Untitled Document

عدد المشاهدات : 7018

الفصل الثالث والخمسون بعد المائة: بَنِي قُرَيْظَةَ
أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  
الجُزْءُ الثاني عشر: ما بين الأحزاب الى الحديبية
الفصل الثالث والخمسون بعد المائة
*********************************
"بَنِي قُرَيْظَةَ"
*********************************

*********************************
جبريل يأمر الرسول بقتال "بَنِي قُرَيْظَةَ"
تحدثنا في الجزء السابق عن غزوة الأحزاب، وقلنا أن يهود "بنى قريظة" قاموا بنقض بنود المعاهدة التى كانت بينهم وبين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتى وضعها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الهجرة، والتى كانت تنص على أن يشترك اليهود مع المسلمين في الدفاع على المدينة اذا تعرضت لغزو خارجي، ولكن يهود "بنى قريظة" نقضوا هذا العهد، وبدلًا من أن يشتركوا مع المسلمين في الدفاع عن المدينة، قاموا بالإنضمام الى الإحزاب ضد المسلمين، وهو التصرف الذي رجح كثيرًا كفة الأحزاب في مواجهة المسلمين  
ثم انسحب الأحزاب، وشاهد المسلمون جيوش الأحزاب وهي تنسحب، وقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمته الشهيرة "الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ"
كان انسحاب الأحزاب في الصباح، واستمر الإنسحاب حتى ظهر ذلك اليوم، فصلى المسلمون الظهر وانصرفوا لبيوتهم ليرتاحوا، بعد قرابة الشهر من المكافحة، وقبلها حوالى اسبوعين من حفر الخندق، وعاد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووضع السلاح وخلع ملابس الحرب، واراد أن يغتسل، ولكن قبل ذلك جاءه  جبريل –عليه السلام- وقال له:
- قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ ؟
قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 
- نعم
قال جبريل:
- وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ فَاخْرُجْ إِلَيْهِم
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 
- فَإِلَى أَيْن ؟
قال جبريل: 
- هَا هُنَا
وَأَشَارَ جبريل إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ
فلبس الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ملابس الحرب مرة أخري، وأرسل من ينادي في المسلمين:
- لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ

موضع "بَنِي قُرَيْظَةَ" في المدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خروج المسلمون الى "بَنِي قُرَيْظَةَ"
وهكذا خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخرج المسلمون، واستعمل على المدينة "عبد الله بن أم مكتوم" وقد قلنا أنه كان ضريرًا، وهو الذي نزل فيه قول الله تعالى "عبس وتولى أن جاءه الأعمي" الى آخر الآيات، وقد استعمله الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المدينة أربعة عشر مرة، يصلى بالناس ويرعي شئون المدينة، وهكذا أعطي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واحد من ذوي الحاجات الخاصة أعلى منصب في المدينة
وقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "على بن أبي طالب" برايته، فوصل "على" الى "بنى قريظة" قبل أن يصل جيش المسلمين، وغرس الراية في أصل الحصن، وسمع اليهود وهم يسبون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرد عليهم وانما قال "السيف بيننا وبينكم"
 

حصن بنى قريظة بالمدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ
اتجه المسلمون الى "بنى قريظة" وكانت المسافة من المسجد النبوي الى "بنى قريظة" حوالى عشرة كيلو مترات، وأدركت البعض صلاة العصر في الطريق، ولكنهم لم يصلوا لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" وكادت الشمس أن تغيب وتفوت هؤلاء صلاة العصر في وقتها، فاختلف الصحابة في الأمر، هل يصلون العصر قبل أن يخرج وقتها أم يأخرونها عن وقتها حتى يصلون الى "بنى قريظة" 
فصلى البعض العصر وقالوا أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يقصد النهي عن صلاة العصر الا في "بنى قريظة" وانما كان يقصد أن يسرع الصحابة بالخروج الى "بنى قريظة" 
بينما لم يصلِ البعض الآخر العصر، وتمسك بأوامر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمسكًا حرفيًا، وفاتته صلاة العصر في وقتها
فلما أخبروا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقر الفريق الأول على صلاته العصر في وقتها، واقر الفريق الآخر الذي فاتته صلاة العصر 
وهذا الموقف هام جدًا، لأنه أولًا يشجع على الاجتهاد، وأيضًا ليبين لنا أنه ربما يكون فريقين أو رأيين مختلفين وكلا الرأيين صحيح، وليس شرطًا أن يكون أحد الفريقين على صواب والآخر على خطأ

