Untitled Document

عدد المشاهدات : 5073

الفصل الثالث والتسعون: بدر الكبري- الجزء الثاني- خروج قريش

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ السابع: ملحمة بدر الكبري

*********************************

الفصل الثالث والتسعون

بدر الكبري- الجزء الثاني

خروج قريش

 *********************************

 

  ********************************* 

أبو سفيان يستغيث بقريش

في الجهة الأخري كان "أبو سفيان" يسأل كل من يقابله من العرب عن محمد وجيش المدينة، حتى وصلته أنباء مؤكدة أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج بالفعل بالمسلمين لاعتراض قافلته التجارية

فأرسل "أبو سفيان" فورًا الى قريش رجلًا اسمه "ضمضم بن عمرو الغفاري" ليستنفرهم الى حماية القافلة، وكان "ضمضم" هذا مثل هؤلاء الذين يتم استئجارهم الآن في الانتخابات، لعمل الدعايات الانتخابية

وصل "ضمضم بن عمرو الغفاري" الى مكة، وقبل أن يدخل مكة، اصاب بعيره في أنفه، ووقف تحت رأس البعير، حتى سالت الدماء على رأسه وملابسه، ومزق ملابسه، ودخل مكة وهو على هذه الهيئة، وأخذ ينادي بأعلى صوته: يا معشر قريش، اللطيمةَ، اللطيمةَ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، الغوثَ، الغوث

ومعنى اللطيمة يعنى القافلة، ولم يكن أحد في قريش الا وهو مشارك بماله في هذه القافلة

فلما فعل "ضمضم بن عمرو" هذا اشتعلت قريش وهاجت وماجت وثارت وقالوا 

- أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك وبدأ الناس يتجهزون للخروج سريعًا، فتجمع لقريش ألف وثلاثمائة مقاتل، فيهم مائتا فارس، ومعهم عدد كبير من الجمال، وخرجوا سريعًا والمغنيات يضربن الدفوف ويغنين بهجاء المسلمين


يا معشر قريش، اللطيمةَ، اللطيمةَ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

تردد الكثير من "قريش" في الخروج

وبرغم أن قريش كانت تعلم بقلة عدد المسلمين الا أن كثير من شرفاء قريش ترددوا في الخروج، ومن هؤلاء "أبو لهب" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاف من المواجهة، لأنه كان متأكدًا من صدق ابن أخيه، فتنازل عن دين له عند آخر ليخرج بدلًا منه 

ومن الذين ترددوا للخروج أيضًا "أمية بن خلف" والسبب عندما انطلق "سعد بن معاذ" سيد الأوس بعد الهجرة الى مكة معتمرًا، فنزل على "أمية بن خلف" وكان صديقًا له، وكان "أمية" اذا ذهب الى الشام ومر بالمدينة ينزل على "سعد" والعكس، فقال له "أمية" انتظر حتى اذا انتصف النهار وغفل الناس طفت بالبيت، فلما جاء منتصف الصلاة وبينما "سعد بن معاذ" يطوف، رآه "أبو جهل" فعرفه، وقال: من الذي يطوف آمنًا ؟ فقال سعد: أنا سعد بن معاذ، فقال أبو جهل: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ؟


تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ؟

فقال سعد: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لأقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فانه سيد هذا الوادي، فتلاحيا –سعد وأبو جهل- وجعل "أمية بن خلف" يقول لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فغضب "سعد" لأن "أمية" وقف الى جوار "أبو جهل" ولم يقف الى جواره، وكان يجب أن ينصره وهو ضيفه، فَقَالَ : دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، قَالَ : إِيَّايَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أمية: وَاللَّهِ, مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ ؟ ، قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَلَمَّا كانت بدر خاف "أمية بن خلف" وقرر ألا يخرج، ولكن بينما هو جالس في ظل الكعبة، جاءه "عقبة بن ابي معيط" بمبخرة وأخذ يبخره بها ويقول: تطيب انما أنت من النساء، فقال له "أمية بن خلف" قبحك الله، ثم اضطر الى الخروج تحرجًا من عدم الخروج


تطيب انما أنت من النساء

وكان ممن خرج مكرهًا "العباس" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد كان في مكة، ولا يزال على كفره، ولكن كان قلبه يميل الي المسلمين، والى ابن أخيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وكان ممن خرج مكرهًا أيضًا "أبو العاص بن ربيع" زوج السيدة زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد كانت -رضى الله عنها- لا تزال في مكة مع زوجها قبل أن يفرق الاسلام بين الزوجين المؤمن والكافر، فكان "أبو العاص بن ربيع" يكره محاربة حماه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنه خرج مكرهًا حتى لا يتهم بالجبن، أو أن يتهم من قريش بأنه يخاف زوجته

كان ممن خرج كذلك مكرهًا بعض المسلمين في مكة الذين لم يستجيبوا لأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بترك مكة والهجرة الى المدينة، لأنهم خافوا على أموالهم وديارهم، واختاروا الدنيا على الآخرة، وهؤلاء حكم الله تعالى على من قتل منهم في المعركة بأنه مات على الكفر، يقول تعالى في سورة النساء ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

رؤيا عاتكة

من المواقف التى وقعت في هذه الفترة، أن "عاتكة بنت عبد المطلب" عمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأت قبل قدوم "ضمضم" الى مكة بثلاثة أيام رؤيا عجيبة: رأت راكبًا أقبل على بعير حتى وصل مكة، وهو ينادي بأعلى صوته: ألا تنفروا لمصارعكم يا آل غدر، فاجتمع الناس حوله، ثم دخل المسجد ووقف على ظهر الكعبة، وصرخ بمثلها، ثم صعد جبل "أبي قبيس" وصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة كبيرة فقذف بها، فأقبلت تهوي، حتى اذا كانت بأسفل الجبل تفتت فما بقي بيت من بيوت مكة الا دخلتها منه فلقة، الا بيوت "بنى زهرة"

فزعت "عاتكة" من هذه الرؤيا فأرسلت الى أخيها "العباس" وقصت عليه الرؤيا، فقال لها:

- والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها، ولا تذكريها لأحد. 


والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها، ولا تذكريها لأحد

ثم خرج العباس فلقي "الوليد بن عتبة بن ربيعة" وكان صديقًا له، فذكرها له، وقال له لا تخبر بها أحد، فذكرها الوليد الى أبية "عتبة بن ربيعة" فانتشر الحديث في كل مكة

وبينما رهط من قريش يجلسون عن الكعبة يتحدثون في رؤيا "عاتكة" وفيهم "أبو جهل" اذ أقبل "العباس" يطوف بالبيت، فقال له أبو جهل يا عباس: أما أرضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم، فقال له العباس: وما ذاك ؟ فقال له: الرؤيا التى رأت عاتكة، فقال له العباس: ما رأت شيئًا، فقال أبو جهل: والله يا عباس ان تمض ثلاث ولم يكن من ذلك شيئًا لنكتب كتابًا نعلقه في الكعبة أنكم أكذب بيت في العرب

ولم تمر ثلاثة أيام حتى تحققت رؤيا عاتكة، وجاء "ضمضم بن عمرو الغفاري" يصيح في مكة كما ذكرنا


والله يا عباس ان تمض ثلاث ولم يكن من ذلك شيئًا لنكتب كتابًا نعلقه في الكعبة أنكم أكذب بيت في العرب

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

خرجت قريش بقضها وقضيضها –كما يقولون-  ومعنى "قضها وقضيضها" يعنى خرجوا جميعًا لم يتخلف منهم أحد، والقض في اللغة هو الحصى الكبير، والقضيض هو الحصى الكبير، يعنى جاءوا بكل شيء


خرجت قريش بقضها وقضيضها

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

"أبو سفيان" يفر بالقافلة

في نفس الوقت كان "أبو سفيان" يتقدم بقافلته تجاه "بدر" بحذر شديد، وقد شك أن يتربص به المسلمون عند بدر، ولذلك عندما اقترب من بدر، أوقف القافلة وتقدم الى بدر بنفسه، ثم سأل رجلًا من أهل بدر "هل أحسست أحدًا" ؟ فقال الرجل: ما رأيت شيئًا أنكره، إلا إني قد رأيت راكبين أتيا إلى هذا المكان - وأشار إلى المكان الذي كان به الصحابيان - فأناخا به، ثم استقيا بأسقيتهما، وانصرفا

فجاء أبو سفيان مناخهما، فاخذ أبعارا من أبعار بعيريهما ففتها، فإذا فيها نوى، فقال: هذه والله علائف يثرب، هذه والله عيون محمد وأصحابه، ما أرى القوم إلا قريبًا

و"علائف يثرب" يعنى أطعمة دواب يثرب، فعندما وجد "أبو سفيان" نوي البلح في مخلفات هذين البعيرين، علم أنهما من يثرب، لأن أهل يثرب يطعمون دوابهم علف فيه نوي

عاد "أبو سفيان" الى القافلة مسرعًا وأوقف بالطبع التقدم ناحية بدر، واتجه بالقافلة الى ساحل البحر الأحمر، وسار بمحاذاة الساحل، وهو طريق لا تسلكه القوافل، لأنه طريق غير معبد، وبذلك استطاع أن ينجو بالقافلة، ولما اطمئن على نجاة القافلة أرسل الى جيش مكة أنه قد نجا بالقافلة وطلب منهم الرجوع الى مكة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

جيش مكة يصر على المواجهة

تلقي الجيش المكي رسالة "ابو سفيان" وهو بالجحفة، وهو يبعد عن مكة حوالى 180 كم، فلما وصلت الرسالة الى جيش مكة، هم الجبش بالرجوع، لأنه قد خرج لحماية القافلة، وقد نجت القافلة، ولكن "أبو جهل" فرعون هذه الأمة أصر على استكمال السير وقال في كبريائه وغطرسته 

- والله لا نرجع حتي نرد بدراً فنقيم عليها ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها، فامضوا


والله لا نرجع حتي نرد بدراً فنقيم عليها ثلاثا

كان "أبو جهل" يوصف بأنه كان رجلا خفيفا، يعنى سريع الحركة، حاد الملامح، نظرته حادة، حاد اللسان 

وافق "أبو جهل" غالبية أهل مكة، بينما لم يوافقه "بنو زهرة" وعادوا الى مكة، ولذلك كانت رؤيا "عاتكة" أن الصخرة عندما تفتت دخل في كل بيت من بيوت مكة منها فلقة، الا بيوت "بنى زهرة" وهكذا قل جيش مكة الى ألف فقط، بعد أن كان ألف وثلاثمائة

هكذا تقدم جيش مكة الى بدر، وقد قلنا أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد اقترب من بدر، ووصل الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر خروج جيش مكة


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ما الذي حدث بعد ذلك

هذا ما سنتناوله في الفصل القادم

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************