شخص فينبغي أن يكون هذا الحب باعتدال، فلا تحب حبًا زائدًا عن الحد، وهذا هو آفة الحب

ولا تدع الحب يجعلك تقع في الحرام، أو يعميك عن رؤية الحقيقة، وكم من المحرمات، وكم من الجرائم، التى ترتكب باسم الحب

ولا تجعل هذا الحب يعميك عن رؤية الحقيقة مهما كان هذا الشخص الذي تحبه، حتى لو كان ابنك أو زوجتك، وحتى لو كان أبوك، وحتى لو كانت أمك، فلا تجعل حبك لأمك يجعلك تظلم زوجتك مثلًا، ولا تجعل حبك لزوجتك يجعلك تمد يدك الى المال الحرام، ولا تجعل حبك لابنك يجعلك تتوسط له، فتعتدي على حق شخص آخر، يقول تعالى} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ {ورأينا مأساة رئيس جمهورية أنه ضعف أمام زوجته، وضعف أمام أولاده

*********************************

تعارض العادات والتقاليد مع الدين

مشكلة "أبو طالب" الثانية مشكلة الكثير من الناس، عندما تتعارض العادات والتقاليد مع الدين، فيختار العادات والتقاليد على الدين، ونري ذلك كثيرًا في عادات الأفراح، ونراه عندما يظلم الأشقاء البنات في الميراث، ويقولون حتى لا تذهب الأرض الى شخص غريب، يعنى أزواج البنات، ويقولون "ده سلو بلادنا"  

اياك أن تفسد العادات والتقاليد عليك دينك، كما أفسدت العادات والتقاليد على "عبد المطلب" دينه

الحقيقة أن "أبو طالب" أتعب قلبي، كما وجع أتعب قلوب كثير من المسلمين، ولا شك أنه أتعب قلب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لأن "أبو طالب" بذل جهدًا جبارًا في سبيل الاسلام، وتحمل كثيرًا جدًا من تبعات الدين الشاقة، لمدة سبعة سنوات كاملة، تعتبر من أصعب سبع سنوات من تاريخ الدعوة، ومع ذلك لم يمت على الاسلام 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************