Untitled Document

عدد المشاهدات : 4108

الفصل الثامن والأربعون بعد المائة: غزوة الأحزاب- الجزء الثاني- حفر الخندق

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الحادي عشر: غزوة الأحزاب
الفصل الثامن والأربعون بعد المائة
*********************************
غزوة الأحزاب- الجزء الثاني
حفر الخندق
*********************************

*********************************
فكرة "سلمان الفارسى"
تحدثنا في الفصل السابق عن دور اليهود في "خيبر" في تحريض وتأليب وتجميع والتنسيق بين القبائل لحرب المسلمين، وقلنا أنهم نجحوا بالفعل في تجميع جيش ضخم، يصل عدد الى 10000 مقاتل، وهو جيش لم تشهده الجزيرة العربية من قبل
وقلنا أن الهدف من هذا الجيش ليس مجرد الانتصار على المسلمين في معركة عابرة، ولكن كان الهدف هو غزو المدينة، وقتل الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقضاء على الاسلام نهائيًا فلا تقوم له قائمة بعد ذلك
ووصلت هذه الأخبار المرعبة الى المدينة، واستشار الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صحابته، فكان الرأي هو عدم تكرار خطأ "أحد" وعدم الخروج لملاقاة المشركين، والتحصن في المدينة، لأن المدينة  محصنة بطبيعتها الجغرافية، حيث تحدها من الشرق الحرقة الشرقية "واقم" ومن الغرب الحرة الغربية "الوبرة" ومن الجنوب جزء من الحرة الغربية، وأحراش وغابات، ومساكن بنى قريظة، وهكذا فليس هناك مدخل من الممكن أن ينفذ من الجيش الغازي الا الشمال فقط
واستشار الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صحابته في كيفية الدفاع عن شمال المدينة، وقال سلمان الفارسي 
- يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا
ولاقت فكرة "سلمان الفارسي" استحسان الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسان الصحابة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحديد مكان ومواصفات الخندق وتوزيع العمل
انتقل الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى شمال المدينة، وتم اختيار مكان الخندق، في أضيق مكان بين الحرة الشرقية والحرة الغربية، وخط -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكان الخندق بين الحرتين، وأمر بالبدء في حفر الخندق فورًا، وحدد الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  مواصفات الخندق كالآتي:
أولًا: الطول من الحرة الشرقية "واقم" الى الحرة الغربية "الوبرة" وهي مسافة تبلغ حوالى 6 كيلو مترات
ثانيًا العرض: أن يكون عريضًا بحيث لا تستطيع فرسان العدو عبوره بالقفز (8 متر)
ثالثًا العمق: أن يكون عميقًا بحيث اذا سقط فيه أحد لايستطيع أن يخرج منه (4 متر)
ووزع الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العمل بحيث أعطي لكل عشرة من الصحابة، 20 متر لحفرها، وخط لكل عشرة الجزء المسئولين عن حفره

موقع الخندق 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
صعوبة تنفيذ المشروع
بدء المسلمون العمل فورًا، وكان العمل صعبًا جدًا وشاقًا لأسباب عديدة:
- أن المشروع ضخم جدًا، ووقت اتمام المشروع ضيق، فكان الصحابة يعملون في النهار لمدة 16 ساعة في اليوم، ثم يعودون لبيوتهم في الليل، ولا يسمح لأحد بالإنصراف الا باذن الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- أن أرض المدينة أرض صخرية يصعب جدًا الحفر فيها
- أن أدوات الحفر لم تكن تكفي كل هذا العدد، فكانوا يستخدمون أحيانًا أدوات يصعب الحفر بها
- أن البرد كان قارصًا، والسنة كانت مجدبة، والمدينة تعاني من نقص شديد في المواد الغذائية، فكانت تمر الأيام والصحابة يعملون ولا يجدون ما يأكلونه

بدء المسلمون العمل  وكان العمل صعبًا وشاقًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
طريقة الرسول في رفع همة الصحابة
كان الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلم كل ذلك، فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحاول أن يرفع من همة الصحابة، فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعمل مع الصحابة بنفسه في حفر الخندق، وكان يحمل التراب فوق رأسه، والجندي عندما يري القائد يعمل معه، فانه –ولاشك- يخرج كل ما عنده، لأنه يشعر بأهمية هذا العمل
وأخذ الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يعمل يرتجز بهذه الكلمات:
اللهم لا عَيشَ إلا عيشُ الآخرة **  فاغفر للأنصار والمهاجرة 
وكان هذا من شعر "عبد الله بن رواحة" لأن الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يجيد الشعر
فكان الصحابة يجيبونه:
نحـن الذيـن بايعـوا محمـداً ** على الجهـاد ما بقيـنا أبداً

