أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ السابع: ملحمة بدر الكبري
*********************************
الفصل الثاني والتسعون
بدر الكبري- الجزء الأول
خروج المسلمين الى بدر
*********************************
*********************************
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يترقب أخبار قافلة قريش
قلنا أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج في غزوة "ذو العشرية" ليتتبع قافلة ضخمة لقريش بقيادة "أبو سفيان" متجهة الى الشام، ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاتته هذه القافلة ولم يدركها
عاد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى المدينة، ولكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرر أن يترقب نفس هذه القافلة عند عودتها من الشام الى مكة، لأن المعلومات التى وصلت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قافلة ضخمة، واستيلاء المسلمين عليها تعتبر ضربة اقتصادية قوية جدًا لقريش
أرسل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعض الصحابة في أنحاء الجزيرة، لمعرفة أخبار هذه القافلة وغيرها من قوافل قريش، وهو ما نطلق عليه الآن "سلاح الاستخبارات" ووصلته الأخبار أن القافلة في طريقها من الشام الى مكة، وأن هذه القافلة تحمل تجارة ضخمة جدًا قوامها ألف بعير، وتقدر قيمة هذه التجارة بخمسين ألف دينار ذهبية، كما علم أن الحراسة التى على تلك القافلة حراسة ضعيفة لا تتناسب مع ضخامتها، وأنها لا تزيد عن أربعين رجل، وأنها بقيادة سيد قريش "أبو سفيان" ومعه أيضًا عمرو بن العاص
وصلت الأخبار أن قافلة قريش تحمل تجارة ضخمة جدًا قوامها ألف بعير
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو الصحابة للخروج
دعا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصحابة الى سرعة الخروج لاعتراض هذه القافلة، وقال لهم
- هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا اليها، لعل الله أن يغنمكموها
وكلمة "العير" يعنى الإبل التى تحمل التجارة
وقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضًا
من كان ظهره حاضرا فليركب معنا
ومعنى "الظهر" في اللغة يعنى الدابة، أي الناقة أو الحصان، فمن كانت ناقته أو حصانه جاهزًا فليأت معنا، فجعل بعض الصحابة يسأذنون الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أن ياتوا بدوابهم من خارج المدينة، فلم يأذن لهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا إلا من كان ظهره حاضرا" لأن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان متعجلًا ويخشى أن تفوته هذه القافلة في ايابها من الشام كما فاتته في ذهابها
وكان ممن لم يخرج مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عثمان بن عفان" لأن زوجته السيدة "رقية" بنت الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت مريضة مرضًا شديدًا، فظل معها "عثمان بن عفان" حتى يرعاها في مرضها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
استعراض الجيش في بيوت السقيا
خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة يوم السبت 12 رمضان في السنة الثانية من الهجرة، حتى بلغ "بيوت السقيا" وهي آبار عذبة على بعد حوالى كيلو ونصف الكيلو من المدينة، فضرب عسكره هناك، وأخذ يستعرض الجند، ويرد صغارهم لأنهم لا يقوون على حمل السلاح، فكان ممن ردهم "عبد الله بن عمر" و"وزيد بن ثابت" وغيرهم من أطفال المهاجرين والأنصار الذين كانوا يرغبون في الخروج مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يروي "سعد بن أبي الوقاص" يقول: رايت أخي "عمير بن ابي الوقاص" يتواري، فقلت: مالك يا أخي ؟ فقال: اني أخاف أن يراني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويستصغرني فيردني، واني أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، وكان سن "عمير" ست عشرة سنة، ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأي "عمير" فقال له: ارجع، فبكي عمير فأجازه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه وجد فيه جدية ورجولة مبكرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عد الجيش وتقسيمه وعقد الألوية
وقسم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجيش الى ميمنة وجعل على راسها "الزبير بن العوام" وميسرة وجعل على رأسها "المقداد بن عمرو" وقد كانا الزبير والمقداد هما أصحاب الفرسين الوحيدين في المعركة
كما جعل لوائين: واحد للمهاجرين حمله "على بن ابي طالب" والآخر للأنصار حمله "سعد بن معاذ" وكان لونهما أسود
وأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الجيش فكان ثَلاثَ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، ففلما أخبروا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعدد َسَّرَهُ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَقَالَ : عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خروج الجيش من بيت السقيا
هكذا خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من "بيت السقيا" في ثَلاثَ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ من الصحابة، حوالي ثلاثة وثمانون من المهاجرين، وحوالي مائتان وثلاثون من الأنصار، وهذا العدد هو نفس عدد رسل الله كما قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الذي رواه أبو داود، وهو نفس عدد جند طالوت -كما قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين عبر بهم النهر ولم يشربوا منه، وقال الله تعالى عنهم في سورة البقرة: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
ولم يخرج الصحابة بعتاد الحرب كاملًا، لأنهم خرجوا وهم يظنون لأنهم لا يلقون حربًا، وانما فقط يعترضون تجارة حراستها ضعيفة
وكان معهم فرسين فقط كما ذكرنا: أحدهما للزبير بن العوام، والآخر للمقداد بن عمرو
خرج الرسول من "بيت السقيا" في ثَلاثَ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ من الصحابة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تعاقب الجيش على الركوب
وكان معهم سبعين من الإبل، فكان كل ثلاثة يتعاقبون على ناقة واحدة، ومعنى هذا أن كل واحد من الصحابة سيركب فقط ثلث المسافة، ويسير ثلثي المسافة، والمسافة من المدينة الى بدر مائة وخمسون كم، معنى هذا أن كل واحد سيسير مائة كيلو متر في رمال الصحراء، فكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف مثلًا يتعاقبون على بعير واحد، وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعاقب بعيره مع "على بن أبي طالب" و"مرثد بن ابي مرثد" فقال "على" و"مرثد" للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نحن نمشي عنك يا رسول الله" فقال لهما الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ما أنتما بأقوى منِّي على السير، ولا أنا بأغنَى منكما عن الأجر
مع أن عمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خمسة وخمسون عامًا، وعمر "على" 25 سنة، و"على" معروف بالقوة، و"مرثد" 22 عام، ومعروف أيضًا بقوته
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خطة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كانت خطة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أن يعترض العير عند بدر، وبدر هو وادي، يبعد عن المدينة 150 كم، به مجموعة من الآبار، فكانت القوافل التجارية التى تمر بهذا الطريق تتوقف عند بدر، فتشرب الإبل، ويملؤن أسقيتهم، ويرتاحون، وترتاح الإبل، وهي أشبه بالرست هاوس التى تكون في طرق السفر الآن، وقد سميت بدر بهذا الإسم لأن بدايتها كانت بئرًا لِرَجُلٍ يُقَال لَهُ بَدْر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستطلع أخبار قريش
وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اذا لقي أحد من العرب يسأله عن عير قريش، وكان ممن قابلوه رجلًا من العرب سألوه فلم يجدوا عنده خبرًا، فقال له الناس: سلم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فقال الرجل: أوفيكم رسول الله ؟ قالوا : نعم ثم قال الرجل إن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه، قال له "سلمة بن سلامة بن وقش": لا تسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وأقبل عليَّ فأنا أخبرك عن ذلك، ثم ضحك وقال: نزوت عليها، ففي بطنها منك سخلة، يعنى مارست الجنس مع دابتك، فالذي في بطنها هو ابنك، فغضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال لسلمة: "مه، أفحشت على الرجل" ثم أعرض عن سلمة
عندما اقترب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجيشه من بدر، أرسل اثنين من الصحابة الى بدر ليستطلعا الأمر، فلما وصلا الى ماء بدر، سمعا جاريتين يتحدثان أحدهما تطالب الأخري بدرهم لها عندها، والأخري ترد عليها بأنها سترد لها الدرهم عند وصول قافلة قريش غدًا او بعد غد، فعلما بذلك أن عير قريش على مسيرة يوم أو يومين من بدر، فعادا وأخبرا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَومسيرة اليوم، هي وسيلة قياس للمسافات استخدمها العرب، وهي المسافة التى تقطعها الإبل المحملة بالأثقال عندما تسير سيرًا عاديًا، وهي تقريبًا 40 كيلو متر
هكذا تأكد للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن عير قريش في طريقها بالفعل الى بدر، كما استطاع تقدير المسافة التى بين عير قريش وبين بدر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نتحدث في الفصل القادم عن خروج قريش للقاء المسلمين
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|