أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة - مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة
الفصل التاسع والخمسون
*********************************
الإسراء والمعراج - الجزء الأول
مقدمة
*********************************
*********************************
تحدثنا في الحلقة السابقة عن رحلة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى مدينة الطائف، ورأينا كيف رفض أهل الطائف الاسلام بعد عشرة ايام قضاها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الطائف يدعوهم الى الاسلام، ورأينا كيف أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يستطع أن يدخل مكة بعد رحلة الطائف من شدة ايذاء أهل مكة له، حتى دخل مكة أخيرًا في جوار رجل كافر وهو "المطعم بن عدي" سيد "بنى نوقل"
في هذه الظروف شديدة الصعوبة كانت رحلة "الإسراء والمعراج" ليكون من أهداف هذه الرحلة العظيمة: مواساة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكريمه بعد ما لاقاه من أهل الطائف، وكأن الحق –سبحانه وتعالى- يقول للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-اذا كان هذا ما لقيته يا رسول الله من أهل الأرض، فتعال وانظر الى مكانتك عند أهل السماء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وموعد رحلة الاسراء والمعراج غير معروف بالتحديد، ولكنها كانت ولا شك بعد رحلة الطائف في السنة العاشرة من البعثة، وقبل الهجرة في السنة الثالثة عشرة من البعثة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رحلة "الإسراء والمعراج" ليست منامًا
يقول تعالى في سورة الاسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
تبدأ الآية الكريمة بقوله تعالى "سُبْحَان" والتسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النقص والعجز، فعندما يقول "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ" يعنى هذا الاسراء أمرًا معجزًا ومستعظما، ولو كان الأمر مناما كما يجادل البعض في هذا الأمر، لما كان معجزا وما كان مستعظما
ثم قال "بِعَبْدِهِ" والعبد هو مجموع الجسد والروح
لو كانت رحلة الإسراء والمعراج منامًا كما يجادل البعض في هذا الأمر، لما كان ذلك الهجوم الضاري من قريش على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن أخبرهم بأمر هذه الرحلة، فأنت تري في منامك أن تسافر وتطير وتفعل وتفعل، ثم تقص ما رأيته فلا ينكر عليك أحد ما قصصته، فلو كانت الاسراء والمعراج منامًا، وأخبر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريشًا أنه رأي في نومه كذا وكذا، لما قامت الدنيا ولم تقعد عندما أخبرهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك أمر الاسراء أوالله تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى الأرض، ورفع عبدين من عبيده من الأرض إلى السماء أنزل آدم وزوجه: "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا"
ورفع ادريس عليه السلام "ورفعناه مكانًا عليا"
ورفع عيسى عليه السلام: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ"
فاذا كان الله تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى الأرض، ورفع عبدين من عبيده من الأرض إلى السماء فكيف نستكثر على رسول الله أن يعرج به مولاه ؟ونحن نقرأ في كتاب الله أن الله وهب عبدًا من عباده القدرة على نقل عرش ملكة سبأ من جنوب اليمن إلى أرض فلسطين في طرفة عين:
((قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ))
فإذا كانت هذه قدرة عبد فكيف بقدرة خالقه، وإذا كانت هذه إمكانية موهوب فكيف بالواهب سبحانه ؟
إن من الحقائق العلمية أن القوة تتناسب تناسبا عكسيا مع الزمن، فكلما زادت القوة قل الزمن، فكيف إذا كانت القوة هنا هي قوة الحق سبحانه فيتلاشى الزمن أمام قوته تعالى ؟ لذا تقول الروايات أن النبي أًسري به وعرج به وعاد وفراشه لم يزل دافئا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اعجاز التعبير القرآني
وتبدأ رحلة الاسراء والمعراج: والاسراء رحلة أرضية تمت بقدرة الله تعالى من مكة الى بيت المقدس، والمعراج: رحلة سماوية تمت بقدرة الله لرسول الله من بيت المقدس الى السماوات العلا، ثم الى سدرة المنتهى، ثم اللقاء بجبار السماوات والأرض
ودائمًا يصف الله تعالى الحركة في السماء في القرآن الكريم بالعروج، والعروج في اللغة هو سير الجسم في خط منحن، وقد ثبت علميا أن أي جسم مادي في الكون لا يمكن أن يتحرك في خط مستقيم بل لابد له من الانحناء، نظرا لانتشار المادة و الطاقة في الكون
لذلك فتسمية الله تعالى هذه الرحلة برحلة المعراج، هذا دليل وحده على صدق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أخبر عن ربه سبحانه وتعالى
يصف الله تعالى دائمًا الحركة في السماء بالعروج
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|