أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الثالث عشر: صلح "الحديبية"
الفصل السابع والسبعون بعد المائة
*********************************
الحديبية- الجزء الثالث
المفاوضات ومحاولة افشالها
*********************************
*********************************
ناقة الرسول ترفض التحرك وتبرك في مكانها
وصل المسلمون الى بئر الحديبية وهو يبعد عن مكة حوالى 25 كيلومتر، وهناك حدث شيء مفاجئة للجميع فقد بركت ناقة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفضت التحرك، وحاول الصحابة أن يدفعونها ولكنها رفضت التحرك
وقال الصحابة:
- خلأت القصواء
فقال لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- مَا خلأت الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ
ثم قال:
- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلُونِي خِطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا.
معنى ذلك أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستعد لقبول حلول أخري غير أن يدخل المسلمون مكة ويؤدون عمرتهم، لأن عدم تحرك الناقة -وهو أمر ليس من طبيعتها- فيه اشارة من الله تعالى الى عدم الدخول في قتال مع أهل مكة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان لحكمة عند الله تعالى، وسيخبر المسلمين عنها بعد ذلك في سورة الفتح
بركت ناقة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفضت التحرك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في ذلك الوقت كانت قريش في قمة ارتباكها، لا تعرف ما الذي تصنعه، لا هي قادرة على قتال المسلمين، ولا هي قابلة لدخول المسلمين الى مكة، وأسرعت في استدعاء زعماء القبائل المحيطة بمكة، فكان ممن جاء اليهم سريعًا:
- بديل بن ورقاء، سيد خزاعة
- عروة بن مسعود الثقفي، سيد الطائف
- حليس بن علقمة، قائد الأحابيش
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
معجزة الرسول عند بئر الحديبية
وفي ذلك المكان شكا المسلمون الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العطش لأنهم لم يحملوا معهم من المياه الا ما يكفيهم حتى الوصول الى مكة، وماء بئر الحديبية قليل لا يكفي كل هذا العدد
فدعا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بماء وتوضأ به، ثم صب الماء في البئر، فكثر الماء في البئر جدًا، وظلوا يشربون وتشرب ابلهم حتى تركوا الحديبية ورحلوا، وقد ظلوا في الحديبية شهرًا كاملًا كما سنري
بئر الحديبية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول يرسل أحد الصحابة إلى قريش
أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد الصحابة وهو "خِراش بن أمية” إلى قريش، ليخبر قريشًا أنه جاء معتمرًا ولم يأت للحرب، ولكن ما ان دخل مكة حتى اعترضته قريش وعقروا الناقة التى كان يركبها وكادوا يفتكون به، لولًا أنه منعه الأحابيش، فعاد الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخبره بما حدث
اعترضت قريش "خِراش بن أمية” ومنعته من دخول مكة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الجولة الأولى من المفاوضات: "بديل بن ورقاء" سيد خزاعة
ظل المسلمون في مكانهم، وأرسلت قريش "بديل بن ورقاء" وهو سيد "خزاعة" وليس من قريش، وهي لم ترسل أحد من زعماء قريش حتى لا تظهر بمظهر الساعي الى الصلح الخائف من المواجهة، واختارت سيد خزاعة، لأن قبيلة "خزاعة" كانت حليفة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جاء "بديل بن ورقاء" ومعه نفر من "خزاعة" وكان أول ما قاله "بديل بن ورقاء" أنه حاول تخويف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين، فقال:
- إني تركت كعب ابن لؤي، وعامر بن لؤي، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العُوذ المطَافِيل، وهم مقاتلوك وصادَوك عن البيت.
