أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الحادي عشر: غزوة الأحزاب
الفصل السابع والأربعون بعد المائة
*********************************
غزوة الأحزاب- الجزء الأول
تحزب الإحزاب
*********************************
*********************************
غزوة الأحزاب فكرة يهودية
قلنا من قبل أن الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام بطرد يهود "بنى النضير" من المدينة، بعد محاولتهم لقتل الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وكان ذلك في شهر "ربيع الأول" من السنة الرابعة من الهجرة
اتجه يهود "بنى النضير" بعد طردهم الى الشام، وذهب البعض الآخر ورؤسائهم مثل "حي بن أخطب" و"سلاَّم بن أبي الحُقَيق" وغيرهم الى "خيبر"
و"خيبر" هي مدينة يهودية، تبعد عن المدينة حوالى 180 كم ، وأصبحت "خيبر" بعد انتقال "بنى النضير" اليهم هي أكبر تجمع لليهود في الجزيرة
ظل اليهود في "خيبر" يراقبون الصراع بين المسلمين في المدينة من جهة، وقريش وغيرهم من المشركين من جهة أخري، وهم يتمنون –بالطبع- أن ينتهي الصراع لصالح الكفار، وأن يتم القضاء على الإسلام، وعلى الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولكن اليهود وجدوا أن المسلمون بعد "أحد" وتوابعها وهو "الرجيع" و"بئر معونة" يحققون انتصارًا كل يوم، ويكتسبون أرضًا جديدة، وتزداد أعدادهم، ولذلك قرروا ألا يقفوا مكتوفي الإيدي، أو يكتفوا بدور المراقب والمتابع، وأن يتحركوا في سبيل تحقيق هدفهم في القضاء على الإسلام
كانت فكرة اليهود هو ان تتجمع كل القبائل العربية في جيش ضخم، يتوجه الى المدينة ويوجه ضربة للمسلمين تكون ضربة قاضية وقاتلة لا حياة بعدها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحرك اليهود في الجزيرة لتأليب القبائل
خرج 21 رجلُا من "خيبر" من سادات يهود خيبر، وسادات "بنى النضير" الى قريش وأخذوا يحرضونهم على غزو المدينة، ووعدوهم بأن يكون معهم كل العرب، فأجابتهم "قريش" ووجدت في ذلك انقاذًا لسمعتها وهيبتها بعد أن فقدتها "قريش" في غزوة "بدر الثالثة"، التى وقعت في السنة الرابعة عندما خرج المسلمين لقتالهم عند بدر بينما جبنت قريش عن القتال وعادت بعد أن سارت يومين فقط، وأيضًا لإنقاذ تجارتها بعد أن نجح المسلمين في قطع طريق تجارة قريش الى الشام نهائيًا
توجه وفد "خيبر" بعد ذلك الى قبائل "غطفان" وهي من أكبر القبائل العربية، ودعوهم الى حرب الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقابل أن يعطوهم نصف ثمار "خيبر" لمدة عامين، فاستجابت لهم عدد كبير من بطون "غطفان" مثل "بنو فَزَارة" و"بنو مُرَّة" و"بنو أشجع"
وأخذ هذا الوفد يطوف على كل قبائل العرب الكبيرة، فاستجاب لهم البعض مثل "بنو أسد" و"بنو سليم" و"بنو أشجع" ولم يستجب البعض الآخر، واتفقوا على موعد لقاء كل هذه الجيوش للتوجه لغزو المدينة
هكذا قام يهود "خيبر" بمهمة تحريض وتأليب وتجميع والتنسيق بين القبائل، دون أن يشتركوا هم القتال، لأنهم شعب جبان يخاف من المواجهة، وهذا هو الدور الذي يقوم به ويجيده اليهود في كل العصور، منذ عصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحتى الآن، فنجدهم الآن يكونون جماعات ضغط في الدول الكبري، وهي التى يطلق عليها اللوبي، وهذا اللوبي حرض الولايات المتحدة على حرب المسلمين في العراق، وحرض الروس على حرب المسلمين في الشيشان، والأمثلة كثيرة لا حصر لها
أخذ وفد خيبر يطوف على كل قبائل العرب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحرك جيوش العرب لغزو المدينة
خرجت قريش وحلفائها بقيادة "أبو سفيان بن حرب" في أربعة آلاف مقاتل منهم 300 فرس
وخرجت "غطفان" في 3000 مقاتل، و"بنو سليم" 700 و"أشجع" 300 الى جانب "بنو أسد" وغيرهم من القبائل، ووصل مجموع الجيش الى 10000 مقاتل
وكان هذا الجيش هو أكبر جيش شهدته الجزيرة منذ جيش أبرهة في عام الفيل، وكانت القبائل اذا وصل عدد مقاتليها الى الألف يفتخرون بذلك، وتعتبر من القبائل القوية
