Untitled Document

عدد المشاهدات : 6017

الفصل الثالث والثمانون بعد المائة: رسالة الرسول الى هرقل قيصر الروم

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجُزْءُ الرابع عشر: الأحداث من "الحديبية" الى "خيبر"
الفصل الثالث والثمانون بعد المائة
*********************************
رسالة الرسول الى هرقل قيصر الروم 
*********************************

*********************************
ذكرنا في الفصل السابق أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمجرد وصوله الى المدينة بعد صلح الحديبية في شهر "ذي الحجة" من السنة السادسة من الهجرة،  بدأ في ارسال الرسائل الى الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية
وأرسل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الوقت سبعة رسائل، ونتحدث اليوم عن الرسالة التى أرسلها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى هرقل قيصر الروم

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من هو هرقل ؟
و"هرقل" هو اسمه، بينما "قيصر" هو لقب كل من يملك الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الرومانية تعتبر في ذلك الوقت هي أكبر دولة في العالم، وهي تقتسم العالم القديم مع الإمبراطورية الفارسية، وتسيطر على نصف أوروبا الشرقي، وتركيا والشام ومصر وشمال أفريقيا، ولذلك كان يطلق على "البحر الأبيض" في ذلك الوقت أنه بحيرة رومانية

أحد آثار الإمبراطورية الرومانية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"دحية الكلبي" حامل رسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والذي حمل الرسالة هو "دحية بن خليفة الكلبي" وكان "دحية الكلبي" حسن الهيئة، حسن الوجه، حتى أن جبريل –عليه السلام- كان عندما يأتي الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صورة بشرية، كان يأتيه في صورة رجل حسن الهيئة يشبه "دحية بن خليفة الكلبي" وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دائمًا يختار سفراءه حسنى الهيئة والوجوه
عندما توجه "دحية الكلبي" برسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى قيصر، كان قيصر في ذلك الوقت في "حمص" بالشام، وكان في طريقه الى بيت المقدس للحج مشيًا على قدميه، شكرًا لله على نصره في حربه ضد الفرس
وكان في مشيه الى "بيت المقدس" تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين ليمشي عليها

دحية الكلبي يقرأ رسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نص رسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
 وكان نص رسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يقول:
- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ‏ ‏مِنْ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ‏ ‏هِرَقْلَ ‏ ‏عَظِيمِ ‏ ‏الرُّومِ، ‏ ‏سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ ‏ ‏بِدِعَايَةِ ‏ ‏الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ ‏ ‏تَوَلَّيْتَ ‏ ‏فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ ‏ ‏الْأَرِيسِيِّينَ -‏والْأَرِيسِيِّينَ يعنى الفلاحين، وهو يقصد البسطاء من كل رعايا الإمبراطورية الرومانية-  ثم قرأ قوله تعالى ((يَا ‏ ‏أَهْلَ الْكِتَابِ ‏ ‏تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))

رسالة الرسول الى "هرقل" قيصر الروم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اهتمام هرقل برسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
استمع هرقل الى رسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القصيرة بمنتهي الإهتمام، وقال 
- هذا كتاب لم أسمع بمثله !
وكان "هرقل" متدينًا وذو علم، وكان يعلم من الكتب التى قرأها من كتب أهل الكتاب أن هناك نبيًا خاتمًا بعد عيسي، وقد بشر به عيسى وموسى –عليهما السلام- وقرأ صفته في تلك الكتب
ولكن "هرقل" لم يكن يعلم أن هذا الرجل الذي ارسل اليه هذه الرسالة هو هذا النبي أم لا، ولذلك لم يتعجل في الرد على "دحية الكلبي" وانما أحسن استقباله وأعطاه بعض الهدايا
أكمل "هرقل" طريقه الى بيت المقدس، وأمر جنوده أن يأتوا له ببعض العرب من أهل مكة لكي يسألهم عن هذا النبي الذي ظهر في بلادهم، وقال هرقل لصاحب شرطته 
- قلب الشام ظهرا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه 
وقبض الجنود على بعض التجار من مكة الذين كان يتاجرون في غزة بفلسطين، لأنهم قد خرجوا فور التوقيع على صلح الحديبية بعد أن أمنوا على تجارتهم، وكان من بين هؤلاء التجار "أبو سفيان بن حرب" زعيم قريش، وكان هرقل في ذلك الوقت قد وصل الى بيت المقدس

