أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ العاشر: الأحداث من "أحد" الى "الأحزاب"
الفصل الرابع والأربعون بعد المائة
*********************************
غزوة بنى المصطلق
*********************************
*********************************
من هي "بنى المصطلق" ؟ ومن هي خزاعة ؟
بعد "دومة الجندل" بحوالى شهرين، بلغ الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن قبيلة "بنى المصطلق" تستعد لغزو المدينة
فمن هي "بنى المصطلق" ؟
"بنى المصطلق" هي أحد بطون قبيلة "خزاعة" وكانت ديار "خزاعة" منتشرة على الطريق من مكة الى المدينة من بداية 30 كم من مكة الى 240 كم من مكة، ولذلك فان "خزاعة" كان موقعها مهم جدًا في الصراع بين المسلمين وبين قريش
واتخذت "خزاعة" موقفًا محايدًا بالنسبة للصراع بين المسلمين وبين قريش، فهي لم تدخل في عداء مع المسلمين لوجود صلات نسب ومصالح مع الأنصار
وفي نفس الوقت لم يدخلوا في الإسلام لأن لهم مصالح مع قريش، لأن خزاعة في طريق تجارة قريش الى الشام وهم يستفيدون بذلك، وأيضًا لأن أحد أصنام العرب الشهيرة وهي "مناة" تقع في ديارها، فكان العرب يحجون الى هذا الصنم، ومن ثم كانوا يستفيدون من ذلك ماديًا ومعنويًا
من أجل ذلك اتخذت قبائل "خزاعة" مواقفًا محايدًا في الصراع بين المسلمين وبين قريش، باستثناء "بنى المصطلق" وهي –كما ذكرنا- أحد بطون "خزاعة" وكانت ديارها في وسط ديار "خزاعة" والتى اتخذت موقفًا معاديًا للمسلمين، لدرجة أنها اشتركت مع قريش في حرب المسلمين في أحد
موقع "بنى المصطلق" من المدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"بنى المصطلق" تقرر قتال المسلمين
وفي بداية السنة الخامسة من الهجرة، اتخذت "بنى المصطلق" بقيادة "الحارث بن أبي ضرار" قرارها بتجميع القبائل لغزو المدينة
ووصلت هذه الأخبار الى الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل أحد الصحابة وهو "بريدة بن الحُصيب" حتى يتأكد من نياتهم، فذهب اليهم ودخل فيهم، وأظهر أنه معهم وأنه يريد عونهم في حربهم ضد المسلمين، وتحدث مع سيدهم وهو "الحارث بن أبي ضرار" وتأكد أنهم يريدون بالفعل غزو المدينة، فعاد الى المدينة وأخبر الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خروج المسلمون لقتال "بنى المصطلق"
فخرج اليهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في 2 شعبان من السنة الخامسة من الهجرة، وخرج معه من نسائه السيدة "عائشة" والسيدة "أم سلمة" وكان الجيش يتكون من في 700 مقاتل وثلاثين فرسًا، والمسافة بين المدينة و"بنى المصطلق" كبيرة حوالى 400 كم
ملخص ومكان غزوة "بنى المصطلق
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الهجوم على "بنى المصطلق"
وصل المسلمون الى "بنى المصطلق" وقاموا بهجوم مباغت، وحاول "بنى المصطلق" المقاومة ولكنهم انهزموا سريعًا فقتل منهم عشرة، بينما لم يفقد المسلمون في هذا الهجوم سوي رجل واحد، وفر الكثير من "بنى المصطلق"، وكان ممن فر قائدهم "الحارث بن أبي ضرار" ووقع بقية رجالهم ونسائهم في الأسر، واستولى المسلمون على مواشيهم، وكان عددهم ألفين من الإبل، وخمسة آلاف من المواشي، وحقق المسلمون انتصارًا ساحقًا وسريعًا
قام المسلمون بهجوم مباغت على "بنى المصطلق"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قسم الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغنائم والسبايا بين الجيش، وكانت ابنة سيد "بنى
المصطلق" واسمها "برة بنت الحارث بن أبي ضرار" قد قتل زوجها في الهجوم، ووقعت في السبي، فوقعت من نصيب أحد الصحابة وهو "ثابت بن قيس بن شماس" فكاتبته على نفسها، يعنى اتفقت معه أن تدفع معه مبلغ من المال مقابل أن يعتقها، وكان هذا النظام موجود عند العرب، ويطلق عليه نظام المكاتبة، وهو يعنى أن يتفق السيد مع العبد أن يكون حرًّا إذا أدّى قدْرًا مُعيَّنًا من المال، وقد أقر الآسلام هذا النظام فقال تعالى ((فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)) بل وجعل الإسلام هذا النظام واجبًا، أي يجب على السيد أن يقبل المكاتبة اذا أراد العبد ذلك، فكان ذلك من أساليب الاسلام في الغاء الرق
وكانت "برة بنت الحارث" قد رأت قبل يوم المعركة بثلاثة أيام رؤيا كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجرها، ولم تخبر أحد بهذه الرؤيا، فلما وقع القتال ووقعت في السبي، تذكرت الرؤيا، وذهبت الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجة أن تطلب منه أن يساعدها في المبلغ التى كاتبت به على نفسها، هي ترجو أن يراها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتزوجها
رأت "برة" رؤيا كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجرها
كان مع الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الغزوة السيدة "عائشة" والسيدة "أم سلمة" –كما ذكرنا- فلما جائت "برة بنت الحارث" الى الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأتها السيدة عائشة وقالت السيدة عائشة وهي تقص تلك القصة "والله ما أن رأيتها على باب حجرتي حتى كرهتها" والسبب أن "برة" كانت شابة وجميلة وحلوة اللسان
ثم قالت برة:
- يا رسول الله أنا برة بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لا يخفى عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي
فقال لها الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- فهل لك في خير من ذلك ؟
قالت:
- وما هو يا رسول الله ؟
قال:
- أقضى كتابك وأتزوجك
يعنى أدفع لثابت بن قيس المبلغ كله، وتكونين حرة، ويكون هذا المبلغ هو صداقك
قالت:
- نعم يا رسول الله قد فعلت
أسلمت "برة" وتزوجها الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وغير اسمها الى "جويرية بنت الحارث" حتى يساعدها في أن تقلب صفحة الماضي وتبدأ صفحة جديدة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خرج الخبر الى الناس أن الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد تزوج بنت "الحارث بن ضرار" فقال الناس "أصهار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يعنى "بنى المصطلق" أصبحوا أصهار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرد كل الصحابة الأسري الذين في أيديهم الى ذويهم
وكان هذا حدثًا فريدًا لم يحدث في تاريخ الجزيرة وربما في تاريخ العالم كله، وكان سببه حب الصحابة الشديد للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واكبارهم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تقول السيدة عائشة:
- قال الناس أصهار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسلوا ما بأيديهم، فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها
وأمام كل هذا العتق الجماعي، وهذا الكرم الغير مسبوق دخلت كل "بنى المصطلق" في الاسلام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعد أن عاد الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى المدينة، جاء "الحارث بن أبي ضرار" أبو السيدة "جويرية بنت الحارث" ليدفع الى الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فداء ابنته، لأنها اعتقد أنها أسيرة أو أنها مكرهة
فلما وصل الى "وادي العقيق" وهو أحد الوديان القريبة من المدينة -وقد امتد اليه العمران الآن- فنظر الى الأبل التى جاء بها للفداء، فطمع في بعيرين منهما فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، فلما أتي الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
- يا محمد أخذتم ابنتي وهذا فداؤها
فقال له الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا ؟
فقال الحارث:
- والله ما اطلع على هذا الا الله ! واني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله
وأسلم الحارث وابنان له، وبقية "بنى المصطلق"
وادي العقيق
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
استطاع الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذه الغزوة:
- القضاء على محاولة "بنى المصطلق" تجميع القبائل وغزو المدينة
- توطيد هيبة المسلمين في الجزيرة
- دخول كل "بنى المصطلق" في الاسلام، وهي البطن الوحيد في "غطفان" الذي كان يناصب الاسلام العداء
- تأليف قلوب كل قبيلة "خزاعة" لأن الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج من "بنى المصطلق" وهي أحد بطونها وقد قلنا أن "خزاعة" موقعها هام جدًا في الصراع بين المسلمين وبين قريش، لأنها تسيطر على نصف الطريق بين مكة والمدينة، وبالتالي فهي تمثل حاجزًا من نفوذ المسلمين الى مكة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن في طريق العودة الى المدينة، كان المنافقون قلوبهم تمتلأ غيظًا من المسلمين، بسبب انتصاراتهم المتوالية، ولذلك افتعلوا مشكلة كبيرة بين المهاجرين والأنصار، ما الذي حدث ؟ وكيف تغلب الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذه المشكلة ؟
هذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم
|