ولم يكن الهدف من هذا الجيش هو مجرد الانتصار على المسلمين في معركة عابرة، ولكن الهدف هو غزو المدينة، وقتل الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقتل الصحابة، والقضاء على الاسلام نهائيًا فلا تقوم له قائمة بعد ذلك
تحركت جيوش العرب لغزو المدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وصول الأخبار الى المدينة و الرَسُولِ يستشير أصحابه
ووصلت هذه الأخبار المرعبة الى المدينة، وعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن جيوش الأحزاب أمامها حوالى 15 يوم لتصل الى المدينة، واستشار الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه، فكان الرأي هو عدم الخروج لقتال المشركين، وانما التحصن في المدينة، لأن المدينة -كما ذكرنا- محصنة بطبيعتها الجغرافية، لأن المدينة تحدها من الشرق "حرة" أو "لابة" ومن الغرب "حرة" والحرة هي صخور بركانية حادة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حرتي المدينة وحصانتها الجغرافية
والمعنى أنه كان في هذا المكان بركانًا قذف بحممه البركانية، وهذه الحمم البركانية، أو الصخور القادمة من باطن الأرض، عندما ترتطم بالأرض تبرد وتتماسك وتُكَّوِن ما يعرف بالحرة
وقد ثار بركان آخر قوي من إحدى تلال هذه الحرة، في عام 654 هـ واستمر قرابة ثلاثة أشهر
وهذه الصخور البركانية يصعب جدًا بل يستحيل أن يسير عليها أي انسان أو دابة أو حتى دبابة أو مدرعة، وهي موجودة حتى الآن، وان كان العمران قد وصل الى بعض أطرافها
ولذلك الحرة الشرقية يطلق عليها حرة "واقم" و"واقم" في اللغة هو الحاجز، كما يطلق على الحرة الغربية حرة "الوبرة"
وتقوم الحرة الشرقية أو اللابة الشرقية وهي حرة "واقم" بحماية المدينة من جهة الشرق، بينما تقوم الحرة الغربية أو اللابة الغربية بحماية المدينة من جهة الغرب وجزء من الجنوب
بالنسبة لجنوب المدينة توجد مساكن "بنى قريضة" وهي مساكن متلاصقة ومتتابعة، وتوجد غابات وأحراش، ويوجد جزء من الحرة الغربية، وبالتالي فلا يمكن لجيش أن يدخل من هذه الجهة أيضًا
ولذلك فالمدينة محصنة بطبيعتها الجغرافية، سواء من الشرق أو الغرب أوالجنوب، والجهة الوحيدة التى يمكن أن ينفذ منها جيش الى المدينة هي جهة الشمال
كان في هذا المكان بركانًا قذف بحممه البركانية
عندما ترتطم الحمم البركانية بالأرض تبرد وتُكَّوِن ما يعرف بالحرة
حرة "واقم" الشرقية
حرة "الوبرة" الغربية
الجبال البركانية في منطقة المدينة المنورة الآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اقتراح "سلمان الفارسي" حفر الخندق
اذن استشار الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه، فكان الرأي هو عدم الخروج لقتال المشركين، وانما التحصن في المدينة، وعدم الوقوع في الخطأ الذي وقعوا فيه في غزوة "أحد" واتفق الجميع على هذا الرأي، ولكن كان التفكير هو كيف يمكن يمكن حماية شمال المدينة ؟ وما هي خطة الدفاع عن شمال المدينة ؟
وهنا تحدث "سلمان الفارسي" و"سلمان" من فارس، وله قصة طويلة في البحث عن الإسلام، حتى انتهي الى المدينة قبل هجرة، ثم أسلم بعد الهجرة مباشرةً، ولكنه كان عبدًا عند رجل من اليهود، ولم يعتق الا قبل غزوة الأحزاب بقليل، وكان معروفًا بالحكمة، حتى أن على بن ابي طالب، كان
يطلق عليه "لقمان الحكيم"
تحدث "سلمان الفارسي" وقال: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا
اذن اقتراح "سلمان الفارسي" هو حفر خندق من جهة شمال المدينة، يبدأ هذا الخندق من الحرة الشرقية "واقم" الى الحرة الغربية "الوبرة" وهي مسافة تبلغ ستة كم
لاقت فكرة "سلمان" استحسان الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسان كل الصحابة، لدرجة أن المهاجرين قالوا "سلمان منا" وقال الأنصار "سلمان منا" فقال الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "سلمان منا آل البيت" وقرروا تنفيذ الفكرة فورًا
انتقل الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى شمال المدينة، وتم اختيار مكان الخندق، وأمر بالبدء في حفر الخندق فورًا
حصانة المدينة الطبيعية واقتراح "سلمان" حفر الخندق
|