أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ الثالث عشر: صلح "الحديبية"
الفصل التاسع والسبعون بعد المائة
*********************************
الحديبية- الجزء الخامس
بنود الصلح
*********************************
*********************************
ملخص ماسبق
استمر وجود المسلمين في الحديبية على بعد حوالى 25 كم من مكة أكثر من ثلاثة اسابيع، وأرسلت قريش أربعة من زعماء القبائل المحيطة بمكة الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك بهدف تخويف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومحاولة اثناء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن دخول مكة وأداء العمرة، وكان رد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره
وهكذا خير الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريشًا بين ثلاثة أمور:
- أن يدخلوا في الإسلام
- أن تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش، لا يكون فيها قتال، ولكن الشرط الأساسي في هذه الهدنة أن يخلو بينه وبين الناس، يعنى قريش لا تمنع أحد في الجزيرة من دخول الإسلام، أو ترهبه أو تضغط عليه
- واذا رفضوا هذين الشرطين فيكون القتال
وانقسمت قريش أمام هذا العرض الى فريقين: فريق موافق على الهدنة، وفريق يرفض الهدنة ويريد الحرب
وتأخرت قريش في الرد على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنها لم تستقر على رأي محدد، وقرر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسل أحد الصحابة وهو "عثمان بن عفان" حتى يأخذ ردًا من قريش
واستمر وجود "عثمان" في مكة ثلاثة ايام كاملة، فاعتقد المسلمون أن "عثمان" قد قتل، فجمع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمون وأخذ منهم البيعة على "عدم الفرار" وأطلق على هذه البيعة: بيعة "الشجرة" أو بيعة "الرضوان" أو بيعة "الموت" لأن بعض الصحابة بايع على الموت، وهو نفس معنى "عدم الفرار"
ووصلت أخبار هذه البيعة الى قريش، فأصابها الخوف والهلع، فوافقت قريش على الصلح، وأتي "عثمان بن عفان" وأخبر الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن قريش قد وافقت على الصلح، وأنها سترسل رجلًا منهم لمفاوضة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بنود ذلك الصلح
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اختيار قريش "سهيل بن عمرو" لمفاوضة الرسول
وبالفعل أرسلت قريش "سهيل بن عمرو" وهو شخصية هادئة طيبة، ولذلك عندما رأي الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "سهيل بن عمرو" قادمًا قال
- قد سهل لكم أمركم
والسؤال هو: لمذا اختارت "قريش" هذه الشخصية الهادئة الطيبة السهلة ليتفاوض مع الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؟ أليس من الطبيعي أن ترسل شخصية صعبة المراس ليتفاوض مع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يحصل على أكبر قدر من المكاسب
ان "سهيل بن عمرو" -بلغة أهل السياسة الآن- من "الحمائم" أليس من الطبيعي أن ترسل للمفاوضة أحد من "الصقور" مثل "عمرو بن العاص" أو "خالد بن الوليد" أو "عكرمة بن أبي جهل" أو "صفوان بن أمية" أو "أبو سفيان بن حرب"
السبب هو أن قريش كانت تريد الصلح، وخائفة من الحرب، وخائفة من البيعة التى أخذها الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المسلمين على "عدم الفرار" ولذلك هي لا تريد أن ترسل أحد يمكن أن يصل بالأمور الى طريق مسدود ومن ثم الى الحرب والقتال
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بنود الصلح بين المسلمين وبين قريش
جلس "سهيل بن عمرو" الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للتفاوض، وقد قلنا أن هناك شرط مسبق وضعه الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل البدء في أي تفاوض، وقبل الجلوس على "طاولة المفاوضات"حيث قال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ان شائوا ماددتهم ويخلوا بيني وبين الناس" يعنى وضع الحرب يكون بشرط ألا تمنع قريشًا أحدًا من الدخول في الإسلام أو تكرهه أو تضغط عليه
وكان هذا هو أهم ما يسعى اليه الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن قريشًا هى التى تعيق انتشار الإسلام في الجزيرة، ولو تحقق هذا الشرط لانتشر الإسلام في الجزيرة بسرعة، وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل
بينما كان كل ما يهم قريش، هو ألا يدخل المسلمون لأداء العمرة، لأن ذلك سيهز هيبتها، ويحط كبريائها في الجزيرة العربية
وتم الإتفاق بين الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين "سهيل بن عمرو" ووضعت شروط الصلح بين الفريقين، وهم ما أطلق عليه "صلح الحديبية"
وكانت بنود الصلح هي:
- البند الأول: أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام، على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة، فيدخلون مكة بسيوفهم فقط، والسيوف في القرب، ويظلون في مكة ثلاثة ايام فقط، ثم يخرجوا منها بعد ذلك، وتترك قريش لهم مكة هذه الأيام الثلاثة
- البند الثاني: وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين
- البند الثالث: من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه
- البند الرابع: أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش، ولا تعيد قريش من ارتد من المسلمين الى المدينة
هذا هو المكان الذي جلس فيه الرسول لكتابة المعاهدة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
البند الأول: لم يخسر منه المسلمون شيئًا
نتحدث باختصار عن كل بند من هذه البنود:
- البند الأول: أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام، على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة، فيدخلون مكة بسيوفهم فقط، والسيوف في القرب، ويظلون في مكة ثلاثة ايام فقط، ثم يخرجوا بعد ذلك، وتترك قريش لهم مكة هذه الأيام الثلاثة
وكان هذا البند –كما ذكرنا- هو أهم بند عند قريش، ألا يدخل المسلمون لأداء العمرة، لأن دخول المسلمين لأداء العمرة –من وجهة نظرهم- سيهز هيبتهم، ويحط كبريائهم في الجزيرة العربية ولم يخسر المسلمون من هذا البند شيئًا، لأنهم وان عادوا عامهم هذا فهم سيأتون العام القابل، بل على العكس هذا أفضل لهم كثيرًا، لأن أهل مكة سيخلون "مكة" لهم حتى لا يحدث احتكاك بين الطرفين، وبذلك يؤدي المسلمين عمرتهم في هدوء وبدون منغصات، بل ان هذا البند فيه حط لكرامة قريش أكثر مما لو دخل المسلمون لأداء العمرة هذا العام، لأن قريشًا ستترك لهم مكة ثلاثة ايام كاملة، ويبيتون في شعب الجبال المحيطة بمكة، وهذا لم يحدث في تاريخ مكة كله
مسجد الحديبية في موضع عقد المعاهدة (قديمًا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
البند الثاني: في صالح المسلمون
البند الثاني: وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين
وهذا البند في صالح المسلمين كذلك، لأنه سيتيح للمسلمين التفرغ لبناء دولتهم، والتفرغ للدعوة، ولأن الدعوة في حالة الأمان أفضل من الدعوة في حالة الحرب، وأيضًا لإعطاء فرصة للمسملين لمحاربة عدوهم الثاني في الجزيرة العربية بعد قريش وهم اليهود، وهذا ما حدث بالفعل بعد الحديبية أن توجه المسلمون لحرب اليهود في "خيبر"
ولم يكن هذا البند في صالح قريش الا في جانب واحد فقط، وهو فك الحصار الإقتصادي الذي كان يفرضه الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قريش، وهو جانب مادي بحت لن يفيد قريش كثيرًا في صراعها مع المسملين
مسجد الحديبية (الآن) في موضع عقد المعاهدة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
البند الثالث: في صالح المسلمون تمامًا
البند الثالث: من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه
وهذا البند في صالح المسلمين تمامًا، لأن قريش –كما ذكرنا- كانت من أقوي قبائل الجزيرة، وجميع القبائل في الجزيرة لها مصالح اقتصادية وغير اقتصادية مع قريش، فكانت قريش تمنع القبائل من الدخول في حلف مع الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولذلك بعد هذه المعاهدة دخلت الكثير من القبائل في حلف مع الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقبيلة "خزاعة" مثلًا كانت من القبائل الكبيرة في الجزيرة، وكانت قريبة من الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنها لم تدخل في حلف مع الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الا بعد صلح الحديبية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
البند الرابع: وعدم موافقة الصحابة على هذا البند
البند الرابع: أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش، ولا تعيد قريش من ارتد من المسلمين الى المدينة
والجزء الثاني من هذا البند لا يضر المسلمين في شيء، بل على العكس هو في صالح الدولة الإسلامية، لأن المسلمين لا يريدون في الصف الإسلامي الا المؤمنين فقط، ووجود غير المؤمنين في المدينة يضعف المسلمين ويمكن أن يكون عينًا لقريش
أما الجزء الأول من البند وهو أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش، فقد اثار ذلك اعتراض كل الصحابة تقريبًا، ووجدوا فيه ظلمًا للمسلمين، وتحدث "عمر بن الخطاب" الى الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: يا رسول الله لم نعط الدنية في ديننا، لأن الطبيعي أن تكون المعاملة بالمثل فلا يعيد المسلمون كذلك من أسلم من أهل مكة الى قريش
ولكن الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يعطي قريش في هذه المعاهدة شيئًا مقابل أشياء كثيرة أخذها منهم، وطالما هناك تفاوض ومعاهدة فلابد أن تأخذ شيئًا وتعطي شيئًا، والا فما معنى التفاوض
وعمليًا فان قريشًا لم تستفد من هذا البند شيئًا، لأن بعد الصلح، ومع أول حالة امرأة اسلمت وتركت مكة وهاجرت الى المدينة، نزلت آية ألغت هذا البند بالنسبة للنساء، قال تعالى في سورة الممتحنة
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ))
ثم يقول تعالى ((وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ))
أما هذا البند بالنسة للرجال لم تستفد به قريش أيضًا، بل كان وبالًا عليها ثم هي التى طلبت من الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك الغاءه