كعب ابن لؤي، وعامر بن لؤي، يقصد بهما كل قبيلة "كنانة" و"العُوذ المطَافِيل" يعنى الأبناء والأولاد
فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا ، وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره
أول شيء تلاحظه في رد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن كلام "بديل بن ورقاء" لم يستفزه، وانما رد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنتهي الرزانة والثقة بالنفس وقال "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين"
ثم قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم" يعنى ما تقوله غير صحيح، وأن قريش منهكة ومهزومة ولا تستطيع أن تحارب المسلمين، وقد عادت من الأحزاب فاشلة، وقد خرج المسلمون في العام السادس بعد الهجرة في 17 سرية، واقترب من مكة، ولم تحرك مكة جيشًا واحدًا
ثم يدخل في الموضوع مباشرة، ويعرض على قريش ثلاثة أمور:
العرض الأول "إن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس" أي تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش مدة من الزمن، لا يمنعون فيها أحد أو يرهبونه أو يضغطون عليه في عدم دخوله الاسلام، وكان هذا هو الذي يسعي اليها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
العرض الثاني: "وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا" فالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرض عليهم الاسلام للمرة المائة، حتى يذكرهم أنه نبي
العرض الثالث والأخير: "وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره" و"سالفتي" يعنى رقبتي
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الكلام فلم يجادله "بديل" وانما أفحم وسكت، وقال:
- سأبلغهم ما تقول
عاد "بديل بن ورقاء" الى قريش وحدثهم بما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن ظلت قريش في ارتباكها ولم تستطع أن تصل الى أي قرار
خريطة صلح الحديبية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الجولة الأولى من المفاوضات: "عروة بن مسعود الثقفي" سيد الطائف
أرسلت قريش بعد ذلك "عروة بن مسعود الثقفي" وهو سيد الطائف، وهو الذي نزل فيه قول الله تعالى ((لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)) قالها "الوليد بن المغيرة" قال: لو كان ما يقول محمدًا حقا أنزل هذا القرآن علىَّ أو على "عروة بن مسعود" والقريتين هما: مكة والطائف
وقد أسلم "عروة بن مسعود" وله قصة استشهاد رائعة، وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول أنه يشبه المسيح –عليه السلام-
المهم أرسلت قريش "عروة بن مسعود" ولم ترسل أحد من زعماء قريش –مرة أخري- حتى لا تظهر بمظهر الساعي الى الصلح الخائف من المواجهة، واختارت "عروة" لأنه شخصية معروفة وله مكانته الكبيرة في الجزيرة كلها
أقبل "عروة بن مسعود" حتى أناخ راحلته عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أقبل على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له:
- أى محمد؛ لقد تركت قريش وقد جمعوا لك، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: أن تجتاح قومك، ولم نسمع برجلٍ اجتاح أصله قبلك؛ أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم.
فغضب أبو بكر الصديق وقال له:
- امصص بظر اللات! أنحن نخذله؟
كان رد "أبو بكر" قاسيًا، بالرغم ما عرف عن أبي بكر بالأدب والرفق واللين، ولم ينكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على "أبي بكر" ما قاله، لأن بعض المواقف لا تحل باللين ولابد لها من العنف، وقد وصف الله تعالى الصحابة فقال ((أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ))
صدم "عروة" من رد "أبي بكر" ووصلت له الرسالة واضحة تمامًا أن الصحابة مستعدون بالتضحية بحياتهم في سبيل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وقال عروة أبي بكر:
- أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك!
وكان "عروة بن مسعود" قد استعان في حمل ديةٍ، فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث وأعانه أبو بكر بعشر فرائض، فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة بن مسعود
عاد "عروة" يكلم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرد عليه، وكان كلما تحدث مع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمس لحية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان "عروة بن مسعود" هو عم والد "المغيرة بن شعبة" واقفًا الى جانب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلما مد "عروة" يده ليمس لحية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضربه "المغيرة بن شعبة" بجراب السيف على يده ويقول:
- اكفف يدك عن مس لحية رسول الله قبل ألا تصل إليك!
وكان "المغيرة بن شعبة" لابسًا المغفر فلم يعرفه "عروة بن مسعود" فلما أكثر "المغيرة" من ضربه ليد "عروة" غضب "عروة" وقال:
- ليت شعري من أنت يا محمد من هذا الذي أرى من بين أصحابك؟
فقال رسول الله :
- هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة
الجولة الأولى من المفاوضات كانت مع "عروة بن مسعود الثقفي" سيد الطائف
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مظاهر حب الصحابة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وجعل "عروة" يراقب الصحابة، وكان هذا أحد أهداف قدومه على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستكشف مدي تماسك المسلمين، فوجد أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما حضرت الصلاة وأحضروا له الماء ليتوضأ، أخذ الصحابة يقتتلون على وضوئه
وعاد "عروة" الى المشركين مرعوب، وقال لهم: أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك ؛ وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله ما أمر أمرًا الى ابتدروا الى أمره، واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون البصر في وجهه تعظيمًا له، واذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه، ولا يبصق بصقة الا وقعت في كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده"
واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم؛ فوالله لقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً
جعل "عروة" يراقب الصحابة، وكان هذا أحد أهداف قدومه على الرسول
أن يستكشف مدي تماسك المسلمين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الجولة الثالثة من المفاوضات: "الحليس بن علقمة" سيد الأحابيش
ارسلت قريش الرسول الثالث وهو "الحليس بن علقمة" سيد الأحابيش، فلما رآه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقبلًا قال:
- هذا من قوم يعظمون البدن
يعنى "الحليس بن علقمة" من قبيلة "بنى الحارث بن عبد مناف" وهم قوم متدينون يحترمون من جاء لأداء العمرة
فأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسلوا البدن في وجهه، واستقبله الصحابة وهم يلبون، فلما رأي "الحليس" هذا قال:
- سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت.
