أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ السابع: ملحمة بدر الكبري
*********************************
الفصل الواحد بعد المائة
ملحمة بدر الكبري- الجزء العاشر
بدر في القرآن الكريم
*********************************
*********************************
قلنا أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طريق عودنه من بدر الى المدينة نزلت سورة الأنفال على والتى تناولت في بعض آياتها لقطات من غزوة بدر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى في سورة الأنفال ((كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)) أي كارهون لقتال قريش، وقد قلنا أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع الصحابة، ليسألهم رأيهم في قتال قريش، وقال "مَا تَرَوْنَ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ؟" فقال بعض الصحابة "لا وَاللَّهِ مَالَنَا طَاقَةٌ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ، وَلَكِنْ أَرَدْنَا الْعِيرَ" وقال البعض "لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم" فذلك هو قول الله تعالى ((وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى ((يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)) يعاتب الله تعالى المؤمنون في جدالهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أخبرهم أن الله تعالى قد وعده احدي الطائفتين: اما العير أو النفير، أي اما الإستيلاء على القافلة أو هزيمة جيش مكة، وطالما أن العير قد أفلتت فلابد أن يتحقق وعد الله تعالى في الانتصار على الجيش، ولذلك كان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في دعائه "اللهمّ أنْـجِزْ لـي ما وَعَدَتْنـي
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويقول تعالى ((وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)) كما قلنا وعد الله تعالى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأحد أمرين اما العير واما النفير، "وتَوَدُّونَ" أي وتحبون، و"الشَّوْكَةُ" هي الحد أي السلاح، أي أنكم َتَوَدُّونَ وتحبون أَنْ تَظْفَرُوا بِالطَّائِفَةِ الَّتِي لَيْسَ مَعَهَا سِلَاحٌ وَلَا فِيهَا حَرْبٌ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
((وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ)) أَيْ يُظْهِرَهُ وَيُعْلِيهِ ((وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)) أي يستأصل رؤساء الكفر، مثل أبو جهل، وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة ابنى ربيعة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ))
قلنا أن القرآن العظيم يصور لنا جغرافية ميدان المعركة بصورة رائعة فيقول تعالى ((إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) و" الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا" هو جانب الوادي، فالجبال اذا كان بينها قطعة أرض فضاء، نسمي هذا الفضاء واديًا، ونسمي المكان العالى الذي على طرف الوادي "عُدْوَةِ"
و"الدُّنْيَا" يعنى القريبة للمدينة، فالمسلمون كانوا قريبين من المدينة، لأن المسافة بين بدر والمدينة 150 كم، بينما نزل الكفار في "الْعُدْوَةِ الْقُصْوَى" يعنى البعيدة عن مكة، لأن المسافة بين بدر ومكة 250 كم، فكأن الله تعالى يشير بذلك الى واحدة من عوامل النصر التى هيئها الله تعالى للمسلمين، وهي أن مكان المعركة أقرب للمسلمين من المشركين
ثم يقول تعالى "وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ" أي العير أو الجمال التى تحمل تجارة قريش، والتى اتجه بها "أبو سفيان" ناحية مكة بمحاذاة ساحل البحر، وقد قال تعالى "أَسْفَلَ مِنْكُمْ" يعنى ناحية الجنوب، وأيضًا للتعبير عن ساحل البحر، لأن ساحل البحر يكون دائمًا أسفل من أي أرض يابسة، حتى أنهم اتخذوا سطح البحر الآن مقياسًا للإرتفاعات والانخفاضات، فيقال هذا ارتفاعه كذا متر أعلى سطح البحر أو أقل كذا متر أسفل ساحل البحر، لأن سطح الحر مستطرق فلا يوجد في سطح الماء بقعة عالية وبقعة منخفضة
فجملة "وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ" قالت لنا بأسلوب معجز وجميل أن العير اتجهت جنوبًا بمحاذاة سطح البحر
هكذا رسم لنا القرآن العظيم جغرافية أرض المعركة بدقة شديدة، وفي كلمات قليلة وبأسلوب معجز رائع
ثم يقول تعالى ((وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ)) يعنى لو اتفتم مع المشركين على موعد، لما ذهبتم الى أرض المعركة لقلة عددكم وكثرة عددهم
وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا)) يعنى ليقضي اللّه ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى ((وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ
قلنا أن الرمال في وادي بدر كانت شديدة النعومة، والمشي عليها مرهق جدًا، فنزل المطر من السماء في تلك الليلة، فأصبحت الأرض التى يسير عليها المسلمين متماسكة يسهل عليها المشي بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لدوابهم، بينما كانت الأمطار عند المشركين غزيرة جعلت السير على الأرض أكثر صعوبة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى ((إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ)) كما قلنا أن جميع الجيش نام في ليلة المعركة يقول عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وهو يتحدث عن يَوْمَ بَدْرٍ "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى ((إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يري رؤيا أن عدد المشركين قليل، وأخبر المسلمين بذلك، فجرأهم ذلك على القتال، وعند المواجهة رأي السملمون معسكر الكفار قليلي العدد، يقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَانِبِي: تَرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ قَالَ: لَا بَلْ هُمْ مِائَةٌ، حَتَّى أَخَذْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَسَأَلْنَاهُ، قَالَ : كُنَّا أَلْفًا
وفي نفس الوقت يري المشركون المسلمين قليلي العدد " وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ" ويمكن أن يكون المعنى أنهم استهانوا بكم وبعددكم
وكل هذا من ترتيب الحق –سبحانه وتعالى- لأنه تعالى يريد للفئتين أن يشتبكوا، وأن تحدث المواجهة، لأنكم لو رأيتموهم بأعدادهم الحقيقية "وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا" "لَفَشِلْتُمْ" يعنى لجبن بعضكم عن القتال "وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ" كان سيحدث الخلاف والشقاق في الجيش، البعض يريد القتال، والبعض الآخر لا يريد القتال، "وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ" يعنى سلم من ذلك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويقول تعالى ((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
قبل المعركة، وفي صباح يوم السابع عشر من رمضان، وقف أَبَا جَهْلٍ وقَالَ: اللَّهُمَّ، أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ، يعنى أهلكه هذا الصباح
وكَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَدْرٍ، أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَنْصَرُوا اللَّهَ وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعْلَى الْجُنْدَيْنِ، وَأَكْرَمَ الْفِئَتَيْنِ، وَخَيْرَ الْقَبِيلَتَيْنِ
ولذلك قال تعالى ((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)) يقول تعالى لقد أجبت دعائكم ونصرت ما قلتم
وهذا الدعاء من الكافرين يدل على انتكاس بصيرتهم، وظلمة قلوبهم، لدرجة أنهم يرون أنفسهم على الحق، ويرون أهل الحق على الباطل، ولذلك نجد فرعون يخاطب قومه ويقول ((ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) أخذ الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بداية المعركة حفنة من الحصى من الأرض، وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول " شَاهَتِ الْوُجُوهُ" فأوصل الله تعالى هذه الرمال الى عيون المشركين، فلم يبق أحد من المشركين الا دخلت الرمال في عينيه، فانشغلوا بذلك، ثم بدأ هجوم المسلمين على أثر ذلك، فكان هذا من أسباب الانتصار في المعركة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)) ومعنى ((تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)) أي تدعون الله تعالى بتضرع وابتهال، ((فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ )) أي مُتَتَابِعِينَ يتبع كل ملك ملك آخر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى ((وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
أي وما جعل الله تعالى ارسال الملائكة لكم، واعلامكم بذلك الا بشري لكم، والا فهو تعالى قادر على أن ينصركم بدون ارسال ملائكة، فأمره تعالى بعد الكاف والنون، يقول تعالى ((إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لَهُ كُنْ فَيَكون
وهناك آراء علماء بخصوص كيفية اشتراك الملائكة في بدر، بعض العلماء يري أن الملائكة اشتركت في القتال بالفعل، ويؤيد ذلك الكثير من الآثار، أحد الصحابة يقول أنه يتبع رجلًا من المشركين ليقتله، فوقع رأسه قبل أن يصل اليه سيفه، يقول فعرفت أنه قد قتله غيري
أحد الصحابة كان يطارد أحد المشركين، فسمع صوت ضربة سوط، فسقط المشرك أمامه، ووجد على وجهه أثر ضربة سوط
