أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ العاشر: الأحداث من "أحد" الى "الأحزاب"
الفصل الحادي والثلاثون بعد المائة
*********************************
مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَوي
*********************************
*********************************
نتناول في هذه الحلقة موقف عظيم من مواقف السيرة، وبطل هذا الموقف هو صحابي شاب اسمه "مرثد بن أبي مرثد الغنوي"
وهذه هي ثاني مرة يمر بنا اسم "مرثد بن أبي مرثد" المرة الأولى كانت في غزوة بدر، عندما قلنا أن عدد المسلمين كان 313 ، وكان معهم سبعون بعيرًا فقط، فكان كل ثلاثة أو أربعة يتعاقبون على بعير واحد، يعنى كل واحد من الصحابة سيركب –على الأكثر- ثلث المسافة فقط، ويسير على قدميه ثلثى المسافة، فكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعاقب بعيره مع "على بن أبي طالب" و"مَرْثَد بن أبي مَرْثَد" فقال "على" و"مرثد" للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نحن نمشي عنك يا رسول الله" فقال لهما الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- ما أنتما بأقوى منِّي على السير، ولا أنا بأغنَى منكما عن الأجر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول يكلف "مرثد" بمهمة خطيرة جدًا
كان "مرثد" في ذلك الوقت-في السنة الثالثة من الهجرة- شابًا عمره 23 عام، قوي البنية، سريع، شجاع القلب، لديه القدرة على التحكم في مشاعره
وقد قلنا من قبل أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت عنده فراسة عظيمة في اختيار الرجال، فكان يختار لكل مهمة ما يناسبها، ولذلك ظهر من بين الصحابة مواهب عظيمة وعبقريات فذة
وأراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستغل هذه الإمكانيات في "مرثد"، و"مرثد" نفسه يريد أن يجعل امكاناته في خدمة الإسلام، فكلف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مرثد" بمهمة خطيرة جدًا، وتكاد تكون مستحيلة، وهي أن يحرر أسري المسلمين الذين يقعون في أيدي قريش، ويحرر ضعفاء المسلمين الذين تحبسهم قريش، فكان "مرثد" يتسلل الى داخل مكة ليلًا، ويذهب الى المكان المحبوس فيه هذا الأسير، ويحمله لأنه يكون مقيد اليدين والقدمين، ثم يخرج به خارج مكة، ويفك قيوده، ثم ينطلق به الى المدينة
المهمة كما قلنا صعبة جدًا، وخطيرة جدًا، وشبه مستحيلة، وتحتاج الى شجاعة، وقوة قلب، وقدرة على التحكم في المشاعر، وقوة بدنية، وسرعة
وكان "مرثد" يمتلك كل هذه المواهب والإمكانات، ونجح في تحرير عدد من الأسري، ولكن في مرة وقع "مرثد" في خطأ تكتيكي، وهو أنه دخل مكة في ليلة مقمرة،
وقع "مرثد" في خطأ تكتيكي، وهو أنه دخل مكة في ليلة مقمرة
ولكن استطاع "مرثد" أن يصل الى الأسير وكان ثقيلًا، فحمله وهو موثق، ثم مشيى به، ثم وقف ليرتاح، ولكن أبصرت سواده امرأة من بغايا مكة اسمها " عَنَاق" فلما اقتربت منه عرفته وقالت : مرثد ؟ قال لها: مرثد ! فقالت له: مرحباً وأهلاً، تعال فبت عندنا الليلة. فقال لها مرثد: يا عَنَاق، إن الله حرم الزنا ! فصاحت المرأة: يا أهل مكة، يا أهل الخيام، إن هذا الذي يحمل الأسرى من مكة !
