أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ السادس عشر: الأحداث من "خيبر" الى "مؤتة"
الفصل التاسع بعد المائتين
*********************************
زواج الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من السيدة "زينب بنت جحش"
*********************************
*********************************
أكثر زواج شغل الناس
نتحدث في هذا الفصل عن موضوع هام جدًا، وهو موضوع: زواج الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السيدة "زينب بنت جحش"
والسيدة "زينب بنت جحش" هي بنت عمة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمها هي "أميمة بنت عبد المطلب" عمة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخوها هو "عبد الله بن جحش" قائد سرية نخلة، والذي استشهد في أحد
وزواج الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السيدة "زينب بن جحش" هو أكثر زواج شغل الناس سواء في حياة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعد وفاته وحتى الآن
فما قصة هذا الزواج ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قصة "زيد بن حارثة"
تبدأ قصة "زينب" حين بلغ "زيد بن حارثة" سن الزواج، وأراد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخطب له
وقد تحدثنا عن "زيد بن حارثة" في فصل خاص بعنوان "زيد بن حارثة في بيت النبي" وقلنا أن "زيد" خرج وهو طفل صغير عمره ثمانية أعوام مع أمه لتزور قبيلتها، وفي الطريق أغارت عليهم قبيلة أخري، واختطف في هذا الهجوم "زيد بن حارثة" وأصبح عبدًا بعد أن كان حرًا، وعرض للبيع في أحد الأسواق، فاشتراه "حكيم بن حزام بن خويلد" ابن أخ السيدة "خديجة" زوجة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أهداه "حكيم بن حزام" الى عمته السيدة "خديجة" والتى أهدته بدورها الى زوجها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في هذه الأثناء كان "حارثة بن شراحيل" والد "زيد بن حارثة" يبحث عن ابنه "زيد" حتى وصل اليه أخيرًا في مكة، وعلم أنه عبدًا عند رجل اسمه "محمد بن عبد الله" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتوجه اليه مع أخيه وطلب منه أن يشتري منه ابنه "زيد" وتوسل اليه ألا يغالى في السعر، ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهما :
- فهل لكما في شئ خير من ذلك ؟ أدعوه لكم، وأخيره، فإن أختاركم فهو لكم، وإن أختارني فما أنا بالذي يرغب عن من اختاره
فقالا :
- قد زدتنا على النصف وأحسنت
ثم كانت المفاجأة أن يختار "زيد بن حارثة" أن يظل في بيت الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبدًا، على أن يكون حرًا ويعود الى قبيلته مع أبيه
يقول زيد:
- بل أبقي معك، أنت لى بمنزلة الأب والعم، ولا أختار عليك أحدًا أبدًا
فتعجب أبوه وقال:
- ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!
فقال زيد:
- نعم لا أختار عليه أحدًا أبدًا
ورق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوالد "زيد" وأراد أن يطمئنه، فأخذ "زيد" من يده، وذهب به الى الحجر، حيث قريش مجتمعة، ونادي:
- يا معشر قريش، اشهدوا من اليوم زيد ابنى يرثني وأرثه
تقول الرواية "فطابت نفس أبيه" لأن مشكلة أبيه ليس أن يكون زيد معه، لأنه كان قد كبر وأصبح شابًا وبلغ السن الذي ينفصل فيه عن أبيه وتكون له أسرته وحياته، ولكن مشكلة أبيه أن يعيش ابنه عبدًا، فلما وجد أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أعتقه، بل وتبناه وأصبح ابنا له يرثه ويرثه، اطمئن وعاد الى قبيلته مسرورا
انصرف أبو "زيد" وعمه، وقد اطمئنا على زيد، وأصبح "زيد" منذ ذلك الوقت بين قريش حرًا وليس عبدًا، وأصبح اسمه "زيد بن محمد" وليس "زيد بن حارثة"
وكان العرب يطلقون على العبد الذي يعتق "مولي" فيقولون "زيد" مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان "بلال" مثلًا مولى "ابو بكر" لأن "أبو بكر" اشتري بلالًا وأعتقه
انصرف أبو "زيد" وعمه، وقد اطمئنا على زيد
