أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة - مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة
الفصل الثامن والخمسون
*********************************
رحلة "الطائف"
*********************************
*********************************
لماذا خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الطائف ؟
نحن الآن في السنة العاشرة من بعثة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد قلنا أن هذا العام أطلق عليه "عام الحزن" لأن في هذا العام فقد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمه "أبو طالب" وبعد وفاة عمه بأيام قليلة كانت وفاة زوجته السيدة خديجة
وقلنا ان قريش اشتد ايذائها جدًا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد وفاة عمه "أبو طالب" يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب
وقلنا من قبل أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج وفي المواسم التجارية، ولكن عندما اشتد ايذاء قريش للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينشط في هذا الأمر بشكل كبير
وفي ذلك الوقت كانت فكرة الهجرة من مكة قد تبلورت، لأنه لا يوجد أحد من مكة يريد أن يؤمن، ومن يؤمن يكتم ايمانه، والإيذاء والتشويه قد بلغ اشده، وفكرة قتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مطروحة دائمًا، لذلك كان الحل الوحيد هو هجرة المسلمين من مكة، أي أن يترك المسلمون مكة، ويذهبوا الى مكان جديد ليصبح هذا المكان هو عاصمة دولتهم ومركز دعوتهم
ولذلك نشط الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الفترة في عرض الاسلام على رؤساء القبائل، ويطلب منهم الايواء والنصرة حتى يبلغ كلام الله
ولكن انتهي موسم الحج في السنوات السابقة دون أن يحقق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الأمر، ففكر حتى يأتي الموسم القادم أن يتحرك هو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليعرض الاسلام خارج مكة، وبالفعل قرر النبي أن يخرج الى "الطائف" ليعرض عليهم الاسلام
صورة قديمة لمدينة الطائف
*********************************
لماذا اختار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطائف ؟
لم يكن اختيار الطائف احتيارًا عشوائيًا، بل كان له أسباب
وأهم هذه الأسباب أن الطائف هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد مكة، وتعتبر مركز تجاري، ومركز كثافة سكانية، ولها مكانة في قلوب العرب، وقبيلة ثقيف التى تحكم الطائف هي أكبر قبيلة في الجزيرة بعد قريش، حتى أن "الوليد بن المغيرة" كان يقول
أينزل القرآن على محمد، وأتْرَك أنا وأنا سيد قريش، ويُتْرك فلان سيد ثقيف، ونحن عظيما القريتين ؟
فنزل في ذلك قول الله تعالى في سورة الزخرف ((وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))
وسنري بعد ذلك أن بعد فتح مكة، كانت الطائف هي المدينة الوحيدة التى استعصت على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برغم حصارها فترة طويلة، حتى جائت اليه بعد ذلك مسلمة
الشاهد أن "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة بعد مكة، واذا آمنت فانها تستطيع أن تقف في وجه قريش، ولذلك كان اختيار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للطائف للخروج اليها ودعوة أهلها
صورة حديثة لمدينة الطائف
**********
وخرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الطائف مشيا على قدميه، مسافة 100 كم، وهذه مثل المسافة من القاهرة الى طنطا مثلًا، وكان السفر في شوال من السنة العاشرة، بعد وفاة عمه "أبو طالب" وزوجته السيدة "خديجة"مباشرة كأنه ليس هناك وقت للراحة، وليس هناك وقت للإستسلام للأحزان
وشوال من السنة العاشرة من البعثة يوافق شهر يونيو سنة 619 ميلادية، وفي هذا الشهر تكون درجة الحرارة في صحراء الجزيرة مرتفعة جدًا، قد لا تحتمل أنت أن تسير فيها ولو ثلاثة دقائق، ومع ذلك خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه المسافة الكبيرة جدًا مشيًا على قدميه، لأن معنى ركوبه دابة أنه سيسافر، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يريد أن تعرف قريش تحركاته، وحتى اذا لم ينجح في دعوة الطائف لا تشمت فيه قريش، وتستقوي عليه، وتستثمر هذا في الدعاية ضد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لم يصحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الرحلة الخطيرة فارس من الصحابة، فلم يأخذ معه "حمزة" ولم يأخذ معه "الزبير بن العوام" أو "عمر بن الخطاب" ولم يأخذ معه صديقه "أبو بكر" وانما كان معه غلامه "زيد بن حارثة" والذي كان اسمه حتى هذا الوقت "زيد بن محمد" لأن وجود "زيد" مع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان شيء طبيعيًا جدًا ولا يلفت النظر، كل ذلك كان امعانًا في سرية هذه الرحلة
هذا يوم واحد من أيام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يقول لنا أن طريق الدعوة ليس سهلًا وليس ممهدًا، وانما طريق صعب وشاق
خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الطائف مشيا على قدميه
**********
وصل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الطائف، وجلس مع ثلاثة من زعماء الطائف، وهم: "عبد ياليل" و"مسعود" و"حبيب" أولاد "عمرو بن عمير" وعرض عليهم الاسلام، ولكنهم رفضوا الاسلام، ليس هذه فحسب بل أجابوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باجابات قاسية
قال له أحدهم: أما وجد الله غيرك ليرسله، وقال الآخر: والله لو رايتك متعلقا بأستار الكعبة ما صدقتك،
وقال الثالث: اما أنك نبيا حقا فأنت أعظم من أن أكلمك، واما أنك تكذب فأنت أدني من أن أكلمك
والله لو رايتك متعلقا بأستار الكعبة ما صدقتك
اجابات سخيفة، واجابات سمجة، فقال لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : فان أبيتم فلا تخبروا قريش، يعنى لا تخبروا قريشًا حتى لا تستقوي علىَّ، وحتى لا تستخدم هذا الموقف منكم في الدعاية ضد الاسلام، فقالوا: لا والله لنخبرن قريشاً قم يا فلان فأخبر قريشاً
الطريق الذي سلكه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
**********
تركهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنه لم يغادر الطائف، بل ظل فيها عشرة أيام كاملة يدعو أهل الطائف الى الاسلام، وآمن به البعض ولكنهم كتموا ايمانهم، حتى ضاق به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الطائف، فطردوه من الطائف، بعد عشرة ايام قضاها هناك في الدعوة، وجعلوا العبيد والسفهاء والصبية يسبونه ويقذفونه بالحجارة، وأخذ "زيد بن حارثة" يحاول حماية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجسده، حتى شج راس "زيد" وسالت منه الدماء، وسالت الدماء من قدمي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وظلوا يطاردونهما خمسة كيلومترات كاملة، حتى وصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و"زيد" الى بستان "عتبة بن ربيعة" و"شيبة بن ربيعة" وهما من أهل مكة –وكان كثير من سادة مكة لهم بساتين في الطائف- فرجعوا عنهما، وجلسا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزيد يستريحان بجانب سور هذا البستان
ورفع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه ويقول
"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس . . . أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي . . . إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري . إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي . . ! ! أعوذ بنور وجهك ألذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك . لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك"
وكانت هذا الموقف من أشد المواقف التى مر بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سألت السيدة عائشة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك وقالت: هل أتي عليك يوم كان اشد من أحد ؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لقد لقيت من قومك، فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة" وهو رحلة الطائف
مسجد "عداس" بالطائف في موضع الحديقة التى لجأ اليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
**********
شعرا شيبة وربيعة بالتعاطف مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من أهل مكة، فأمرا غلامًا لهما نصرانيًا اسمه "عدَّاس" بأن يعطي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطفًا من العنب
وضع عداس العنب بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بسم الله" وأكل من العنب، فتعجب عداس من هذا الكلام، وقال: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ! فساله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أي البلاد أنت يا عدَّاس ؟ فأجابه عداس: أنا من أهل نينوي، -ونينوي مدينة في شمال العراق- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من قرية الرجل الصالح "يونس بن متى" فازداد تعجب عداس وقال: وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذاك أخي كان نبيًا وأنا نبي، فأكب عداس على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبل رأسه ويديه ورجليه وهو يبكي
وضع عداس العنب بين يدي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهذا هو الموقف الوحيد في السيرة التى يقبل فيها أحد قدمي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن عداس وجد الدماء تسيل من قدمي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبل قدميه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تأثرا بما لاقاه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل الطائف
عاد عداس الى عتبة وشيبة فصاحا به: ويحك ما هذا ؟ فقال عداس: يا سيدي ما على وجه الأرض شيء خير من هذا الرجل