والمرأة اذا عرضت نفسها على الرجل، ورفضها، فلابد أنها ستحاول ايذائه، مهما كان حبها له، كما حدث مع يوسف –عليه الاسلام- وكما حدث مع "مرثد"
صاحت عَنَاق فترك "مرثد" الأسير وفر هاربًا، واتجه الى أحد الجبال المحيطة بمكة، واسمه "الخندمة" وهو من الجبال الوعرة، حتى دخل في أحد كهوفها واختبأ فيه
وخرج يتبع "مرثد" ثمانية رجال، وأشارت لهم "عَنَاق" الى المكان الذي اتجه اليه "مرثد" فوصلوا الى جبل "الخندمة" ووصلوا الى الكهف الذي دخل فيه "مرثد" بل ودخلوا الكهف ووقفوا أمام "مرثد" وهو نائم على الأرض، ولكن الله تعالى أعمي أبصارهم فلم يروا "مرثد" حتى أن بعضهم تبول ووقع البول على رأس "مرثد" دون أن يروه، ثم عادوا الى مكة
خرج يتبع "مرثد" ثمانية رجال
العجيب أن "مرثد" لم يعد الى المدينة بعد ذلك، بل عاد مرة أخري الى الأسير الذي تركه بمكة، ثم حمله حتى خرج به من مكة، ثم فك وثاقه، وانطلقا عائدين الى المدينة
جبل الخندمة الآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"مرثد" يريد الزواج من "عناق"
شعر "مرثد" بالعاطفة تجاه "عناق" فذهب الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له: يا رسول الله، أنكح عناق ؟
وهذا يدل على شعور "مرثد" أن زواجه من "عناق" ليس أمرًا طبيعيًا وليس أمرًا طيبًا، والا لما استشار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليس كل صحابي يريد أن يتزوج كان يذهب ليسأل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رأيه فيمن يريد أن يتزوج منها
وهو يدل أيضًا على طيبة قلب "مرثد" لأن "عناق" هي التى دلت عليه، وكادت تتسبب في قتله، ومع ذلك أراد أن يتزوجها
ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد عليه، واستقبل الأمر بهدوء، وهذا أمر هام جدًا، لأن هذا الموقف يحدث في كثير من البيوت، قد يأتي الشاب -أو الفتاة- الى أهله ويقول لهم أنه يريد أن يتزوج فتاة، وهي غيرمناسبة على الإطلاق، ويستقبل الأهل الأمر بعصبية، ويعند الشاب، ويتمسك بالفتاة، وكل ممنوع مرغوب، وتأخذ الفتاة من قلبه مكانة ليست حقيقية، وربما يكون عندما فكر فيها وعرض الأمر على أهله هو غير مقتنع بها، ولكنها مجرد فكرة، وتحدث بهذه الفكرة، ولكن عنف استقبال الأهل لهذه الفكرة حولها الى رغبة ثابتة، والى ما توهمه هو أنه حب
اذن عنما يواجه الأهل هذا الموقف، عليهم أن يستقبلوا الأمر بهدوء، ونجلس ونتفاهم ونتحاور
قال مرثد: يا رسول الله، أنكح عناق ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حكمة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرد على "مرثد"
لم يعط الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جوابًا الى "مرثد" ولكن نزل قول الله تعالى ((الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ))
اذن القضية هامة جدًا لدرجة أن الله تعالى هو الذي قال لمرثد لا تتزوج من هذه المرأة
والقضية فعلًا هامة، وتحل مشاكل في كثير من البيوت
بعض الشباب يتعرف على فتاة أجنبية عن طريق النت، أو عن طريق السياحة، وينبهر بها لأنها أجنبية، ويريد أن يتزوجها، ويبارك الأهل هذا الأمر لأنهم أيضًا منبهرون بها ليس لشيء الا لأنها أجنبية، ويتجاهل الكل أنها من مجتمع ثقافته تري أن الزنا أمر طبيعي، وأنه أمر كالطعام والشراب، والفتاة التى لا تزني تكون غير طبيعية
وتأتي هذه الآية وتقول لك انتبه لهذا الأمر، أعرف شاب كان يصلى معى في المسجد، ويحفظ القرآن، ثم سافر الى دولة أوروبية وتزوج منها، وبعد ذلك عندما يأتي الى مصر لا نراه في المسجد أبدًا، وقلت أنت تحفظ القرآن كيف غفلت عن هذه الآية ((الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) يعنى حرم هذا الزواج على المؤمنين
المؤمن لا ينبغي له أن يتزوج من زانية أبدًا
والمؤمنة اذا تقدم لها شاب معروف بعلاقاته النسائية، فلا ينبغي أن تتزوجه أبدًا
الا في حالة الواحدة، وهي التوبة، لو تابت هذه الزانية، ولو تاب هذا الزاني، وتكون التوبة بشروطها المعروفة، وهي الاقلاع عن الذنب، والندم على ارتكابه في الماضى، والعزم الأكيد على عدم العودة للذنب مرة أخري
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|