Untitled Document

عدد المشاهدات : 3509

الفصل التسعون بعد المائة: غزوة ذي قَرَد
أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  
الجُزْءُ الرابع عشر: من "الحديبية" الى "خيبر"
الفصل التسعون بعد المائة
*********************************
غزوة ذي قَرَد
 *********************************


 *********************************
اغارة "بني فَزَارة" على شمال المدينة
تحدثنا عن رسائل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية يدعوهم الى الإسلام، وكان ذلك بعد صلح الحديبية في شهر "ذي الحجة" من السنة السادسة من الهجرة، وكان ذلك آخر أحداث السنة السادسة من الهجرة
نحن الآن في السنة السابعة من الهجرة، وكانت أول أحداث السنة السابعة من الهجرة في شهر "محرم" غزوة "ذي قَرَد" وتنطق "قَرَد" و"قُرُد" و "قُرَد"
وتبدأ أحداث هذه الغزوة عندما أغار ناس من "بني فَزَارة" بقيادة "عيينة بن حصن الفزاري" على بعض ابل المدينة 
و"بني فَزَارة" هي أحد بطون "غطفان" وهي من القبائل العربية الكبيرة، وقد كان بعض العرب يعيشون على السلب والنهب والإغارة وقطع الطرق
وسبب آخر لإغارة "بني فَزَارة" على ابل المدينة، وهو حقد هذه القبائل على المسلمين لأنها كانت تريد أن تنال شرف النبوة ومن ثم قيادة العرب، وهذا من صور العصبية القبلية الجاهلية
هكذا أغار ناس من "بني فَزَارة" بقيادة "عيينة بن حصن الفزاري" على ابل المدينة، وكان عددهم أربعين راكبًا، وكانت الإبل عددها عشرين من الإبل، وكانت في مكان بقرب المدينة يطلق عليه الغابة، وهي منطقة تقع في شمال غرب المدينة، على بعد حوالى 6 كم من المسجد النبوي بها أشجار كثيفة فأطلق عليها الغابة
وكان مع الإبل ابن لأبي ذر الغفاري وامرأته، فكان ابن أبي ذر يعود كل يوم باللبن عند المغرب الى المدينة فيبيعه ثم يعود مرة أخري
فلما أغارت عليهم "بنى فزارة" قتلوا أبن أبي ذر، وأخذوا امرأته، وساقوا الإبل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"سلمة بن الأكوع" يحذر المسلمين
ورأي ذلك غلام اسمه "رَبَاح" فجري الى المدينة ليخبرهم، فكان أول من صادفه هو "سلمة بن الأكوع" كان في طريقه الى الغابة معه قوسه وسهامه، وكان مع "سلمة بن الأكوع" فرسًا لطلحة بن عبيد الله –رضى الله عنه-  وكان الوقت قبل صلاة الفجر، فصاح الغلام: 
- أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
واللقاح هي الإبل ذات اللبن
فقال "سلمة بن الأكوع" للغلام: 
- خذ هذه الفرس، فأبلغه إلى صاحبه طلحة، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخبر
ثم عاد "سلمة بن الأكوع" في اتجاه المدينة، وصعد على تل ناحية جبل سلع، وصاح بأعلى صوته "واصباحاه" ثلاثة مرات
وكانت العرب تصيح بهذا النداء للتحذير عند الإغارة، وكانوا يسمون يوم الإغارة بيوم الصباح 