اتجه المسلمون الى "بَنِي قُرَيْظَةَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
المسلمون يحاصرون "بَنِي قُرَيْظَةَ"
اجتمع المسلمون عند "بنى قريظة" وفرضوا عليهم الحصار، وأخذوا يرمونهم بالسهام
وتحدث "كعب بن أسد" زعيم "بنى النضير" الى قومه ودعاهم الى الدخول في الإسلام، وقال لهم: 
- لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم، وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني إسرائيل، فادخلوا في الإسلام تأمنون على دمائكم وأموالكم ونسائكم وأبنائكم
ولكن رفض كل يهود "بنى النضير" الدخول في الإسلام

لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"بَنِي قُرَيْظَةَ" يعرضون الاستسلام والخروج من المدينة
وأرسل يهود "بنى قريظة" أحد رجالهم واسمه "نباش بن قيس" لمفاوضة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- يا محمد ننزل على ما نزلت عليه بنو النضير، نخرج بالنساء والأبناء، ولنا ما حملت الإبل الا السلاح 
فرفض الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال الرجل:
- فنخرج ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل
فرفض –كذلك- الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: 
- لا. إلا أن تنزلوا على حكمي.
ومعنى تنزلوا على حكمي، أي أن تستسلموا بلا أي قيد أو شرط

غزوة بنى قريظة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سقطة "أبو لبابة"
وطلب "بنى قريظة" من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسل اليهم أحد الصحابة وهو "أبو لبابة" حتى يستشيروه، لأنه كان أقرب الصحابة اليهم، لأنه كانت له معهم صلات نسب وعلاقات تجارية
فوافق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأرسله اليهم، فلما رأوه قام اليه الرجال، وبكي النساء والصبيان في وجهه، فرق لهم "أبو لبابة" ثم قالوا له:
- يا أبا لبابة أتري أن ننزل على حكم محمد ؟
فأشار لهم "أبو لبابة" الى حلقه بالذبح، يعنى أن هذا الحكم هو أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيقتلهم 
فكأن "ابي لبابة" يقول لهم ألا يستسلموا، وألا ينزلوا على حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن هذا الإستسلام وهذا النزول على حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعنى القتل
ولذلك كانت هذه الإشارة من "أبي لبابة" سقطة كبيرة وخطأ عظيم من "أبي لبابة"، ويعتبر أنه أفشي سرًا عسكريًا في غاية الخطورة 

يا أبا لبابة أتري أن ننزل على حكم محمد ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
توبة أبي لبابة
ولذلك ما ان أشار "أبي لبابة" الى حلقه حتى أدرك خطورة هذه الإشارة، وأدرك أنه خان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنزل من عند "بنى قريظة" مسرعًا وهو يبكي، ولم يذهب الى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل ذهب الى المسجد النبوي، وربط نفسه في أحد أعمدة المسجد بسلسلة ثقيلة، وقال:
- والله لاأحُلُّ نفسي منها، ولا أذوق طعاماً ولاشراباً حتى يتوب الله عليّ أو أموت. 
وهذه الإسطوانة التى ربط فيها "أبو لبابة" نفسه، يطلق عليها الآن اسطوانة "التوبة" ويطلق عليها اسطوانة "أبو لبابة" وهي موجودة  في الروضة الشريفة، ومكتوب على رأسها اسطوانة "أبو لبابة"
وبلغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما صنع "أبو لبابة" فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- أما لو جاءني لاستغفرت له، وأما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه.
ونزل في أمر "أبو لبابة" قول الله تعالى في سورة الأنفال ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) 
وكانت زوجته أو ابنته تَحُلُّه إذا أراد الصلاة أو قضاء الحاجة، فإذا فرغ أعادته إلى الرباط، ومكث على هذه الحالة سبعة أيام، لايذوق طعاماً ولاشراباً حتى خرّ مغشياً عليه، ثم نزلت توبته في القرآن العظيم في سورة التوبة بقوله تعالى ((وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) فلما أخبروا "أبو لبابة" قال:
- والله لاأَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي يَحُلُّني
فجاءه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحله بيده