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بشارة الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصحابة
أثناء الحفر، وجد الصحابة صخرة ضخمة، فأخذوا يضربونها بمعاولهم فلم تتأثر، فأخبروا الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخذ المعول، وقال "بسم الله" ثم ضرب الصخرة ضربة فتكسرت الصخرة وقال: الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
- اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَنْظُرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ 
ثم قال "بسم الله" وضرب ضربة ثانية، فتكسرت الصخرة أكثر، وقال الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
- اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَنْظُرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الأَبْيَضَ 
ثم قال "بسم الله" وضرب ضربة ثالثة، فتفتت الصخرة ، وقال الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
- اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ َإِنِّي لأَنْظُرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذِهِ السَّاعَةَ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الجوع الشديد ومعجزة البركة في الطعام
وقد قلنا ان الصحابة كانوا يعملون في ظروف شديدة الصعوبة، لأن البرد كان قارصًا، والسنة كانت مجدبة، والمدينة تعاني من نقص شديد في المواد الغذائية 
وكان الجو في ذلك الوقت شديد البرودة، وهناك نقص شديد في الطعام، والمسلمون يعملون وهم يعانون من الجوع الشديد، حتى كانوا يظلون ثلاثة أيام كاملة لا يأكلون 
 وشكا الصحابة الى الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجوع، ورفعوا بطونهم وقد ربطوا عليها الحجر، فرفع الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بطنه عن حجرين
وكانت هذه هي عادة العرب عند الجوع أنهم يربطون الحجر على بطونهم، لأن ذلك يقلل من الإحساس بالجوع
ومن المعجزات التى وقعت في ذلك الوقت أن امرأة من الأنصار أرسلت ابنتها الى أبيها وخالها ببعض التمر، فمرت هذه الفتاة بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي تبحث عن أبيها وخالها، فقال لها الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ‏"‏ما هذا معكِ?‏"‏ قلت‏:‏ هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي وخالي يتغدَّيانه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏هاتيه‏" فصبت التمر في كفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقول الفتاة "فما ملأهما‏" ثم جاء الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثوب وألقي عليه التمر، ثم قال لأحد الصحابة عنده:
- اصرخ في الخندق أنْ هَلُمَّ إلى الغداء‏
فاجتمع كل أهل الخندق وجعلوا يأكلون، وجعل التمر يزداد، حتى أكل كل أهل الخندق، تقول الفتاة:
- وانه ليسقط من أطراف الثوب، وهم ثلاثة آلاف

تقول الفتاة: وانه ليسقط من أطراف الثوب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
‏معجزة ثانية للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من المعجزات أيضًا أن "جابر بن عبد الله" رأي الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، فلم يحتمل "جابر" أن يري الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يعاني ذلك الجوع، فاستأذن "جابر" الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يذهب الى بيته، قال: 
- يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ
فاذن له الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهب "جابر" الى زوجته وقال لها:
- رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا لا أصبر عليه، فهل عندك طعام ؟
قالت: 
- عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاق
والعناق هو أنثى الماعز من سن الولادة حتى العام، فقاما فذبحا الشاة وطحنا الشعير، ووضعوا اللحم في البرمة، حتى قرب أن ينضج، ذهب الى الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعاه الى الطعام، وهذا الطعام يكفي خمسة أشخاص فقال جابر: 
- أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَان
فقال له الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 
- كَمْ هُوَ
فذكر له، فقال له الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 
- كثير طيب
ثم قال له الرَسُولِ - الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصحابة:
- قوموا 
فقام الجيش كله، وارتبك جابر، وذهب الى امرأته مسرعًا وقال لها: 
- وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
فقالت المراة لزوجها: 
- هل سألك، وأعلمته أن الطعام لا يكفي الا رجل أو رجلين؟ 
فقال جابر: 
- نعم ! 
فقالت زوجة جابر: 
- الله ورسوله أعلم 
ثم قال: الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصحابة: 
- ادخلوا ولا تطاغطوا 
أي ولا تزاحموا، فجعل النبي الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكسر من الخبز، ويضع عليه اللحم ويدفعه الى أصحابه، حتى أكل الجيش كله وشبع الجيش كله، وبقي الطعام أكثر مما كان، فقال الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزوجة جابر: 
- كُلِي هَذَا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ

ذهب "جابر" الى الرَسُولِ ودعاه الى الطعام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اكتمال حفر الخندق
استمر العمل في الخندق اسبوعين كاملين، حتى اكتمل الحفر قبل أن تصل جيوش العدو الى المدينة، وكان طول الخندق حوالى 6.50 كيلو متر، ويمتد –كما ذكرنا- من الحرة الشرقية "واقم" الى الحرة الغربية "الوبرة" وهو بذلك يحمي شمال المدينة، وعرض الخندق حوالى 8 مترات، فلا تستطيع فرسان العدو عبوره بالقفز، وعمق الخندق 4 مترات فلا يستطيع أحد اذا سقط فيه أن يخرج منه، وبلغت المخلفات ثلاثمائة ألف متر مكعب، وجعل المسلمون مخلفات الحفر ناحية المدينة فشكلت ساترًا يمكن للمسلمين الإختباء خلفه ورمي جنود العدو بالسهام اذا حاولوا العبور أو حتى الإقتراب من الخندق
وتوزع المسلمون أمام الخندق ليمنعوا المشركين من أي محاولة للتخطي وعبور الخندق، أو أي محاولة لردم جزء من الخندق، ومن ثم العبور عليه والوصول الى المدينة

مواصفات الخندق بعد الحفر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وصول الأحزاب وثبات الصحابة
وصلت الأحزاب الى المدينة ففوجئت بالخندق، وكان –كما ذكرنا- أمر لم تعرفه العرب من قبل، ووقف "أبو سفيان بن حرب" سيد قريش وقال 
- هذه حيلة لم تعرفها العرب
وشاهد المسلمون هذا الجيش الضخم، وهو عدد لم تشهده الجزيرة العربية من قبل
ولكن عندما شاهد الصحابة هذا العدد الكبير الضخم، قالوا:
- هذا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ 
يقول تعالى ((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
بينما تزعزت قلوب المنافقين لرؤية هذا العدد الضخم، يقول تعالى ((‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا))
وتمركز المسلمون خلف الخندق، وكانت مقر قيادة الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند  جبل "سَلْع" وأمر الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تكون النساء والأطفال داخل الحصون، بحيث اذا حدث اقتحام للخندق، ووقعت حرب شوارع تكون النساء والأطفال داخل الحصون

 

قال "أبو سفيان بن حرب" هذه حيلة لم تعرفها العرب
 
ما الذي حدث بعد ذلك
هذا سيكون حديثنا في الفصل القادم ان شاء الله تعالى

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************