أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الثامن عشر: فتح مكة
الفصل الخامس والعشرون بعد المائتين
*********************************
فتح مكة- الجزء السادس
مواقف بعد فتح مكة
*********************************
*********************************
الرَسُولُ يظل في مكة تسعة عشر يومًا بعد الفتح
تحدثنا في فصول سابقة عن الفتح الأعظم وهو فتح مكة في 20 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة
وظل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مكة تسعة عشر يومًا، وقد مر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الأيام التسعة عشر بكثير من المواقف، نذكر بعضًا منها في هذا الفصل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خوف الأنصار من أن يظل الرسول في مكة
بعد الفتح اعتقد الأنصار أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيظل في مكة ولن يعود الى المدينة، وكان هذا أمرًا منطقيًا لأن مكة هي أم القري، وهي أفضل عند الله تعالى من المدينة، ولها مكانتها في الجزيرة، بل وفي العالم كله في ذلك الوقت والى الآن، فمن المنطقي أن تكون هي عاصمة الدولة الإسلامية، وحزن الأنصار لذلك وتحدثوا في الأمر
وكان الأنصار حين بايعوا الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيعة العقبة الثانية قالوا له:
- هل عسيت ان أظهرك الله أن ترجع الى قومك
فأجابهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لن يتركهم
فلما قال الأنصار ما قالوا، وتحدثوا أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيظل في مكة، وحزنوا لذلك، جمعهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال لهم
- يا معشر الأنصارَ هاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ
فأقبل عليه الأنصار يبكون من شدة الفرحة
قال الرسول: يا معشر الأنصارَ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اسلام "أبو قحافة" والد "أبو بكر الصديق"
من الذين جائوا بعد فتح مكة الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليسلموا بين يديه "أبو قحافة" والد "أبو بكر الصديق"
وكان "أبو قحافة" حين فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، شيخًا كبيرًا قد تجاوز التسعون، وكان قد كف بصره، فلما كان يوم الفتح قال لإبنة لها:
- يا بنيه أشرفي بي على "أبي قبيس"
فأشرفت به عليه
ثم قال لها:
- أي بنية، ماذا ترين ؟
قالت:
- أري سوادًا كثيرًا، وأري رجلًا يشتد بين ذلك السواد مقبلًا ومدبرًا
فقال لها:
- ذلك الرجل الوازع
والوازع هو الذي ينظم الصفوف في الجيش
ثم قال:
- ماذا ترين ؟
قالت:
- أري السواد قد انتشر وتفرق
فقال لها:
- اذن انتشرت الخيل، فأسرعي بي الى البيت
فعادت به سريعًا الى البيت
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فلما أسلم "ابو قحافة" خرج به "أبو بكر" يقوده، فلما رآه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له:
- هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟
فقال أبو بكر:
- يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه.
فلما جلس بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صدره وقال:
- اسلم تسلم
فنطق "أبو قحافة" بالشهادتين
فقال أبو بكر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب أقر لعيني من إسلامه، وذلك أن إسلام أبي قحافة كان أقر لعينك
مسح الرَسُولُ على صدر "ابو قحافة" وقال: اسلم تسلم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بيعة نساء "قريش" بقيادة "هند بنت عتبة"
جاء الى الرَسُولُ أيضًا وفد نسائي بقيادة "هند بنت عتبة"
وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أهدر دم "هند بنت عتبة" لأنها التى حرضت على قتل حمزة، ومثلت بجثته، فلما كان يوم الفتح، ذهبت الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعها عدد من نساء مكة، ودخلت عليه وهي مُنْتَقبة تخفي وجهها، ثم قالت:
- يا رسول الله، الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه، لتنفعني رحمك
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- من ؟
فكشفت النقاب عن وجهها وقالـت:
- هند بنت عتبة يا رسول الله
فتبسم لها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- مرحبًا بك
ثم تحدث الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى النساء وقال لهم
- تُبَايِعِيْنِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكِن بِالله شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ
فأخفت هند وجهها وقالت:
- وهل تزني الحرة يا رسول الله
ثم قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ
فقالت:
- ربيناهم صغارًا وَقَتَلتَهم في بدر كبارًا
لأنه قد قتل لها في بدر ابيها "عتبة بن ربيعة" وأخيها "الوليد بن عتبة" وعمها "شيبة بن ربيعة"
فضحك "عمر بن الخطاب" حتى استغرق، ثم قالت هند:
- هلم نبايعك يا رسول الله.
فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- لا أصافح النساء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"أبو سفيان بن حرب" يحدث نفسه بان يجمع للرسول بعض القبائل لحربه
من المواقف التى حدثت بعد فتح مكة، أن "أبو سفيان بن حرب" كان جالسًا وهو يحدث نفسه بان يجمع للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعض القبائل لحربه، وكانت أحد القبائل الكبيرة لا تزال في عداء مع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي "هوازن"
فبينما هو كذلك فوجيء بأن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلفه يضرب على ظهره، وقال:
- إذن يخزيك الله
فرفع "أبو سفيان" رأسه، فوجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له:
- أشهد أنك رسول الله
رفع "ابو سفيان" راسه وقال: أشهد أنك رسول الله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في أثناء اقامة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مكة تعرض -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمحاولة
جديدة لإغتياله
وقد تعرض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعدد كبير من محاولات القتل، تحدثنا عليها وكانت هذه المحاولة هي أحد هذه المحاولات
والذي أراد قتل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو " فضالة بن عمير" وكان شديد الكراهية للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما كان فتح مكة أظهر الإسلام، ثم حمل سيفه واخفاه بين ملابسه، وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطوف بالبيت، فأخذ يدنو من الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما اقترب منه، قال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- أفضالة ؟
قال:
- نعم، فضالة يا رسول الله
فقال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟
فقال:
- لا شيء، كنت أذكر الله0
فتبسم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- اسْتَغْفِرِ اللهَ يَا فُضَالَةُ.
ثم وضع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده على صدر فضالة وقال:
- اسْتَغْفِرِ اللهَ يَا فُضَالَةُ
فسكن قلب فضالة، يقول فضالة:
- والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيءٌ أحبُّ إليَّ منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال فضالة: لا شيء كنت أذكر الله
|