أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ العاشر: الأحداث من "أحد" الى "الأحزاب"
الفصل الحادي والأربعون بعد المائة
*********************************
غزوة بدر الآخرة
*********************************
*********************************
"بدر" موعد من العام السابق
ذكرنا من قبل أن آخر مشهد في معركة أحد أن "أبو سفيان بن حرب" سيد قريش قبل أن ينصرف هو ومن معه نادي:
- إن موعدكم بدر العام القابل
يعنى العام المقبل، في نفس الموعد -في شهر شوال، لأن أحد وقعت في شهر شوال- يأتي جيش المسلمين وجيش قريش، الى بدر ويكون هناك قتال
فقال الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر بن الخطاب:
- قل : نعم، هو بيننا وبينك موعد، ان شاء الله تعالى
ومر عام على أحد، وجاء شهر شعبان في السنة الرابعة من الهجرة، وجاء موعد اللقاء عند بدر
وقلنا من قبل أن "بدر" وادي يبعد عن المدينة حوالى 150 كم، به مجموعة من الأبار، اعتادت القوافل التجارية التى تمر بهذه المنطقة أن تستريح عنده، ويملئون أسقيتهم وتشرب دوابهم، وكان هناك أيضًا سوق كل عام عند بدر ، في شهر "ذي القعدة" يستمر ثمانية أيام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خوف "أبو سفيان" من الخروج
عندما جاء شهر شعبان من السنة الرابعة من الهجرة، وجاء موعد اللقاء عند بدر، أخذ المسلمون يتهيؤا للخروج الى بدر
على الجانب الأخر في مكة كان "أبو سفيان" لا يريد مواجهة المسلمين، ويخشي هذه المواجهة، وفي نفس الوقت لا يستطيع ألا يخرج لأن ذلك يسقط هيبته عند المسلمين وفي الجزيرة كلها
وكان في مكة في ذلك الوقت رجل اسمه "نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ" من قبيلة غطفان، فاتفق معه "أبو سفيان" أن يذهب الى المدينة، ويخوف أهل المدينة من جيش قريش، ويقول لهم أن أعدادهم كبيرة، ووعده بعشرين من الإبل ان نجح في مهمته
يقول أبو سفيان لنُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ:
- إنه بدا لي أن لا أخرج، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا، فيزيدهم ذلك جراءة، فلأن يكون الخلف من قبلهم أحب إليّ من أن يكون من قبلي، فالحق بالمدينة، وأعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا، ولك عندي عشرين من الإبل أدفعها لك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اصرار الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخروج
وصل "نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ" الى المدينة، فوجد المسلمون يتهيئون للخروج، فبدأ في أداء مهمته وأخذ يطوف بالمسلمين، ويتحدث عن كثرة جموع قريش، ورغبة قريش الشديدة في القتال، حتى انتشر الخوف بين المسلمين، واستبشر المنافقون واليهود، وبدأ كثير من المسلمين يتراجع عن فكرة الخروج الى "بدر"
وجاء "أبو بكر" و"عمر" وأخبرا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- والذي نفسي بيده لأخرجن، وإن لم يخرج معى أحد
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خروج المسلمون الى بدر
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فذهب الخوف الذي كان في قلوب المسلمين وخرجوا جميعًا، وكان عددهم ألف وخمسمائة، وعشرة فرسان، ومعنى ذلك أن أعداد المسملين في زيادة، ففي بدر كان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي أحد منذ عام واحد من الآن سبعمائة، والآن المسلمون ألف وخمسمائة، وحمل اللواء "على بن ابي طالب" وأخذ بعض المسلمون معهم كذلك تجارات، لأن ذلك الوقت كان وقت موسم السوق في بدر
خرج المسلمون جميعًا، وكان عددهم ألف وخمسمائة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
محاولة المنافقون تخويف المسلمون وثبات الصحابة