اسطوانة أبو لبابة في الروضة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
شفاعة "الأوس" لبنى قريظة واختيار "سعد بن معاذ" للحكم عليهم
واستمر حصار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبنى قريظة خمسة وعشرين يومًا، حتى استسلم "بنو قريظة" على أن ينزلوا على حكم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي استسلام بلا قيد ولا شرط، فأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيدوا، وجعل المقاتلين في ناحية، والنساء والأطفال في ناحية أخري
وكان "بنو قريظة" حلفاء للأوس في الجاهلية، فتجمع الأوس حول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخذوا يلحون عليه في أن يهب لهم "بنو قريظة" أي أن يعطيهم حق الحكم عليهم، كما فعل مع "بنى قينقاع" وهم حلفاء الخزرج ، عندما وهبهم للخزرج ولعبد الله بن أبي بن سلول في السنة الثانية من الهجرة، وقالوا:
- يا رسول الله، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم.
فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- ألاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ‏؟
‏ قالوا‏: 
- بلى.
‏ قال‏
- فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
‏ قالوا‏:‏ 
- قد رضينا.

غزوة "بَنِي قُرَيْظَةَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حكم "سعد بن معاذ" على "بَنِي قُرَيْظَةَ"
فأرسل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلب "سعد بن معاذ" وكان "سعد بن معاذ" لا يزال في المدينة، لأنه كان قد أصيب في الأحزاب في وريده، فلما أصيب دعا الله تعالى وقال 
- اللهم إنك تَعلَمُ أنه ليس أحدٌ أحبَّ إليَّ أن أُجاهِدَهم فيك، من قومٍ كذَّبوا رسولَك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأخرَجوه، اللهم فإني أظنُّ أنك قد وضَعْتَ الحربَ بيننا وبينهم، فإن كان بَفيَ من حربِ قريشٍ شيء فأبْقِني له، حتى أجاهِدَهم فيك، وإنْ كنتَ وضعتَ الحربَ فافْجُرْها واجعل موتي فيها، واللَّهمَّ لا تُمِتْني حتَّى تُقِرَّ عيني مِن قُرَيظةَ

كان سعد قد أصيب في الأحزاب في وريده 
جاء "سعد بن معاذ" وهو يعاني من اصابته التى سيموت بسببها بعد ذلك بأيام قليلة، والتف حوله الأوس وأخذوا يقولون:
- يا سعد أحسن في مواليك، فان رسول الله قد حكمك فيهم لتحسن فيهم

يا سعد أحسن في مواليك 
وسعد لا يرد عليهم، فلما أكثروا عليه قال:
- لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم
فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى لهم القوم.
ولما انتهى سعد إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  للصحابة‏: "
- قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ فأنزلوه.
فلما أنزلوه جلس سعد الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : 
- يا سعد إنَّ هؤلاء نزلوا على حُكمِك، فاحكم فيهم
قال‏ سعد:‏ 
- وحكمي نافذ عليهم‏؟‏
قالوا‏:‏ 
- نعم.
قال‏:‏ 
- وعلى المسلمين‏؟‏
قالوا‏:‏ 
- نعم.
قال‏:‏ 
- وعلى من هاهنا‏؟‏ 
وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجلالاً له وتعظيمًا‏.
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏:‏
- نَعَمْ، وَعَلَيَّ.
‏ قال سعد‏:‏ 
- إنِّي أحكُمُ فيهم أنْ تُقتَلَ مُقاتِلتُهم وتُسبَى ذراريُّهم وتُقسَمَ أموالُهم
 قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
- لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ

قبر "سعد بن معاذ" بالبقيع
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تنفيذ الحكم بقتل المحاربين من "بَنِي قُرَيْظَةَ"
وعلى الفور بدأ المسلمون بتنفيذ حكم سعدٍ، وهي قتل الرجال المقاتلين، وسبي النساء والأبناء، ومصادرة الأموال
فقتل في هذا اليوم سبعمائة من يهود "بنى قريظة" وقيل أربعمائة، وقتل "حي بن أخطب" زعيم "بنى النضير" والذي كان له الدور الأبرز في تجميع القبائل، وهو والد السيدة "صفية" والتى تزوجها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بعامين
بينما لم يقتل ثلاثة رجال دخلوا في الاسلام، ولم يقتل رجل آخر كان قد رفض أن يشترك مع "بنى قريظة" في غدرهم
وقتلت امرأة واحدة لأنها كانت قد ألقت حجرًا ضخمًا من فوق الحصن فوق على رأس أحد الصحابة فقتله، فقتلت بذلك
وأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا يفرق في السبي بين المرأة وابنها أو ابنتها 
اذن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقتل الا المقاتلين فقط، ولم يقتل الذين أسلموا، ولم يقتل الذين لم يشتركوا في القتال، وتعامل بالرحمة مع السبايا، فلم يبعد طفل أو طفلة عن أمه

مساكن "بنى قريظة" بالمدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رد العلماء على شبهة قتل "بَنِي قُرَيْظَةَ"
وموضوع قتل هذا العدد من "بنى قريظة" هام جدًا، لأنه من أكثر الشبهات التى يستخدمها أعداء الإسلام في الطعن على الإسلام، وهناك مئات الأفلام والكتابات الغربية التى تتناول فقط هذا الموضوع، ويتهمون فيها الإسلام ويتهمون الرسول  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوحشية
وقد رد كثير من العلماء على هذه الشبهة، وقالوا: لو كانت الأحزاب قد انتصرت بمعاونة "بنى قريظة" لكان المسلمون قد تعرضوا لنفس هذه العقوبة، وهي قتل رجالهم، وسبي نسائهم وأبنائهم، وتفريق أموالهم
وقالوا أن هذا الحكم هو نفس الحكم الموجود في التوراة، وهو العهد القديم الذي يقدسه اليهود والنصاري، في سفر التثنية، الإصحاح رقم 20 تقول:
10 حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ،
11 فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ.
12 وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا.
13 وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ.
14 وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
15 هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا.
16 وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرد على شبهة قتل "بَنِي قُرَيْظَةَ"
ونحن نقول:
- أن الجريمة التى ارتكبها يهود "بنى قريظة" كانت بلغة هذا العصر جريمة "خيانة عظمي" فتعريف الخيانة العظمي في القوانين هو: 
عدم الولاء للدولة، والعمل ضد مصالحها، وفي القانون الأمريكي تتم الإدانة بالخيانة العظمى إذا انضم شخص إلى عدو الولايات المتحدة الأمريكية، وعقوبة الخيانة العظمي في أي قانون هو أقصى عقوبة، سواء الإعدام أو السجن مدي الحياة في الدول التى لا تطبق عقوبة الإعدام
- ولو أن أي قاضى في أي دولة في العالم عرضت عليه الآن قضية خيانة بنى قريظة للمسلمين في غزوة الأحزاب، فسيكون حكم هذا القاضي هو نفس حكم "سعد بن معاذ" وهو قتل المقاتلة
- ولو ترك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هؤلاء الرجال المقاتلين لكانوا قد اتجهوا الى خيبر، وعادوا لمحاربة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتأليب القبائل عليه
- ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
استشهاد سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ واهنزاز العرش لموته
هذه هي قصة الأحزاب و"بنى قريظة" وما ان انتهت قصة "بنى قريظة" حتى استجاب الله تعالى لدعوة "سعد بن معاذ" فانفجر جرحه –كما دعا- وسالت منه الدماء حتى خرجت من خارج الخيمة، فلما مات قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏
- اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وعندما حملوا جنازته، كانت خفيفة، فتعجبوا لذلك لأنه كان طويلًا جسيمًا، وذكروا ذلك للرسول ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏
- إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ.‏
مات "سعد بن معاذ" شابًا عمره 36 عامًا، ولم يتجاوز عمره في الاسلام الست سنوات، الا أن أنجازاته في الاسلام يعجز أن يفعله الكثيرون في أعمار طويلة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الذي حدث بعد غزوة الأحزاب، وبعد بنى قريظة
هذا سيكون حديثنا الفصل القادم ان شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************