خريطة تظهر منطقة الغابة وجبل سلع
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"سلمة بن الأكوع" أسرع العرب 
ولم ينتظر "سلمة بن الأكوع" حتى يتجمع الناس وانما انطلق يعدو على قدميه خلف العدو وحده، وهو يحمل سيفه ونبله، وكان معروفًا بأنه أسرع العرب، حتى كان يقال أنه يسبق الخيل
وهذا هو السبب أنه لم يصحب معه فرس "طلحة" لأنه أسرع في حركته وفي الكر والفر من الفرس
ويوجد الآن عداء جاميكي أسمه "أوسين بولت" ويطلق عليه العداء الأسطورة، وهو يجري أسرع من الجمل   
وهو طبعًا يجري أسرع من الجمل لمسافة 100متر فقط وعلى أرض مجهزة للعدو، وليس لمسافات طويلة وفي الصحراء 
واستطاع "سلمة بن الأكوع" أن يصل الى عدوه، فاذا افترضنا أن العدو كان يسير بسرعة الجمل الذي يعدو لأنهم كانوا يسوقون معهم الإبل، فلابد أن "سلمة بن الأكوع" كان أسرع من الإبل ويسبق الخيل فعلًا –كما كانوا يقولون- لأنه انطلق خلف العدو بعد أن ساق المهاجمين الإبل بفترة طويلة، وكان بينه وبين مكان الجريمة مسافة طويلة أيضًا، أي أنه انطلق بعد انطلاق عدوه، وانطلق من نقطة أبعد من انطلاق عدوه ومع ذلك وصل اليه

"سلمة بن الأكوع"  يتفوق على العداء الأسطورة "أوسين بولت"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"سلمة بن الأكوع" يصل الى عدوه ويقاتله وحده
وصل "سلمة بن الأكوع" الى عدوه، وقد قلنا أن عددهم كان أربعين راكبًا
حتى وصل خلف العدو وأخذ يرميهم بالسهام وهو  يرتجز قائلاً:
‏خُذْها‏ وأنا ابنُ الأكْـوَع ** واليـومُ يـومُ الرُّضّع
ومعنى "ارتجز" يعنى يقول بصوت متتابع، كأنها يغنى بيت الشعر، ومعنى "يوم الرضع" يعنى يوم هلاك اللئام، كانت العرب تقول كذلك كناية على أن اللئيم يرضع من الناقة أو الشاة مباشرة دون حلبها حتى لا يسمع أحد صوت الحلب فيأتي اليه يسأله
فلما أخذ يرميهم بالسهام قام اليه بعضهم يحاول قتله، فقال لهم "سلمة بن الأكوع" :
- أتعرفونني أنا ابن الأكوع والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني
فكانوا كلما اقتربوا منه يفر هاربًا بسرعة لا يدركه أحد، وكان يختبأ خلف أحد الأشجار ويرميهم بالسهام، واذا عادوا عاد ورائهم يرميهم بالسهام، وهكذا حتى أعياهم
وكانوا اذا دخلوا أحد مضايق الجبال، يعلو الجبل ويرميهم بالحجارة 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"سلمة بن الأكوع" يطارد عدوه وهم يفرون منه
واستمر "سلمة بن الأكوع" في مطاردتهم ودخلهم منه خوف شديد حتى أنهم تخففوا من بعض الغنائم التى نهبوها وألقوها، فالقوا ثلاثين حربة، وثلاثين بردة أي كساء، فكان "سلمة بن الأكوع" يضع على هذه الغنائم أكوامًا من الحجارة حتى يعرفها الصحابة، ويعرفون الطريق الذي سلكوه 
واستمر الأعداء في هربهم من "سلمة بن الأكوع"، مع أن عددهم كان أربعين راكبًا وهو شخص واحد يسير على قدميه، حتى ظنوا أنهم قد نجوا منه وجلسوا يستريحون وكان الوقت ضحى، أي أن هذه المطاردة استمرت عدة ساعات طويلة، من قبل الفجر حتى ضوء الشمس وحرارتها
وبينما هم جلوس يأكلون اذا طلع عليهم السبع الضاري من أعلى الجبل مرددًا 
خُذْها‏ وأنا ابنُ الأكْـوَع ** واليـومُ يـومُ الرُّضّع
فتركوا المكان وهربوا حتى وصلوا الى بئر، فأرادوا أن يشربوا ويسقون ابلهم، ولكن لم يمكنهم "سلمة" من ذلك، فأخذ يرميهم بالسهام حتى أجلاهم من عند الماء، فما ذاقوا قطرة واحدة منه

