أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الحادي والعشرون: غزوة تبوك
الفصل السادس والأربعون بعد المائتين
*********************************
غزوة تبوك- الجزء الثاني
انسحاب الروم وتحقق النصر
*********************************
*********************************
ملخص ما سبق:
بدأنا في الحلقة السابقة حديثنا عن "غزوة تبوك" والتى كانت في رجب من السنة التاسعة من الهجرة، وقلنا أن سبب الغزوة أن الإمبراطورية الرومانية حشدت جيوشها في الشام لغزو الجزيرة العربية، والوصول حتى المدينة المنورة
واتخذ الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرار الحاسم بالخروج لقتال الروم في الشام قبل أن يتحركوا هم في اتجاه المدينة، والسبب في ذلك هو أن عدد كبير من القبائل بين المدينة وبين الشام قد دخلت في الإسلام، ولو ظل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة وترك هذه القبائل في مواجهة الجيوش الرومانية فهذا معناه التدمير الكامل لهذه القبائل
وندب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين للخروج، وتجمع جيش كبير قوامه ثلاثون ألف مقاتل وخرج الجيش من المدينة في يوم الخميس غرة "رجب" من السنة التاسعة من الهجرة
وكانت هذه هي أصعب غزوات الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن المسافة بعيدة جدًا، تصل الى حوالى ألف كيلو متر، في صحراء قاحلة وطرق وعرة، والحرارة شديدة جدًا
ليس هذا فحسب بل كان هناك عدد قليل من المراكب، فكان كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر يتعاقبون على بعير واحد، ومعنى هذا أن كل رجل في الجيش يسير على قدميه حوالى سبعمائة كم
طريق الرسول الى "تبوك"
=================
دخول المسلمون في جوع وعطش شديدين
وكانت المؤن قليلة جدًا حتى كان الرجلين يقسمان التمرة بينهما، وكان النفر يَتَدَاوَلُونَ التَّمْرَةَ بَيْنَهُمْ ، يَمُصُّهَا هَذَا، ثُمَّ يَمُصُّهَا هَذَا، ثُمَّ يَمُصُّهَا هَذَا، واضطر الصحابة الى أكل ورق الشجر حتى تورمت شفاههم
ثم نفذ الماء وأصاب الجيش عطش شديد، يقول أحد الصحابة "حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ" وبدأ المسلمون من شدة العطش ينحرون الأبعرة ويعصرون ما في بطونها من فرث ليشربوه، مع قلة الأبعرة وحاجتهم الشديدة اليها
دخل المسلمون في جوع وعطش شديدين
=================
دعاء الرَسُولُ واستجابة الله تعالى لدعائه
وجاء "عمر بن الخطاب" الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- ان الله قد عودك في الدعاء خيرًا فادع الله لنا
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- أتحب ذلك ؟
قال عمر:
- نعم
فرفع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه، فلم يرجعها حتى تجمعت السحب في السماء ونزل المطر، فسقوا وارتوا وسقوا أنعامهم
ثم قال عمر:
- يا رسول الله لو جمعنا ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها
فجاء المسلمون بكل ما ما بقي لهم من طعام، فبارك الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها حتى ملأ الزاد والطعام كل المعسكر
رفع الرَسُولُ يديه فلم يرجعها حتى تجمعت السحب ونزل المطر
=================
تخلف المنافقون أثناء سير الجيش
من المواقف التى حدثت أثناء سير الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن بعض المنافقون كانوا يتخلفون عن الجيش، ويعودون الى المدينة، فكان الصحابة يقولون:
- يا رسول الله تخلف فلان
فيقول الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.
=================
كن أبا ذر
وكان "أبو ذر" خلف الجيش وقد أبطأ به بعيره، حتى تخلف عن الجيش، فقال الصحابة:
- يا رسول الله تخلف أبو ذر
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.