وفي الطريق كان المنافقون لا يتوقفون عن محاولة اخافة المسلمين، ويقولون لهم ان قريش قد جمعوا لكم كذا وكذا، فيقول المسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأرسل "أبو سفيان" آخرين بخلاف "نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ" لإخافة المسلمين، فكان المسلمون يقولون "حسبنا الله ونعم الوكيل" حتى عندما اقتربوا من بدر، قالوا: ان بدر قد امتلأت بجيش قريش، قال المسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل، وعندهم تجربة سابقة قريبة، عندما خرجوا الى حمراء الأسد، وأرسل "أبو سفيان" كذلك من يحاول اخافة المسلمين، قال الصحابة "حسبنا الله ونعم الوكيل" ونزل فيهم قول الله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
ووصل المسلمون الى "بدر" في آخر "شوال" فلم يجدوا بها أحد من جيش قريش، ولم يجدوا الا الذين جائوا للتجارة
غزوة بدر الآخرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تراجع "أبو سفيان" وانسحابه
على الجانب الآخر خرج "أبو سفيان" بجيش قريش وهو يعتقد أن "نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ" ومن أرسلهم قد نجحوا في اخافة المسلمين، وأن المسلمين لن يخرجوا، فخرج بجيشه حتى يبدوا أمام المسلمين وأمام كل العرب أنه قد خرج للقاء المسلمين، وأن المسلمين خافوا وجبنوا ولم يخرجوا
كان جيش قريش عدده ألفان ومعهم خمسين فارس، وسار الجيش لمدة يومين فقط، حتى وصل الى "مَجِنَّة" وهي سوق معروفة تبعد عن "مكة" حوالى 80 كم
ثم وصلت الى "أبو سفيان" الأخبار أن المسلمون قد وصلوا بالفعل الى بدر، فقال "أبو سفيان"
- يا معشر قريش لا يصلحكم الا عام خصب، وإن عامكم هذا عام جدب، واني راجع فارجعوا
فرجع جيش قريش، وكان مثار سخرية في الجزيرة كلها، بل وفي داخل مكة نفسها، حتى أن أهل مكة أخذوا يقولون لهم: انما خرجتم لتشربوا السويق، وسموهم "جيش السويق"
و"السويق" هو طعام اعتاد العرب أكله في السفر، وهو مدقوق القمح والشعير، سمي "سويق" لاتسياقه في الحلق
كان تراجع المشركون وانسحابهم بالرغم من أن أعداد جيش المشركين كان أكبر: فالمشركون –كما ذكرنا- كانوا ألفان، والمسلمون ألف وخمسمائة، وكان مع المشركون خمسون فرس، والمسلمين عشرة، أي أن هناك تفوق في جيش المشركين في العدد والعدة، ومع ذلك خافوا وجبنوا من مواجهة المسلمين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اقامة المسلمون في بدر
وأقام المسلمون في بدر ثمانية أيام، وهي مدة السوق، وباع المسلمون تجارتهم، وربحوا الضعف، ثم عادوا بعد ذلك الى المدينة
وقد أطلق على هذه الغزوة "غزوة بدر الآخرة" أو "بدر الموعد" لأنها كانت موعد بين المسلمين وبين قريش وأطلق عليها "بدر الثالثة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
غزوات "بدر" الثلاثة
اذن هناك ثلاثة غزوات أطلق عليها "بدر"
- بدر الأولى في "ربيع الأول" من السنة الثانية من الهجرة، عندما أغار على ابل المدينة بعض الأعراب، فخرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلبهم، حتى بلغ واديًا يقال له "سفوان" قريبًا من "بدر" ولم يدركهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأطلق أصحاب السير على هذه الغزوة "غزوة سفوان" أو "غزوة بدر الأولى" أو "الصغري"
- ثم غزوة بدر الكبري، في رمضان من السنة الثانية من الهجرة
- ثم تحدثنا الآن عن غزوة بدر الثالثة، أو بدر الموعد في "ذي القعدة" السنة الرابعة من الهجرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أهمية "بدر الثالثة"
كانت "بدر الآخرة" أو "بدر الموعد" أو "بدر الثالثة" غزوة هامة جدًا، لأنها أعادت للمسلمين كثير من الهيبة التى فقدوها في أحد، وتوابع أحد وهي "بئر الرجيع" و"بئر معونة" وأعادت الى المسلمين ثقتهم بأنفسهم، بينما أحبطت المشركين، واصبحوا مثار للسخرية، في الجزيرة كلها بل وفي داخل مكة نفسها
وأيقن المشركون أن مكة أنهم غير قادرين على مواجهة المسلمين، وأنهم أضعف منهم كثيرًا، ولذلك فكروا في أن يتجمع كل العرب لحرب المسلمين، فكانت بعد ذلك غزوة الأحزاب
|