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرَسُولُ يزوج "زيد بن حارثة" الى ابنة عمته "زينب بنت جحش"
ونعود الى قصة زواج الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السيدة "زينب بنت جحش" ونقول أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يزوج "زيد بن حارثة" والذي كان اسمه حتى ذلك الوقت "زيد بن محمد" واختار الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإبنه بالتبنى أن يتزوج من ابنة عمته السيدة "زينب بنت جحش"
كان عمر "زينب" في ذلك الوقت 36 عام، وقد وصفتها الرواية بأنه كانت بيضاء جميلة
وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد بهذا الزواج أن يحطم الفوارق الطبقيَّة الموروثة في المجتمع المسلم، لأن العرب كانوا ينظرون الى الموالى باستعلاء، ويرون أنهم في طبقة اجتماعية أقل منهم
فأراد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا يكون حديثه عن تحطيم هذه الفوارق وأن الناس سواسية كأسنان المشط مجرد كلام فقط، ولكن أراد أن يقوم بتصرف واقعي في أسرته هو، وهو أن يزوج "زيد بن محمد" وهو من الموالى كما ذكرنا، وقد دخل الى بيوت بنى هاشم عبدًا، من ابنة عمته "زينب بنت جحش" وهي من "بنى هاشم" والتى تعتبر من أعرق وأشرف بيوت العرب، وهي من "قريش" وهي أشرف القبائل العربية، وهي بعد بنت عم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عرض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السيدة زينب الزواج من "زيد بن محمد" ولكن السيدة "زينب" فوجئت بهذا العرض، ورفضت هذا الزواج، لأن بنات الأشراف لا يتزوجن أبدًا من الموالي
وحاول الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقنع "زينب" بزيد بن حارثة، وأخذ يحدثها عن حسن أخلاقه، ومكانته منه، ولكن "زينب" لم تتقبل الأمر على الإطلاق، وقالت:
- لا أتزوجه أبدًا
ولكن نزل قول الله تعالى ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا))
فقالت السيدة زينب:
- رضيته لي يا رسول الله ؟
قال:
- نعم
قالت:
- اذن لا أعصى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الله تعالى يخبر رسوله بأنه سيتزوج "زينب"
هكذا تم الزواج بين "زيد بن حارثة" وبين السيدة "زينب بنت جحش" ولكن لم تصف الحياة بين الزوجين أبدًا، لأن السيدة "زينب" لم تنس أبدًا أنها الشريفة بنت عمة رسول الله، ولم تنس أن "زيد" مولى قد دخل بيت آلها رقيقًا، فكانت تعامل "زيد" بجفاء واستعلاء، وربما كانت تؤذيه بلسانها
وأخبر الله تعالى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بانه سيتم ابطال عادة التبني، وليس المقصود بذلك هو النهي على كفالة اليتيم، بل على العكس الآيات والأحاديث في فضل كفالة اليتيم كثيرة لا حصر لها، ولكن عادة التبنى التى أبطلها الإسلام هي أن ينسب الطفل الى غير أبيه، يعنى يتبنى أحدهم يتيم ويعطيه اسمه، وقد نهي الإسلام عن ذلك لأنه يؤدي الى اختلاط الأنساب، بينما شجع على التبني دون أن يحمل اسم المتبني
وأخبر الله تعالى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضًا بأنه سيتزوج "زينب" زوجة ابنه بالتبني، ليكون هذا الزواج هو التصرف الواقعي والعملي الذي سيقضى على هذه العادة التى لا يرضاها الله تعالى
ولذلك كان ترتيب الله تعالى أن يتزوج "زيد بن حارثة" -والذي كان اسمه في ذلك الوقت "زيد بن محمد"- من السيدة "زينب" ثم يطلقها "زيد" ثم يتزوج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك من السيدة زينب، فيكون ذلك ابطالًا واقعيًا عمليًا لعادة التبني، لأن العرب قبل الإسلام وبعد الإسلام لا يتزوجون أبدًا من زوجة الإبن
والسؤال هو هل كان يجب هذا الزواج للقضاء على عادة التبنى، أم كان يكفي أن تنزل آية تنهي عن هذا الأمر ؟ نقول أن هذا الزواج كان واجبًا لأن التبني أمرًا ليس سهلًا، فالتبني معناه أن هذا الطفل قد أصبح ابنًا لفلان، ثم يأتي الإسلام ويقول له في لحظة واحدة، أن هذا الطفل ليس ابنًا لك، فهو أمر صعب جدًا ولا تتقبله أي نفس بشرية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرَسُولِ يوصى "زيد بن حارثة" بالصبر
