Untitled Document

عدد المشاهدات : 3201

الفصل الحادي والخمسون بعد المائة: غزوة الأحزاب- الجزء الخامس- حيلة "نعيم بن مسعود"

  أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الحادي عشر: غزوة الأحزاب

الفصل الحادي والخمسون بعد المائة

*********************************

غزوة الأحزاب- الجزء الخامس

حيلة "نعيم بن مسعود"

 *********************************

 

*********************************

حديث القرآن عن وضع المسلمون الحربي في ذلك الوقت

انتهينا في الفصل السابق حين غدرت "بنى قريظة" بالمسلمين، ونقضت العهد الذي كان بينها وبين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن هناك اتفاق ومعاهدة بين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين اليهود وُقَّعَت بعد الهجرة، على أن يشتركوا في الدفاع عن المدينة اذا تعرضت للغزو، ولكن يهود "بنى قريظة" نقضوا ذلك العهد وانضموا في الحرب مع الأحزاب ضد المسلمين

وكان ذلك تحول خطير جدًا في المعركة لصالح الأحزاب، لأن "بنى قريظة" موجودون داخل المدينة، ويتحكمون في مدخل المدينة من الجنوب

وتحدث القرآن العظيم عن وضع المسلمين الحربي في ذلك الوقت، فقال تعالى في سورة الأحزاب ((إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) أي من ناحية الشمال وهي الأحزاب أمام الخندق، "وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ" أي من ناحية الجنوب وهم يهود "بنى قريظة"

ثم تحدث الله تعالى عن حال أهل المدينة فيقول ((وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً))

وطالما وصل المسلمون الى مرحلة الزلزلة، وهي المرحة التى لا يثبت فيها الا المؤمن الصادق الإيمان، أما المنافق فلابد أن يقع، اذا وصل المسلمون لهذه المرحلة فلابد أن يأتي بعدها النصر باذن الله تعالى، يقول تعالى في سورة البقرة ((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))

 ووصف الله تعالى حال المنافقين في المدينة في ذلك الوقت فقال ((وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)) كان المنافقون يقولون:

-         كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط

وبدأ المنافقون في التسرب من الصف، يقول تعالى ((وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا )) هكذا بدأت تنقية صفوف المسلمين من شوائب المنافقين، وكانت هذه ودائمًا هي حكمة الله تعالى في الابتلاءات والفتن

 

اسلام "نعيم بن مسعود"

في ذلك الموقف العصيب جدًا، والذي يعتبر من أحرج لحظات الدولة الإسلامية، والدعوة الاسلامية، حدث أمر غير متوقع على الإطلاق، وهو اسلام "نعيم بن مسعود" وهو أمر غير متوقع في ذلك الوقت بالتحديد، لأن "نعيم بن مسعود" من قبيلة "غطفان" وهي أحد القبائل المحاصرة للمدينة، فكيف يمكن لرجل من الجيش المُحَاصِر القوي أن يترك هذا الجيش المُحَاصِر القوي وينضم الى الجيش الأضعف المُحَاصَر المهدد بالفناء في أي لحظة

ولكن أسلم "نعيم بن مسعود" ليكون له دور كبير جدًا في رفع الحصار عن المسلمين، ولو كان قد أسلم قبل ذلك لما كان له هذا الدور المحوري والهام جدًا في غزوة الأحزاب

جاء نعيم بن مسعود الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له:

-        يا رسول الله! إني قد أسلمت، وإن قومي غطفان لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت

فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

-        انما أنت رجل واحد -أي أن انضمامك الى الجيش لن يكون فيه فارق كبير لأنك شخص واحد- فخذّل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة

أعطي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنعيم بن مسعود أول الخيط، وفتح له الباب الى الإبداع، و الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يعلم أن "نعيم بن مسعود" عنده هذه القدرة الخاصة، وقد حاول "أبو سفيان بن حرب" أن يستخدم "نعيم بن مسعود" في تخويف المسلمين في غزوة بدر الآخرة، وفشل "نعيم" في تخويف المسلمين

وبالفعل يقوم "نعيم بن مسعود" بخدعة عجيبة لم تخطر على بال أحد من الصحابة، ولا حتى بال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

 

يا رسول الله! إني قد أسلمت، فمرني بما شئت

خدعة "نعيم بن مسعود"

ذهب "نعيم بن مسعود" الى يهود "بنى قريظة" وكان قبل ذلك الوقت معروفًا لديهم وكثير التردد عليهم، فقال لهم:

 
   

-        قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم

قالوا:

-        صدقت

قال:

-          فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم

-        وما العمل يا نعيم ؟!

-        لا تقاتلوا معهم حتى يُعطوكم رهائن

-        لقد أشرت بالرأي

ثم ذهب نعيم إلى قريش وقال لهم:

-        تعلمون ودي لكم ونُصحي لكم

-        نعم

-        إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم

ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم ما قاله لقريش. وهكذا شعرت قريش بالقلق، وكذلك غطفان، فأرسلوا رسالةً الى اليهود وقالوا:

-        إنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع والخف -أي: الماشية والإبل التي معهم- فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً

ثم قالوا:

-        إنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن

فقالت قريش وغطفان:

-        صدقكم والله نعيم

فبعثوا إلى اليهود وقالوا:

-        إنا لا نُرسل إليكم أحداً فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدًا

فقال اليهود:

-        صدقكم والله نعيم

فدبت الفرقة بين الفريقين، وهكذا استطاع "نعيم بن مسعود" بحيلته أن يقضى على هذا التحالف الخطير الذي كان بين الأحزاب وبين يهود "بنى قريظة" والذي كان قد رجح كثيرًا كفة الأحزاب، والذي جعل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاد أن يصالح غطفان على العودة مقابل ثلث ثمار المدينة، وما لهذا الصلح المهين للمسلمين من تداعيات سلبية جدًا على المسلمين في المستقبل

 

قال "نعيم" لليهود لا تقاتلوا معهم حتى يُعطوكم رهائ