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خروج ثمانية فرسان لمطاردة العدو
على الجانب الآخر عندما صاح "سلمة بن الأكوع" سمعه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمعه المسلمون فترامي الفرسان الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان أول ما جاء الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثمانية فرسان منهم: الأخرم وأبو قتادة والمقداد، فأمر عليهم أحدهم، وأمرهم باللحوق بالعدو على أن يلحق بهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وكان أحد الفرسان اسمه "أبو عياش" فقال له النبي:
- لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك للحق بالناس
فقال عياش:
- يا رسول الله إني أفرس الناس
يقول أبو عياش: 
- فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت لذلك

خرج ثمانية فرسان لمطارة العدو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وصول الفرسان الى "سلمة بن الأكوع" واستشهاد "الأخرم"
هكذا انطلق الفرسان حتى وصلوا الى "سلمة بن الأكوع" وهو يرمي أعدائه بالسهام، فكان أولهم وصولًا اليه هو "الأخرم" فأخذ "سلمة بن الأكوع" بزمام فرس الأخرم وقال له:
- يا أخرم اني أخاف أن يقتلوك فانتظر حتى يلحق بك الناس
فقال الأخرم:
- يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق, فلا تحل بيني وبين الشهادة
فترك "سلمة" فرس "الأخرم" فانطلق فلقيه "حبيب بن عيينة" فقتله، وكان "الأخرم" قبل ذلك بيوم واحد رأي رؤيا عجيبة، رأي أن السماء قد انفتحت حتى السماء السابعة، وحتى وصل الى سدرة المنتهي، وقيل له: هذه منزلتك، فلما قص هذه الرؤيا لأبي بكر، وكان من أحسن الناس تعبيرًا للرؤي، قال له أبو بكر: 
- يا أخرم تموت شهيدًا
ولذلك قال ما قال لسلمة، ومات شهيدًا –رضى الله عنه- وكان الشهيد الوحيد للمسلمين في هذه الغزوة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وصول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجيش المسلمون
ثم لحق "أبو قتادة" بحبيب بن عيينة فقتله، ثم قتل رئيس فرسان المشركين وكان اسمه " مَسْعَدَةَ" وتلاحق الفرسان المسلمون بعد ذلك، وجاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى وصل عدد المسلمين الى 600 رجل، فانقذ المسلمون عشرة من الأبل، بينما فر الأعداء بالعشرة الباقين
أما المرأة التى أسرها المغيرون، فقد استطاعت أن تفر على ظهر ناقة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وقد نذرت إن نجاها الله لتنحرن تلك الناقة، فلما أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذرها تبسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال
- بِئْسَ مَا جَزَيْتِيهَا إِنْ حَمَلَكِ اللَّهُ عَلَيْهَا ، وَنَجَّاكِ بِهَا، ثُمَّ تَنْحَرِينَهَا، لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه، وَلا فِيمَا لا تَمْلِكِينَ، إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ عَلَى بَرَكَةِ اللَّه
تلاحق الفرسان المسلمون حتى وصل عدد المسلمين الى 600 رجل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عودة المسلمين وتكريم "سلمة بن الأكوع"
وأقام المسلمون في "ذي القرد" يومًا وليلة، و"ذي قرد" اسم جبل أسود يقع شمال شرق المدينة، ويبعد عنها 35 كم، ولذلك أطلق على هذه الغزوة "غزوة ذي قرد" واطلق عليها أيضًا غزوة "الغابة" لأن اعتداء المشركين كان عند منطقة الغابة كما ذكرنا
ثم عاد النبي مع القوم وقد قال في هذه المعركة وسام تكريم لبطلي المعركة: 
- خَيْرُ فُرْسَانِنَا: أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا: سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ
ثم أردف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلفه "سلمة بن الأكوع" على بعيره عند الدخول للمدينة، وأعطي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  سهمين من الغنائم لسلمة بن الأكوع، وهكذا كرم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكريمًا ماديًا ومعنويًا

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كانت هذه غزوة "ذي قرد" وقد كانت من الغزوات التأديبية التى قادها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه لتأديب المعتدين من الأعراب ونشر الأمن في الدولة الإسلامية وما حولها  

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************