وقاسي "زيد" من جفاء زوجته وصدها وترفعها عليه، حتى نفذ صبره، وذهب الى الرَسُولِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأخذ رأيه في طلاقها، فقال له الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- مالك ؟ أرابك منها شيء ؟
فقل زيد:
- لا والله يا رسول الله، ما رابني منها شيء، ولا رأيت الا خيرًا، ولكنها تتعظم علىَّ لشرفها، وان فيها كبرًا، وتؤذينى بلسانها
فقل له الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- اتق الله، وأمسك عليك زوجك
وعاد "زيد" ليجرب الاحتمال من جديد، ولكن "زينب" كانت تزداد نفورًا منها، فعاد "زيد" الى الرَسُول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطلب منه مفارقة زينب، و الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول له في كل مرة:
- اتق الله، وأمسك عليك زوجك
هذا مع علم الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن "زيد" سيطلق "زينب" في النهاية، ومع علمه بأنه سيتزوج هو من "زينب" ولكنه كان يخشى من كلام المنافقين، وقد قلنا أن أعدادهم كانت كبيرة في المدينة، وهم يتربصون بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاذا تزوج من "زينب" فسيقولون أنه يأمر بعدم زواج الأب من زوجة ابنه، وقد خالف ذلك وتزوج من زوجة ابنه، وقد يقولون أنه أمره بطلاقها حتى يتزوجها هو، وهو الذي يقوله أعداء الإسلام حتى الآن، وقد عاتب الله تعالى الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خشيته من كلام المنافين في شيء قد أباحه الله له
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حديث القرآن عن هذا الموقف
وقد صور لنا القرآن العظيم هذا الموقف فقال تعالى في سورة الأحزاب ((ؤ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا))
"وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ" وهو "زيد بن حارثة" وقد أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالهداية الى الإسلام " وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ" بالعتق من العبودية "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ" وهذا ما كان الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقوله لزيد بن حارثة كلما اشتكي من زوجته زينب وطلب من الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطلقها
ثم يقول تعالى "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ" وهو ما أعلمه به الله تعالى بأنه سيتزوج من "زينب"
"وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ" كان الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخشى من كلام المنافقين ان هو تزوج من "زينب" أنه قد تزوج من زوجة ابنته، ويعاتبه الله تعالى على خشيته من كلام المنافقين بهذا القدر في أمر قد أباحه الله له، فقال تعالى "وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ" بأن تؤدي ما أمرك به من الزواج من زينب
ثم يقول تعالى "فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا" الوطر هو الزواج، وبهذا يكون "زيد" رضى الله عنه هو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن العظيم، وذلك من فضله طبعًا، ولأنه تحمل مع الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العبء النفسي لهذا الموقف
ثم يبين الله تعالى الحكمة من ذلك الزواج فقال تعالى "لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا" أي حتى لا يشعر أحد من المؤمنين بالحرج في الزواج من زوجات أبنائهن بالتبنى اذا طلقوهن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تناول المنافقون لموضوع زواج الرسول من السيدة "زينب"
عندما تم هذا الزواج تكلم المنافقون كما كان يخشي الرَسُولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: حرَّم محمد نساء الولد، وقد تزوَّج امرأة ابنه
