Untitled Document

عدد المشاهدات : 3179

الفصل الثاني والستون بعد المائة: غزوة بنى لِحْيَانَ

   أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الثاني عشر: الأحداث من "الأحزاب" الى "الحديبية"

الفصل الثاني والستون بعد المائة

*********************************

غزوة بنى لِحْيَانَ

 *********************************

 

 

*********************************

ما زلنا نتناول السرايا والغزوات في السنة السادسة من الهجرة، وهو العام الذي أطلق عليه "عام السرايا" لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام في هذا العام بارسال 16 سرية، وخرج في غزوة واحدة 

ووقعت في بعض هذه السرايا بعض المصادمات، وسقط بعض القتلي والجرحي، بينما لم يقع في بعضها أي مصادمات

وقلنا أن الهدف من هذه السرايا هو تخويف الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد، وبعض هذه السرايا كان موجهًا للقبائل التى اشتركت مع قريش في غزوة الأحزاب، فكانت هذه السرايا عقابًا لهذه القبائل على ذلك وحتى لا يتكرر منهم هذا الأمر مرة أخري

ومن يشاهد خريطة تحركات الجيوش والسرايا بعد غزوة الأحزاب يدرك بجلاء أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان على دراية تامة بجغرافية وظروف الجزيرة العربية، فقد كانت هذه الغزوات والسرايا متنوعة في كل الاتجاهات في صورة شبكة منظمة رائعة، طرقت تقريباً كل دروب الجزيرة العربية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وكان شعار هذه المرحلة هو العبارة التى قالها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد غزوة الأحزاب: (الآن نغزوهم ولا يغزونا).

وتناولنا ستة سرايا، ونستكمل حديثنا فنتحدث في هذا الفصل عن غزوة "بنى لِحْيَانَ" والتى وقعت في شهر "جمادي الأول" وهو الشهر الخامس من السنة السادسة من الهجرة، فمن هي "بنى لِحْيَانَ" ؟ ولماذا خرج الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه لحرب "بنى لِحْيَانَ"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

من هي "بنى لِحْيَانَ" ؟ ولماذا خرج الرَسُولُ بنفسه لحربهم ؟

"بنى لِحْيَانَ" هي أحد بطون قبيلة "هذيل" وهي من القبائل الكبيرة في الجزيرة، والتى كانت تسكن الحجاز في غرب الجزيرة العربية

وقد قلنا من قبل أن فارس من "بنى لِحْيَانَ" وهو "خالد بن سفيان الهذلي" بدأ يكون جيش لغزو المدينة، فأرسل اليه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عبد الله بن أنيس" فقتله

وأرادت "بنى لِحْيَانَ" الإنتقام لمقتل فارسهم القوي فقاموا في السنة الرابعة من الهجرة بالإتفاق مع قبيلتى "عَضَل"ٌ و"َالْقَارَةُ" أن يعطوا لهم مبلغًا من المال مقابل أن يقدموا على الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة، ويظهروا الإسلام، ويطلبون من الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسل معهم من يفقههم في الدين، ثم يأسروهم ويسلموهم اليهم

وقد اختارت "بنى لِحْيَانَ" "عضل" و"القارة" لأنهما من القبائل المتحالفة مع المسلمين، ولذلك فلن يشك الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أنهما يضمران له الغدر

واستجاب لهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالفعل، وأرسل معهم عشرة من الصحابة، وفي الطريق وعندما أصبحوا قريبًا من قبيلة "بنى لِحْيَانَ" وعند بئر يقال له "الرجيع" خرج اليهم قريب من مائتي مقاتل من "بنى لِحْيَانَ" وأحاطوا بهم وقتلوا ثمانية وأسروا اثنين باعوهم الى أهل مكة، فقتلوهم هناك بعد أن قاموا بتعذيبهم 

وقد عرفت هذه الحادثة المفجعة بمأساة الرجيع؛ نسبة إلى بئر الرجيع الذي وقعت عنده، وقد حزن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حزنًا شديدًا لما أصاب أصحابه العشرة، وهم من خيرة أصحابه، وحزن المسلمون لذلك