وهناك من يقول أن دور الملائكة في المعركة هو تثبيت قلوب المؤمنين، لأن قتال المشركين لا يحتاج ألف من الملائكة لقتالهم، وجبريل مثلًا أهلك قري لوط بطرف ريشة من جناحه، وهو يمتلك ستمائة جناج، فلو اشتركت الملائكة في القتال اشتراكًا حقيقيًا لما استشهد من المسلمين أربعة عشر، ولما استمرت المعركة الى وقت الظهر
ونجن نقول أن اشتراك الملائكة في القتال حدث بالفعل، ولكنه اشتراك كما نطلق عليه الآن "اشتراك رمزي" لا يغير سير المعركة، لرفع الروح المعنوية للمسلمين، و"تثبيت قلوبهم" كما قال تعالى، فنحن أمة لابد أن تأخذ بجميع الأسباب، ولذلك جميع الأحاديث الصحيحة التى تتحدث عن اشتراك الملائكة، تقول أن الملائكة باشرت القتل بعد أن انهزم المشركون، وأثناء مطاردة المسلمين لهم لقتلهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
((إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ
ومعنى "فَوْقَ الْأَعْنَاقِ" يعنى الرؤس، و"وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ" يعنى اضربوا الأصابع، لأنها التى يمسكون بها السلاح، لأن المقاتل اذا أصيب في المعركة فانه يستطيع أن يواصل القتال، ولو لفترة، أما اذا أصيب في وجهه، أو أصيب في أصابعه فان ذلك سيثبته ولا يستطيع مواصلة القتال، وهذا توجيه للمسلمين بأن يكون القتال بقوة وعنف
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى في بداية سورة الأنفال ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
عندما انتصرالمسلمون في بدر، وبدأ المشركون في الفرار، تاركين الغنائم خلفهم، بدأ بعض المسلمين في تجميع الغنائم التى في أرض المعركة، وقام البعض الآخر في تتبع الفارين لقتلهم أو أسرهم، بينما كانت هناك مجموعة لا تزال تقوم بدورها في حراسة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقيادة سعد بن معاذ
وبعد انتهاء المعركة، اختلف الناس في طريقة توزيع هذه الغنائم، ولم يكن قد نزل حكم الله في توزيع الغنائم، فقال الذين جمعوا الغنائم "نحن حويناها وليس لأحد فيها نصيب" وقال الذين قاموا بمطاردة المشركين "لستم أحق بها منا، نحن نَحَّينا عنها العدو" وقال الذين قاموا بحراسة الرَسُولُ "خفنا أن يصيب العدو منه غرة؛ فاشتغلنا به" وهكذا وقع خلاف وشقاق ومشاحنات بين أفراد الجيش المنتصر
هذا بالرغم من أن أهل بدر هم أفضل هذه الأمة، كما قال العلماء، أن افضل الأمة هم الخلفاء الراشدون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، ثم بقية العشرة المبشرون بالجنة، ثم أهل بدر، فهؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر هم أفضل الأمة، وقد ذكر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك أن الله تعالى قد غفر لجميع أهل بدر، ومع ذلك فقد وقع ذلك الخلاف، لأنهم في النهاية بشر، وكل بني آدم خطَّاء
وقد كان المسلمون عندما خرجوا الى بدر ي حالة فقر مدقع وشديد، ولذلك سمعنا الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دعائه قبل المعركة في تذلله لله تعالى "اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَطْعِمْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ" هكذا كان المسلمون، ثم فجأة وجدوا كل هذه الغنائم بين أيديهم، وهم في أشد الحاجة اليها، ولذلك وقع بينهم الخلاف والشقاق
روي أحمد عن أبي أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، فقال : فينا - أصحاب بدر - نزلت، حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا ، وجعله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقسمه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين المسلمين سواء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى بعد ذلك ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يبين الله تعالى في هذه الآية تشريع كيفية توزيع الغنائم، بعد أن اختلف المسلمون في هذا الأمر كما قدمنا، فقال تعالى أن أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ الغنيمة توزع بالتساوي على كل مَنْ اشترك في القتال، والخمس الباقي يكون لرئيس الدولة يوزعه –كما تقول الآية- على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، ولذلك يقول الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة أخري " ليْسَ لِي فِيهَا إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ
و((يَوْمَ الْفُرْقَانِ )) هو يَوْمُ بَدْرٍ، فَرَقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وفَرَقَ اللَّهُ به بين مرحلتين من مراحل الدعوة الاسلامية، وهناك فرق هائل بين حال المسلمين قبل بدر وبعدها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انتهي الجزء السابع من موسوعة السيرة الشريفة ويليه الجزء الثامن بعنوان
"الأحداث من بدر الى أحد"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
*********************************
|