وبعد هذا الموقف بحوالى خمسة أعوم، في غزوة بدر، خرج عتبة وشيبة لمحاربة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلبا من عداس الخروج معهما لمحاربة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لهما: تريدان قتال ذلك الرجل الذي رأيت في حائطكما ؟ قالا: نعم قال لهما: فالله لا تقوم له الجبال، فقالا: قد سحرك بلسانه يا عداس
*********************************
ترك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطائف وفي طريق العودة الى مكة في مكان اسمه "قرن الثعالب" وجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحابة تظله ورفع رأسه فوجد جبريل في تلك السحابة، ووجد معه ملك الجبال، وسلم عليه
ورفع الرسول رأسه فوجد جبريل في تلك السحابة
وقال ملك الجبال للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يا محمد ان ربك قد سمع قول قومك اليك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثنى ربي اليك لتأمرني، ان شئت أن أطبق عليهم الأخشبين
والأخشب هو الجبل الغليظ، والمقصود بذلك الجبلين حول مكة: جبل أبي قبيس، وجبل قُعَيْقِعَانَ
يا محمد ان شئت أن أطبق عليهم الأخشبين
وقد نفذ الله تعالى مثل هذا التهديد مع قوم نوح وعاد وثمود ولوط وغيرهم، ولذلك ربما أي نبي آخر كان قد وافق ملك الجبال وطلب منه أن يدمر مكة على أهلها، لأنهم مصرون على الكفر وعلى ايذاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمدة عشرة سنوات كاملة، وبقائهم يفسد الأرض، ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في تسامح: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا
أي حتى ولو ظلوا على كفرهم، وحتى ان ماتوا على الكفر، لعلهم ينجبون أبناء مسلمين يعبدون الله وحده، وهذا ما حدث بالفعل، فقد كان من أبناء هؤلاء صحابة أجلاء، مثل عكرمة بن ابي جهل، ومثل عمرو بن العاص، وخالد بن اوليد وغيرهم الكثير
*********************************
وفي طريق العودة أيضًا، بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا اسمه "وادي نخلة" فأقام فيه أيامًا، وقرأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن في هذا المكان في صلاته وفي غير صلاته، فسمع القرآن مجموعة من الجن عددهم سبعة أحدهم اسمه "زوبعة"، فاسلموا وذهبوا الى قومهم من الجن ودعاهم الى الاسلام، وأصبح هؤلاء السبعة هم دعاة عالم الجن
يقول تعالى في سورة الأحقاف (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
وقد سجل الله تعالى أيضًا هذا الحدث الهام في سورة ((الجن)) والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشعر بهؤلاء الجن وهم يستمعون اليه لأن الله تعالى يقول في سورة الجن ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا)) أي قرآنا يتعجب من فصاحته وغزارة معانيه وغير ذلك، فالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعلم باستماع الجن له الا بوحي من الله تعالى
************
هكذا كان ارسال ملك الجبال الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم ايمان الجن بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مواساة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد مالقيه من أهل الطائف لمدة عشرة أيام متواصلة
************
ووصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى مكة، ولكنه لم يستطع أن يدخل مكة من شدة ايذاء قريش له، لأن قريش كانت قد وصلت اليهم أخبار رحلة الطائف، ومالقيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل الطائف، وقالوا أن محمد يستعدي عليهم قبائل العرب
ومكث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار حراء، لأنه لم يتمكن من دخول مكة، وبحث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمن يجيره حتى يدخل مكة، فأرسل الى "الأخنس بن شريق" ولكنه رفض، ثم ارسل الى "سهيل بن عمرو" فرفض هو الآخر، ثم إلى "المطعم بن عدي" وكان سيد "بنى نوفل" فوافق، وجاء بأبنائه السبعة يحملون سيوفهم، ويحيطون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل مكة، وطاف حول البيت سبعًا ثم صلى ركعتين، وبات في بيت "مطعم" ثم عاد في اليوم التالي الى بيته
مكث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار حراء، لأنه لم يتمكن من دخول مكة
************
أحد الدعاة قال أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فشل في رحلة الطائف، فقامت الدنيا ولم تقعد، وقامت معركة، وهو كان يقصد أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحقق الهدف الذي خرج من أجله الى الطائف
*********************************
عاد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى مكة، واستمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سياسة عرض الاسلام على رؤساء القبائل، ويطلب منهم الايواء والنصرة حتى يبلغ كلام الله، هل نجحت هذه السياسة ؟ هذا ما سنتناوله في الفصول القادمة ان شاء الله تعالى
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|