وهكذا كسب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجولة الثالثة من المفاوضات حتى قبل أن تبدأ، وعاد "الحليس" الى قريش، وقال لهم:
- إني رأيت ما لا يحلُّ منعه، وما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت.
فقالوا له:
- اجلس فإنما أنت أعرابي ولا علم لك
فغضب الحليس وقال:
- يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، يُصدّ عن بيت الله الحرام من جاءه معظِّماً؟ والذي نفس الحُلَيْس بيده لتخلَّون بين محمدٍ وما جاء به أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجلٍ واحد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
محاولة البعض افشال المفاوضات
استمر المسلمون في الحديبية، وبدأ الإتجاه في قريش يتجه الى قبول الصلح مع المسلمين، وكانت هناك معارضة لهذا الإتجاه من بعض شباب قريش المتحمس أو المتهور، هذا الشباب قد نشئوا على كراهية الإسلام وكراهية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الاسلام عندما جاء كانت أعمارهم خمسة وستة سنوات، فهؤلاء قد "رضعوا" كراهية الاسلام وكراهية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد مات لكثير منهم آبائهم وأقاربهم في مواجهات مع المسلمين، مثل "عكرمة بن أبي جهل" الذي مات أبوه في "بدر" وغيره الكثير، ولذلك فهم لا يتصورون عقد صلح مع المسلمين، والسماح لهم بالدعوة في الجزيرة
وحاول مجموعة من هذا الشباب قطع أي طريق للصلح، فتسلل خمسون من هؤلاء الشباب الى معسكر المسلمين بغرض قتل بعضهم، ومن ثم يكون ذلك هو الشرارة التى تشعل الحرب بين الفريقين
وكان المسلمون قد وضعوا حراسة قوية على مدار الساعة بقيادة "محمد بن مسلمة" وقد نجحت هذه الحراسة في القبض على كل هذه المجموعة، وجائوا بهم الى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم مقيدون
ولا شك أن عملية القبض على هؤلاء الشباب كانت صعبة جدًا، لأن عددهم كبير، وهم مسلحون، ولأن القبض عليهم تم دون اراقة دماء من كلا الجانبين
واختار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطلق سراح هؤلاء الخمسين دون حتى أن يطلب فيهم فداء، حتى يفسد عليهم مخططهم في افساد جهود المصالحة
وبذلك جعل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الحادثة أمر في صالحه، أكد به أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال، وأن طلبه الهدنة جاء من مركز القوي وليس الضعيف
وقد ذكر تعالى هذا الموقف في سورة الفتح، فقال تعالى ((وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا))
"وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ" فلم ينجحوا في قتل أحد، وفشل مخططهم
"وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ" فلم تقتلوهم "بِبَطْنِ مَكَّةَ" أي في الحديبية، لأن كما قلنا "الحديبية" قريبة جدًا من مكة، وهي الآن ضاحية من ضواحي مكة "مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ" بعد أن وقعوا في الأسر، وكان ذلك من توفيق الله تعالى
وكان أسر هؤلاء الخمسين من شباب قريش، ثم اطلاق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسراحهم من أحد أسباب الصلح
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في ذلك الوقت فكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسل أحد الصحابة الى قريش، بالرغم من أن قريش أرسلت ثلاثة، وقد نقل لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يريد، ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يكون الكلام موجهًا مباشرة من المسلمين الى قريش، لأن الوسيط قد لا ينقل الصورة كما هي، أو كما يريد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نتحدث في الحلقة القادمة عن ارسال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عثمان بن عفان" واشاعة مقتل "عثمان" و"بيعة الرضوان" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|