أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة - رحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة
الفصل الخامس والأربعون
*********************************
الهجرة الأولى الى الحبشة
*********************************
*********************************
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرشح للمسلمين أرض الحبشة للهجرة
انتهينا في فصل سابق الى نهاية السنة الرابعة من البعثة، وبداية السنة الخامسة، وقريش لا تتوقف لحظة واحدة عن محاربة الاسلام ومحاربة المسلمين، والحياة في مكة أصبحت لا تطاق بالنسبة للمسلمين، ليس بالنسبة للعبيد والمستضعفين فقط، ولكن حتى بالنسبة للسادة والأشراف من المسلمين والذين كانوا يتعرضون للإهانات، وللإيذاء البدني والنفسي، ويتم التضييق عليهم في تجارتهم وفي كل شيء
ونزلت سورة الكهف، لتخبر عن قصة الفتية الذين فروا بدينهم من ظلم ملكهم، وكأن هذه القصة فيها ارشاد للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين الى الطريق الذي ينبغي عليهم أن يسلكوه للخروج مما هم فيه
ورشح الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمسلمين أرض الحبشة لتكون هي المكان الذي يفرون اليه بدينهم، واختيار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحبشة كان له أسبابه:
أولًا لا يوجد أي مكان في الجزيرة يصلح لأن يكون دار هجرة للمسملين، لأن أي مكان في الجزيرة تستطيع قريش أن تصل اليه
السبب الثاني: أن أهل الحبشة على النصرانية، ولذلك فهم ولا شك سيميلون للإسلام أكثر من الوثنية التى عليها أهل مكة
السبب الثالث: أن أهل الحبشة منذ حادثة الفيل يحترمون جدًا أهل مكة بالتحديد ويرونهم أهل الله
السبب الرابع: والذي ذكره الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ملك الحبشة رجل عادل فلذلك فلن يقبل أن يسلمهم الى قريش اذا طلبوا ذلك، وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد
*********************************
رواية "أم سلمة" عن الهجرة
واجتمع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابه وقال لهم:
إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه
تتحدث السيدة "أم سلمة" عن هذا الحدث وتقول:
لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالاً - أي جماعات - حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار، إلى خير جار، أمِنَّا على ديننا ولم نخش منه ظلماً
رحلة الهجرة الأولى الى الحبشة
*********************************
الهجرة الأولى الى الحبشة
وكان أول من هاجر الى الحبشة من الصحابة مجموعة مكونة من احدي عشر رجلًا وأربعة نساء، منهم "عثمان بن عفان" ومعه زوجته السيدة "رقية" ابنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان منهم أيضًا "الزبير بن العوام"
أول من هاجر الى الحبشة مجموعة من احدي عشر رجلًا وأربعة نساء
وكان ذلك في رجب من السنة الخامسة من البعثة، أي في منتصف السنة الخامسة من البعثة، أي بعد أربعة أعوام ونصف تقريبًا من البعثة النبوية، منها ثلاثة أعوام دعوة سرية، وعام ونصف دعوة جهرية
وقد خرجوا متسليين ليلًا دون أن تشعر بهم قريش، حتى وصلوا الى ميناء الشعيبة، وهو الميناء الرئيسي لأهل مكة في ذلك الوقت، فوجدوا سفينتين تجاريتين اقلعتا فور وصولهم، فحملوهم معهم الى أرض الحبشة، مقابل نصف دينار، وطاردتهم قريش حتى وصلوا الى البحر، ولكنهم كانوا قد أبحروا، وكانت هذه هي أول هجرة في الاسلام
وجدوا سفينتين تجاريتين اقلعتا فور وصولهم
ميناء الشعيبة الآن
وصول اشاعة غير صحيحة أن أهل مكة قد دخلوا في الإسلام
ولكن لم تمر الا ثلاثة أشهر حتى وصلت أخبار غير صحيحة للمسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد توقفوا عن تعذيب المسلمين واضطهادهم، وسرت اشاعة أن أهل مكة قد دخل أغلبهم في الاسلام، فقرر المسلمون العودة الى مكة
عندما عاد المسلمون الى مكة وجدوا ان الوضع كما كان لم يتغير، ولكن كانت عودتهم فرصة جيدة جدًا لينقلوا لباقي المسلمين تجربتهم القصيرة في الهجرة الى الحبشة
وبدأ المسلمون في الهجرة الى الحبشة مرة ثانية، ولم تكن هجرتهم هذه المرة دفعة واحدة، وانما جماعات متفرقة، وعلى فترات متباعدة، حتى وصل عدد المسلمين في الحبشة الى 103 مسلم، وهذا هو حديثنا في الفصل القادم
|
|
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|