لأن عدد من رجال مكة أسلموا وتركوا مكة وتوجهوا الى المدينة فرفض الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخولهم المدينة عملًا بهذا البند في المعاهدة، فجمعوا أنفسهم واستقروا في أحد الأماكن قريبًا من ساحل البحر الأحمر (القلزم في ذلك الوقت) وأخذوا يعترضون عير قريش، وشكلوا تهديدًا مرة أخري لتجارة قريش، واشتكت قريش الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان رد الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم ليسوا جزءًا من المدينة ولا سلطان له عليهم، فطلبوا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسمح لهم بدخول المدينة، وهكذا كان هذا البند وبالًا على قريش، ثم هي التى طلبت من الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك الغاءه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن كانت المعاهدة في صالح المسلمين، ولم يصل المسلمون الى ذلك الا بعد ستة سنوات كاملة -هي عمر الدولة الإسلامية- قدم فيها المسلمون كثير من التضحيات والدماء والشهداء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كتابة بنود المعاهدة
بعد أن تم الإتفاق بين الطرفين، بدأ كتابة بنود هذا الإتفاق في صحيفة يوقع عليها الطرفان، والرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمي لا يعرف القراءة والكتابة كما كان أغلب العرب، وهذا لتمام معجزة القرآن العظيم
فكان الذي يكتب المعاهدة هو "علي بن أبي طالب" والرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي يملي عليه الكلمات، وهذه اشارة قوية الى أن اليد العليا في المعاهدة كانت للمسلمين، لأنهم هم الذين يملون المعاهدة ويكتبوها
فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- اكتب "بســــم الله الرحمن الرحيم"
فقال سهيل:
- ما الرحمن ؟ فوالله ما ندري ما هو، اكتب: باسمك اللهم
فاسم "الرحمن" لا يعرفه الكفار، والقرآن العظيم هو الذي عرفنا بهذا الإسم، فاذا كتب اسم الرحمن في صحيفة ووقعت عليها قريش، فهذا اعتراف من قريش بما جاء به القرآن
فقال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعلى:
- امحها يا على واكتب باسمك اللهم
ثم قال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله
فاستوقفه "سهيل" مرة أخري وقال:
- لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله
يعنى كيف نكتب في صحيفة أنك رسول الله ونوقع عليها، ونحن لا نعترف بنبوتك ونقاتلك ونصدك عن البيت
فقال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- اني رسول الله وان كذبتموني، امحها يا على واكتب: هذا ما تصالح عليه محمد بن عبد الله
فقال على:
- لا أستطيع أن أمسح كلمة رسول الله،
فقال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- أرني مكانها
فأشار له "علي" على مكان الكلمة، فمحاها الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه
هذا الموقف يدل على مرونة الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الأمور التى اعترض عليها "سهيل بن عمرو" أمور شكلية، وليست هناك مخالفة شرعية في عبارة "باسمك اللهم" ولا هناك مخالفة في كلمة "محمد بن عبد الله"
و الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد أن يمرر المعاهدة لأن فيها صالح المسلمين، وهي نصر وفتح للمسلمين، ولو توقف أمام هذه الأمور الشكلية تحت أي دعوي مثل المحافظة على كرامة المسلمين أو غير ذلك، فلن يكون هناك معاهدة، ولسارت الأحداث في اتجاهات أخري غير التى خطط لها الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كتابة بنود المعاهدة
بعد أن تم الإتفاق بين الطرفين، بدأ كتابة بنود هذا الإتفاق في صحيفة يوقع عليها الطرفان، والرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمي لا يعرف القراءة والكتابة كما كان أغلب العرب، وهذا لتمام معجزة القرآن العظيم
فكان الذي يكتب المعاهدة هو "علي بن أبي طالب" والرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي يملي عليه الكلمات، وهذه اشارة قوية الى أن اليد العليا في المعاهدة كانت للمسلمين، لأنهم هم الذين يملون المعاهدة ويكتبوها
فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- اكتب "بســــم الله الرحمن الرحيم"
فقال سهيل:
- ما الرحمن ؟ فوالله ما ندري ما هو، اكتب: باسمك اللهم
فاسم "الرحمن" لا يعرفه الكفار، والقرآن العظيم هو الذي عرفنا بهذا الإسم، فاذا كتب اسم الرحمن في صحيفة ووقعت عليها قريش، فهذا اعتراف من قريش بما جاء به القرآن
فقال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعلى:
- امحها يا على واكتب باسمك اللهم
ثم قال الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله
قال "سهيل بن عمرو" لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعد كتابة المعاهدة كانت هناك معارضة قوية من الصحابة لم تحدث من قبل، لأن المعاهدة لم تكن بوحي من الله تعالى وانما كانت باجتهاد شخصي من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ما الذي حدث بعد كتابة بنود المعاهدة
هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى
|