قبض الجنود على بعض التجار من مكة الذين كان يتاجرون في غزة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لقاء "هرقل" و"أبو سفيان"
والذي قص علينا هذه القصة هو "أبو سفيان بن حرب" نفسه بعد اسلامه، وهي موجودة في البخاري 
يقول "أبو سفيان" أنه أدخل مع أصحابه من التجار الى مجلس "هرقل" وكان جالسًا على عرشه، وعليه التاج، وحوله حاشيته من الوزراء والأمراء وقادة الجيش والعلماء ورجال الدين
سأل هرقل التجار عن طريق ترجمانه:
- أيكم أقرب نسبًا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان:
- أنا أقربهم نسبًا إليه
و"أبو سفيان" يلتقي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأب الرابع وهو "عبد مناف" ولم يكن بين التجار من هو أقرب الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من "أبو سفيان"
فقال هرقل:
- أدنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره
أي جعل بقية التجار يقفون خلف "أبا سفيان" 
ثم قال لترجمانه: قل لهم: 
- إني سائلٌ هذا الرجل -يعني أبا سفيان- فإن كذبني فكذبوه
يعنى سيسأل "أبا سفيان" أسئلة فان كذب في أحدها فيشيرون اليه أنه كاذب
وبذلك يتأكد "هرقل" من صدق "أبو سفيان" لأن "أبو سفيان" سيخاف من بطش "هرقل" اذا قال شيئًا وكذبه أصحابه من خلفه، وجعل أصحابه خلفه، لأنهم قد يستحون أن يكذبوه في وجهه، ولكن يمكن أن يكذبوه وهو لا ينظر اليهم، وهذا يدل على حكمة "هرقل" ودقته، ويدل أيضًا على شدة اهتمامه بقضية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 

كان "هرقل" جالسًا على عرشه، وحوله حاشيته
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أسئلة "هرقل" أبو سفيان
وبدأت أسئلة "هرقل" أو استجواباته و"أبو سفيان" يرد عليه، وخلفه أصحابه، وكما قلنا كان حول "هرقل" حاشيته من الوزراء والأمراء وقادة الجيش والعلماء ورجال الدين، يقول هرقل:
- كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟
- هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ 
- فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ ؟ 
- لَا 
- فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟
- لَا 
- فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟
- بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ 
- أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟
- بَلْ يَزِيدُونَ 
- فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟
يعنى أن "هرقل" يريد أن يخرج من يرتد بسبب التعذيب مثلًا
- لَا 
- فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ 
- لَا 
- فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ 
- لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا
يعنى هو لم يغدر من قبل، ولكن نحن الآن في هدنة، لا نعلم هل سيغدر فيها أم لا
يقول "أبو سفيان" 
- وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ
يعنى لم أجد كلمة يمكن أن أطعن فيها في الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير هذه الكلمة، لأن هذه الإجابة تعنى أنه لم يقع منه غدر ولكن يحتمل أن يقع منه غدر، ثم يقول "أبو سفيان" : فوالله ما التفت إليها مني، يعنى تجاهل هذه الكلمة كأني لم أقلها

وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ
استكمل هرقل أسئلته، وقال:
- فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ 
- - نَعَمْ 
- فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ 
- الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ‏ ‏سِجَالٌ ‏ ‏يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ 
يعنى ينتصر مرة وننتصر مرة، و" سِجَالٌ" هو الدلو، وقد شبه العرب المحاربين بالمستقين، لأن هذا يستقي دلوًا وهذا يستقي دلوًا
- مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ 
- يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ ‏ ‏وَالْعَفَافِ ‏ ‏وَالصِّلَةِ
" وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ" وكأن "أبو سفيان" يقول عذره في مخالفته