فلما تخلف "أبو ذر" عن الجيش ترك بعيره، وأخذ متاعه وجعله على ظهره، وخرج يتبع جيش المسلمين ماشيًا، حتى نزل المسلمون بعض المنازل، فلحق بهم "أبو ذر" فقال أحد المسلمون:
- يا رسول الله هذا رجل يمشى على الطريق
يا رسول الله هذا رجل يمشى على الطريق
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- كن أبا ذر
فلما اقترب تبينه المسلمون وقالوا:
- يا رسول الله هو والله أبو ذر
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- رحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده
=================
الجيش يمر على منازل "ثمود" والرسول يأمر بعدم شرب مياه من آبارها
ومر الجيش في سيره على منازل "ثمود" قوم "صالح" وهذه المنطقة لا تزال موجودة في شمال المملكة السعودية، وهي منطقة سياحية يأتي اليها السياح بالآلاف كل عام، وقد أخبرالقرآن العظيم أن قوم صالح قد أهلكوا في هذه المنطقة، وهذه المنطقة بها أبيار للمياه، فأسرع المسلمون وشربوا وملئوا أوعيتهم بالماء، وعجنوا العجين بهذا الماء ليصنعوا خبزًا يأكلوه بعد طول جوع
ولكن المفاجأة أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أمرهم بأمر شاق جدًا، وهو ألا يشربوا من هذا الماء، حتى العجين الذي عجنوه بهذا الماء فلا يأكلوا منه، بل يعطونه طعامًا للإبل، لأن هذا الماء هو ماء قوم ثمود فهو ماء غير مبارك، يقول الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- لا تشربوا من مائها شيئاً، ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فأعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً
وكان يمكن أن يجادل أحد المسلمين ويقول أن الماء يمكن أن يشرب منه المسلم والكافر والبر والفاجر، والرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه كان يشرب من ماء مكة، وكان كل أهلها كافرون، ولكن لم يقل أحد من المسلمين هذا الكلام للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يجادل أحد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن عبودية الله تعالى وطاعة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تقتضى معرفة الحكمة من كل أمر، بل إن بعض الأوامر قد يخفي الله عز وجل حكمتها عنا ليختبر مدى طاعتنا له، يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا
اذن كان هذا الأمر من الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو اختبار جديد وابتلاء جديد للمسلمين فوق ما هم فيه من ابتلاء، مثل ابتلاء جيش طالوت بعدم شرب المياه من النهر، بل ومثل ابتلاء المسلمين بتحريم أكل لحوم الحمير الأهلية في خيبر
ونجح الجيش في هذا الاختبار الجديد ولم يشربوا من ماء ثمود مع شدة حاجتهم له
آثار "ثمود" قوم "صالح"
=================
الرَسُولُ يأمر الجيش ألا يدخلوا ديار "ثمود" الا باكين
بل أمرهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا يدخلوا ديار قوم ثمود، الا باكين؛ تأثراً بما حدث لهم عندما خالفوا أمر الله عز وجل، يقول الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ لا يصيبكم ما أصابهم
وقنع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه بالثوب وغطاه وأسرع بالمسير، ولم يدخل
وهذا الكلام ينطبق على كل آثار باقية لقوم أهلكوا بسبب معصيتهم، لا يسعي المسلم لدخول هذه الأماكن، واذا دخلها لا يدخلها في فرح وسرور ويلتقط الصور، وانما يدخلها في بكاء وتأثر وتذكر وتدبر!
وهكذا حال المسلم في حركة من حركات الحياة، الآخرة هي محور حياته وهي نصب عينيه دائمًا، وليست الحياة الدنيا
أمر الرَسُولُ الجيش ألا يدخلوا ديار "ثمود" الا باكين
=================
الرسول يخبر بمكان ناقته الضالة
أثناء سير الجيش ضلت ناقة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال بعض المنافقين:
- كيف يأتيه خبر السماء، ولا يدري أمر ناقته ؟!
وعلم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن طريق الوحي بما قاله هذا المنافق، فقال:
- إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في الوادي قد حبستها الشجرة بزمامها
فانطلق بعض المسلمون فجاءوا بها
=================
وفاة "ذُو البِجَادَينِ"
من المواقف التى حدثت في غزوة "تبوك" وفاة "ذُو البِجَادَينِ" أحد صحابة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و"ذُو البِجَادَينِ" كان من قبيلة "مزينة" فلما أسلم جرده أهله من كل أمواله، حتى جردوه من ثيابه، وكان يعلمون شدة حياءه، فأخذ "بجاد" وهو كساء غليظ مخطط، وشقه واتزر بأحدها وشق الآخر، ودخل المدينة كذلك، وصلى الصبح مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتصفح الوجوه بعد الصلاة، فلما رآه قال له:
- من أنت يا فتى
فقال: أنا عبد العزي بن كذا وانتسب له، فقال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- بل أنت عبد الله
ثم قال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- انزل قريبًا منا
وأطلق عليه الصحابة "ذُو البِجَادَينِ" وصحب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان كثير العبادة، وكثير قراءة القرآن
فلما كانت غزوة تبوك" خرج مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أصحابته حمى ومات، يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ :
- قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر ، وَإِذَا عبد الله ذو البجادين المزني قَدْ مَاتَ ، واذا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحفر، ثم قال: أَدْلِيَا لِي أَخَاكُمَا ، ثم وضعه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده وقال: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتَ لَأَوَّابًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ .
يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
- لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ .
وكان "ذُو البِجَادَينِ" هذا الشاب الصغير أحد خمسة فقط نزل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه الى قبورهم
يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ " لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ"
=================
فرار الجيوش الرومانية الى داخل بلادها
وصل المسلمون أخيرًا الى تبوك، ولكن كانت المفاجأة أن الجيوش الرومانية العملاقة التى تحكم وتسيطر على نصف العالم القديم تقريبًا قد فرت الى داخل بلادها عندما علمت بقدوم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كيف فرت جيوش الإمبراطورية الرومانية العملاقة، وهي الدولة الأولى في العالم في ذلك الوقت، وبرغم تفوقهم الكبير على المسلمين في العدد والعدة والتاريخ والخبرات القتالية وتدريب الجنود ؟
لا نفهم هذا الا في ضوء الآية القرآنية العظيمة: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا
حين علمت الرومان بقدوم ثلاثون ألف مسلم وفيهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قارنت هذه الوضع بالمواجهة التى كانت في "مؤتة" منذ عام واحد، وكيف كان التفوق لصالح المسلمون، وكيف كان عدد القتلى من الرومان أكثر من المسلمين، برغم أن عددهم كان ثلاثة آلاف مقاتل فقط، أي عُشْر العدد الموجود في تبوك، ولم يكن معهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولذلك كان قرار الرومان هو الإنسحاب المخزي أمام الدولة الإسلامية الناشئة
=================
الرسول يظل في أرض تبوك عشرين يومًا كاملًا
ولم يكتف الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بانسحاب الرومان ونجاة الجزيرة العربية من هذا الغزو، والذي كان سيكون مدمرًا للدولة الإسلامية، ولكن ظل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والجيش الإسلامي الضخم في أرض تبوك عشرين يومًا كاملًا، مع أن عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت هي البقاء في أرض المعركة ثلاثة أيام فقط ليثبت أنه الجيش المنتصر
بقى الجيش في أرض تبوك عشرين يومًا
=================
سرية "دومة الجندل" وأسر "أكيدر"
ليس هذا فحسب بل قام الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك بارسال سرية قوامها 420 فارسًا بقيادة خالد بن الوليد الى "دومة الجندل" وهي منطقة ضخمة في شمال الجزيرة تدين النصرانية وموالية للإمبراطورية الرومانية، وتقع على بعد أكثر من 300 متر من "تبوك"
وأخبر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "خالد بن الوليد" بانه سيجد ملكهم "أكيدر بن عبد الملك" يصيد البقر، وقال "إنك ستجده يصيد البقر"
وبالفعل عندما وصل "خالد بن الوليد" الى حصن "دومة الجندل" جاء البقر الوحشي يحك قرونه في باب الحصن، فنظر اليها "أكيدر" من سطح الحصن ومعه امرأته، فقالت امرأته:
- هل رأيت مثل هذا ؟
قال:
- لا
قالت:
- فهل يترك هذا ؟
قال:
- لا
جاء البقر الوحشي يحك قرونه في باب الحصن
فأمر بفرسه وخرج ومعه نفر من أصحابه، وأخذ في مطاردة البقر، فتلقته خيل "خالد بن الوليد" ودار قتال محدود، انتهت بأسر "أكيدر" وجاء به "خالد بن الوليد" الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وكان "أكدير" يرتدي ثيابًا من الحرير مشغولة بالذهب، فأخذها "خالد" وقدمها للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل الصحابة يتعجبون من هذه الثياب، فقال لهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا
و"سعد بن معاذ" هو سيد "الأوس" الذي استشهد في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة
أسلم "أكيدر" وصالح الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على دفع الجزية، وخلى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبيله
خرج "أكيدر" فتلقاه "خالد بن الوليد" وأسره
=================
قدوم ملوك وأمراء الشام لمصالحة الرَسُولُ على الجزية
ولم يقف نجاح الحملة العسكرية عند هذا الحد، بل أتى ملوك وأمراء مدن الشام الذين يجاورون الجزيرة العربية، والموالين للإمبراطورية الرومانية لمصالحة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الجزية، بعد أن أدركوا أن أسيادهم القدماء قد ولت أيامهم
وكان من الذين جاءوا "يُحَنَّةُ بن رُؤْبَةَ" صاحب مدينة "أيْلَةَ" -العقبة الآن- وكذلك أهل "جَرْبَاء" وأهل "أذْرُح"
وهكذا أحكم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيطرته على كامل شمال الجزيرة العربية، وأصبحت حدود الدولة الإسلامية ملامسة لحدود الإمبراطورية الرومانية، وفقدت الإمبراطورية الرومانية حلفائها في شمال الجزيرة العربية، كما سقطت هيبة الدولة الرومانية سقوطًا مدويًا، ومهد هذا للفتوحات الإسلامية في بلاد الشام التى تمت بعد ذلك في عهد عمر بن الخطاب
جاء لمصالحة الرسول صاحب "أيْلَةَ" وأهل "جَرْبَاء" وأهل "أذْرُح"
=================
عودة الرَسُولُ من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة
عاد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة، ولكن أثناء عودة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك حدثت عدد من المواقف الهامة نتحدث عنها في الفصل القادم
*********************************
لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا
*********************************
|