ومع ذلك لم يقم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الوقت بالإنتقام من "بنى لِحْيَانَ" لأن ديار "بنى لِحْيَانَ" قريبة من مكة - حوالى 90 كم من مكة - ولذلك فان الخروج اليها فيه خطر شديد، ولأن "بنى لِحْيَانَ" من القبائل القوية المقاتلة

ولكن بعد الأحزاب تغير الوضع، وأصبح المسلمون هم القوة الأقليلمة الأولى في الجزيرة، فقرر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يثأر لأصحابه ويقتص من قتلتهم، وقرر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخرج بنفسه في هذه الغزوة، ولا يرسل اليها أحد من أصحابه، أولًا لخطورة الغزوة، وتقديرًا لأصحابه الذين قتلوا غدرًا في مأساة الرجيع

  ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

خروج المسلمون وفرار "بنى لِحْيَانَ"

خرج الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهر "جمادي الأول" من السنة السادسة من الهجرة، في مائتين من أصحابه الى "بنى لِحْيَانَ" وهي تبعد عن المدينة حوالى 350 كم 

وكما هي عادة النبي صلى الله عليه وسلم في تضليل العدو الذي يريد مهاجمته أعلن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يريد الإغارة الى الشام، وبالفعل اتجه بجيشه نحو الشمال، بينما "بنى لِحْيَانَ"في أقصى الجنوب، وسار الجيش نحو الشمال نحو 30 كم، حتى وصل الى مكان اسمه "البتراء" ثم اتجه الى ناحية الغرب، ثم اتجه سريعُا الى الجنوب في اتجاه "بنى لِحْيَانَ"

ولكن بالرغم من كل هذه الحركات التمويهية الرائعة، وصلت الأخبار الى "بنى لِحْيَانَ" أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجه اليهم، لأن "بنى لِحْيَانَ" من القبائل المعروفة بقطع الطرق، ولذلك فلهم عدة كمائن في أنحاء الجزيرة، فلما وصلت الأخبار الى "بنى لِحْيَانَ" تركوا ديارهم مسرعين وهربوا الى رؤوس الجبال

ووصل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجيشه وعسكر في ديارهم، ثم بث السرايا من رجاله ليتعقبوا هؤلاء الغادرين، واستمرت السرايا النبوية في البحث والمطاردة يومين كاملين إلا أنها لم تجد أي أثر لهذه القبائل التي تمنعت في رؤوس تلك الجبال الشاهقة


غزوة "بنى لِحْيَانَ"

  ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

اقتراب المسلمون من مكة

وكان بقاء الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في أرض "بنى لِحْيَانَ" مدة يومين كاملين من أقوى دلالات الانتصار عند العرب، لأن من ينتصر عند العرب لا ينبغي له أن يخرج سريعاً من مكان القتال وكأنه يخشى القوم، بل يظل في أرض المعركة فترة من الوقت

ثم تحرك الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اتجاه مكة حتى وصل الى وادي "عسفان" وعسكر هناك، ثم أرسل "أبو بكر" الصديق ومعه عشرة فوارس الى اتجاه مكة، حتى وصل الى مكان اسمه "كراع الغميم" وهو مكان قريب جدًا من مكة، ولا يبعد عنها أكثر من 60 كم ووصلت الأخبار الى قريش واعتقدوا أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد مهاجمة مكة فانتابهم الرعب والفزع، ونفروا الى السلاح

كل ذلك كان بهدف ارهاب الأعداء وتحديهم، وليظهر مدي قوة المسلمين وثقتهم بأنفسهم، وقدرهم على الحركة حتى الى قلب ديار العدو متى شاءوا


أرسل الرسول عشرة فوارس الى اتجاه مكة

  ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

عودة الرسول الى المدينة والمرور على موضع شهداء الرجيع

تحرك الجيش بعد ذلك عائدًا الى المدينة، وفي الطريق مر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المكان الذي لقي فيه الشهداء من أصحابه مصرعهم على أيدي الخونة من "بنى لِحْيَانَ" فترحم عليهم ودعا لهم ثم عاد الى المدينة

وكان لهذه الغزوة أثر عظيم في الجزيرة العربية لأن "بنى لِحْيَانَ" التى فرت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت من القبائل المقاتلة القوية جدًا

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************