"هرقل" يستجوب "أبو سفيان"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
استنتاجات "هرقل" من أجوبة "أبو سفيان"
انتهي استجواب "أبو سفيان" ثم بدأ يذكر لأبو سفيان ولحاشيته من الوزراء والأمراء والعلماء ورجال الدين لمذا سأل هذه الأسئلة بالتحديد، وما هي استنتاجاته فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ 
- سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ: أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا 
- وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ ‏ ‏يَأْتَسِي ‏ ‏بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ 
- وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ 
- وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ‏ ‏لِيَذَرَ ‏ ‏الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ 
- وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ 
- وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ 
- وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ حلاوة الْإِيمَانُ لا تدخل قلبا فتخرج منه
- وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ 
- وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ ‏ ‏وَالْعَفَافِ ‏ ‏
- فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ ‏ ‏لَتَجَشَّمْتُ ‏ ‏لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ 
و"غسل القدمين" من الطقوس الدينية المسيحية، يقوم بها القساوسة الآن يوم واحد في العام في "خميس العهد" لإبداء الحب والتواضع، وعندهم أن "عيسى" عليه السلام قد غسل أقدام تلاميذه
- ثُمَّ دَعَا "هرقل" برسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏‏الَّذِي بَعَثَ بِهِا ‏ مع "‏دِحْيَةُ" ثم قرأ الرسالة‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏ ‏مِنْ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ‏ ‏هِرَقْلَ ‏ ‏عَظِيمِ ‏ ‏الرُّومِ ‏ ‏سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ ‏ ‏بِدِعَايَةِ ‏ ‏الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ ‏ ‏تَوَلَّيْتَ ‏ ‏فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ ‏ ‏الْأَرِيسِيِّينَ ‏ ‏وَ((يَا ‏ ‏أَهْلَ الْكِتَابِ ‏ ‏تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))  ‏
يقول "أبو سفيان"   
- ‏ ‏فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ ‏ ‏الصَّخَبُ ‏ ‏وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ 
- وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ‏‏إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ ‏ ‏بَنِي الْأَصْفَرِ 
وكان المشركون يصفون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابْنِ أَبِي كَبْشَةَ سخرية منه

يقول هرقل "وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ايمان "هرقل" وتراجعه السريع
وهكذا بمجرد أن سمعت حاشية قيصر رسالة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيها هذه الدعوة الصريحة للدخول في الإسلام، ارتفعت أصواتهم، وضجت القاعة بالإعتراض، وأدرك "هرقل" أن حاشيته المسيحية ترفض الإسلام رفضًا قاطعًا، وأنه اذا دخل في الإسلام واتبع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانه سيفقد ملكه
وتراجع "هرقل" عن موقفه سريعًا وقال لحاشيته:
- اسكتوا، فإنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم
وقيل أن قيصر استدعي الأسقف الأكبر للمسيحية، وكانت لهذا الأسقف مكانة كبيرة في الدولة الرومانية، وكل الناس في روما يطيعون أمره، حتى إنه كان أعلى من هرقل عند الناس، وعرض عليه "هرقل" كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال الأسقف:
- هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر
فقال له قيصر:
- فماذا تأمرني ؟
- أما أنا فإني مصدقه ومتبعه
- أعرف أنه كذلك، ولكني لا أستطيع أن أفعل، وإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم
ثم خرج هذا الأسقف، وكان اسمه "ضغاطر" وخرج للرومان، ودعا جميع الرومان الى الدخول في الإسلام، ولكن قام اليه الناس وضربوه حتى قتلوه ومات شهيدًا
وعرف هرقل بقتل "الأسقف" ولكنه لم يفعل شيئًا وهذا يدل على ضعفه الشديد أمام عرشه 

قال "ضغاطر" لهرقل أما أنا فإني مصدقه ومتبعه
ولم يكن لهرقل أي عذر في موقفه ذلك، يقول الإمام النووي:
- لا عذر له في هذا؛ لأنه قد عرف صدق النبي ، وإنما شحَّ في الملك، ورغب في الرياسة، فآثرها على الإسلام، ولو أراد الله هدايته لوفَّقه كما وفَّق النجاشي، وما زالت عنه الرياسة
يقول كذلك "ابن حجر" 
- لو تفطن "هرقل" لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكتاب "اسلم تسلم" لسلم لو أسلم من كل ما يخافه، ولكن التوفيق بيد الله تعالى
وكان "قيصر" يوقن من الكتب التى قرأها أنه في يوم الأيام سيتحول كل الملك الذي بين يديه الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أنه قبل أن يغادر الشام صعد على ربوة عالية ونظر الى الأفق وقال:
- السلام عليك يا أرض سورية تسليم الوداع
ووجد "هرقل" نفسه بعد ذلك منجرفًا ومنقادًا لحرب المسلمين في "مؤتة" و"تبوك" ثم بعد ذلك الحروب المتتالية في الشام ومصر في عهد أبي بكر وعمر
ويبدو أن فتنة الكرسيّ لا تعدلها فتنة.
كان هذا هو موقف الدولة الرومانية، تردد في لحظة فاصلة، ثم اعتذرا مهذب، ثم حروب ضروس
وهذا الموقف نراه كثيرًا في التاريخ، فكثير من زعماء ورجال الدين في العالم يعرفون صدق
 الإسلام، ويعرفون نبوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنهم يرفضون الإسلام حفاظًا على كراسيهم وعروشهم
*

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

 

*********************************