ولا يزال هذا الموضوع يحاول أعداء الإسلام أن يستغلوه ويحرفوا الكلم عن مواضعه كما هي عادتهم، فيقولون أن معنى "تخفي في نفسك" هو حبه لزينب ورغبته في الزواج منها
وقاموا بسرد قصة لا أساس لها من الصحة وهي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهب لزيارة زيد فلم يجده, وكانت السيدة زينب موجودة وكانت ترتدي ثيابا شفافة، وقالت السيدة زينب ادخل يا رسول الله فرفض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وولى مدبرا وهو يقول سبحان الله العظيم سبحان مقلب القلوب
وهذا الكلام اياكم أن تصدقوه، حتى وان كان موجودًا في بعض الكتب التى لها جذور اسلامية، فهي روايات ضعيفة جدًا وهشة جدًا ولا أصل لها
وهي بعد كلام غير منطقي لأن الذي زوج زيد وزينب هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه، ولأن الرواية كأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأي "زينب" وفوجيء برؤيتها وكأنه لم يرها من قبل، مع أن "زينب" كما قلنا هي ابنة عمته، وعمرها 36 عامًا يعنى يراها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ كانت طفلة ومنذ كانت في مكة
اذن فالقصة نفسها هى التى ترد على هذه الإفتراءات المريضة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"زينب بنت جحش" الصوامة القوامة الأطول يدًا
بقي أن نقول أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج من السيدة "زينب بنت جحش" بعد غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة
وكانت السيدة زينب تتيه وتفتخر على زوجات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتقول لهن:
- كلكن زوجكن آباءكن وأمهاتكن أما أنا فزوجني الله من فوق سبع سماوات
وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحبها، تقول السيدة عائشة:
- كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت –رضى الله عنها- صوامة قوامة، تقول السيدة عائشة:
- ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب، أتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة رضي الله عنها
وكانت –رضى الله عنها- من حبها للصدقة تصنع أشياء بيدها، وكانت تجيد صناعة الأشياء، ثم تبيع هذه الأشياء، لتتصدق بثمنها
وقد قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزوجاته أمهات المؤمنين وهو في مرض الموت:
- أولكن لحاقا بي أطولكن يدا
فلما مات النبي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت زوجات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسن من هي اطول الزوجات يدًا ليعرفن من هي أولهم لحوقًا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانت أمنا "سودة" هي أضخم زوجات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأطولهن يدًا، فكن يعتقدن أن السيدة "سودة" هي أول من يموت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن كانت السيدة "زينب بنت جحش" هي أول من مات بعد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلمن أن قول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أطولكن يدًا" يعنى أكثرهن صدقة
وكان من حبها للصدقة أن في عهد "عمر بن الخطاب" بعد الفتوحات الإسلامية رتب "عمر بن الخطاب" لزوجات الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راتب سنويًا كبيرًا فلم يحل الحول على أموال السيدة زينب في أي عام لأنها كانت تتصدق بكل هذا المال
وعندما جائت غنائم كثيرة أرسل لها "عمر بن الخطاب" مائة ألف درهم، فوضعته أمامها ووضعت عليه قطعة قماش، وأخذت تأخذ منه وتضعه في صرر، وتقول لمن معها: اذهبى بهذا الى بيت فلان، حتى أنفقته كله، ثم قالت "الحمد لله لا أبيت وكل هذا المال في بيتي"
وماتت السيدة "زينب بنت جحش" في سنة 20 هـ بعد وفاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعشر سنوات ودفنت بالقيع، وصلى عليها "عمر بن الخطاب"، وخرج في جنازتها كل أمهات المؤمنين، وقد فهمن حديث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أولكم لحوقًا بي أطولكن يدًا"
قبر السيدة "زينب بنت جحش" في البقيع بالمدينة المنورة
|