أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الثاني والعشرون: الأحداث من غزوة تبوك
حتى وفاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الفصل الثامن والأربعون بعد المائتين
*********************************
من أحداث السنة التاسعة
اسلام ثقيف
*********************************
*********************************
العام التاسع: عام الوفود
ما زلنا في السنة التاسعة من الهجرة، وانتهينا حين عاد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة من الهجرة
وقلنا أن السنة التاسعة شهدت المدينة حضور مكثفًا للوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية، حتى أطلق على العام التاسع من الهجرة "عام الوفود" وقد زادت هذه الوفود عن ستين وفدًا، وقيل أنها وصلت الى مائة وفد
وقد بدأت هذه الوفود في القدوم الى المدينة بعد فتح مكة وحرب هوازن، ثم ازدادت كثافة بعد غزوة "تبوك" بعد أن شاهدت القبائل العربية الجيش المسلم العملاق والذي قوامه ثلاثون الف مقاتل والف فرس وهو يقطع الجزيرة العربية شمالًا حتى وصل الى تبوك، وشاهد جيوش الإمبراطورية الرومانية، وهي أقوي دولة في العالم في ذلك الوقت -لأن آخر مواجهة بين الفرس والروم كانت لصالح الروم- وتحكم نصف دول العالم القديم تقريبًا، شاهد العرب جيوش الإمبراطورية الرومانية وهي تنسحب انسحابًا مخزيًا أمام الجيش الإسلامي، فعلمت هذه القبائل أن لا قبل لها بالدولة الإسلامية الناشئة فجائت الى المدينة لمبايعة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وبعض هذه القبائل جاء الى المدينة مقتنعًا بالإسلام، والبعض جاء خوفًا وطمعًا في الدولة الإسلامية الناشئة القوية
وكان أول هذه الوفود قدوماً بعد تبوك، وأهم هذه الوفود من ناحية الأثر كان وفد ثقيف: فمن هي ثقيف ؟ وما قصة هذا الوفد؟ وما قصة اسلام ثقيف ؟
====================
"ثقيف" و"الطائف"
"ثقيف" هي أكبر "بطون" قبيلة "هوازن" وقد قلنا أن "هوازن" واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية، تضم عدد كبير من البطون، وأكبر هذه البطون وأشهرها هي "ثقيف" وكانت شبه مستقلة عن "هوازن" وتسكن مدينة الطائف على بعد حوالى 100 كم جنوب شرق مكة، وكانت "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد "مكة"
====================
رحلة الرسول الى "الطائف" في السنة العاشرة من البعثة
وفي شوال من السنة العاشرة من البعثة ذهب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الطائف ليعرض عليهم الاسلام، وجلس الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع ثلاثة من زعماء الطائف، على رأسهم "ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ" ولكنهم رفضوا الإسلام، وقال له أحدهم: والله لو وجدتك متعلقًا بأستعار الكعبة ما صدقتك، وقال الآخر: أما وجد الله غيرك حتى يرسله، وقال الثالث: إما أنك نبيًا حقًا فأنت أعظم من أن أكلمك، واما أنك تكذب فأنت أدني من أن أكلمك
ليس هذا فحسب بل أرسلوا خلف الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبيدهم وسفائهم، وأخذوا يسبونه ويقذفونه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وظلوا يتعقبونه بالسباب والحجارة مسافة خمسة كيلوا مترات، حتى دخل حديقة لأحد أشراف مكة فاحتمي بها
رحلة الرسول الى "الطائف" في السنة العاشرة من البعثة
====================
حنين وحصار "الطائف"
وبعد فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة تجمعت كل قبائل هوازن لأول مرة في تاريخها في جيش ضخم لحرب المسلمين، وكانت معركة "حنين" ورأينا كيف انكشف المسلمون في بداية المعركة، ثم تجمع المسلمون حول الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحولت الهزيمة الى نصر، وانسحبت هوازن الى مدينة "الطائف" فاتجه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى مدينة "الطائف" وقام بحصار الطائف شهرًا كاملًا، ولم ينجح المسلمون في اقتحام الطائف، فاستشار الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصحابة ثم قرر رفع الحصار عن الطائف والرجوع الى المدينة
====================
اسلام "عروة بن مسعود" وقتله على يد "ثقيف"
بعد عودة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى المدينة، وفي السنة التاسعة من الهجرة، قدم على الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة "عروة بن مسعود الثقفي" وهو أكبر زعماء الطائف، وأسلم بين يدي الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال عنه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يشبه المسيح –عليه السلام-
ثم سأل "عروة بن مسعود" الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرجع الى قومه بالإسلام، فقال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- إن فعلت فانهم قاتلوك
فقال عروة:
- يا رسول الله أنا أحب اليك من أبصارهم
فعاد "عروة" وأظهر اسلامه ودعا قومه الى الإسلام، ولكنهم رفضوا الإسلام وسبوه وأغلظوا له القول، وفي فجر اليوم التالي، صعد "عروة" على سطح منزله وأذن للصلاة، فخرج أحد رجال ثقيف ورماه بسهم فوقع على الأرض
وقال له أهله:
- ما تري في دمك ؟
فقال عروة:
- كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ
ثم اوصى أن يدفن مع شهادء المسلمين الذين قتلوا أثناء حصار الطائف، فلما بلغ الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
- مَثَلُ عروة في قومه مَثَلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه
قال عروة: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ
====================
"ثقيف" في وضع لا تحسد عليه
وبرغم أن "ثقيف" قد قتلت "عروة بن مسعود" في هذا المشهد التراجيدي، الا أن ثقيف كانت في وضع لا يحسد عليه:
- أولًا: هُزِّمَت "ثقيف" هزيمة نكراء أمام المسلمين في "حنين" حتى بعد أن حاصر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطائف لمدة شهر، لم تجرؤ "ثقيف" على الخروج لمواجهة المسلمين، بالرغم من أن نسائهم وأبنائهم وأموالهم كانت في أيدي المسلمين
- ثانيا: أسلمت تقريبًا جميع قبائل الجزيرة العربية، حتى بطون "هوازن" نفسها، والتى "ثقيف" أحد بطونها، أسلمت ولم يبق منها الا ثقيف، ولا تستطيع "ثقيف" أن تقف أمام كل العرب
- ثالثًا: اسلام ثم مقتل "عروة بن مسعود" كان حدثًا جليلًا ومزلزلًا في "ثقيف" لأن "عروة" كان محبوبًا ومطاعًا في قومه
- رابعًا: أن "مالك بن عوف النصري" والذي كان قائد جيش "هوازن" في غزوة "حنين" ضد المسلمين، كان قد أسلم وكلفه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحصار الطائف، فضيق ذلك عليهم بشدة، وأخذ الوضع الإقتصادي في التردي نتيجة هذا الحصار، وفقدت الطائف مكانتها التجارية، لأنها أصبحت مكان غير آمن، ولا يستطيع التجار من العرب وغيرهم الدخول اليها
====================
قدوم وفد من "ثقيف" الى المدينة
كل هذه الأسباب جعلت ثقيف تفكر في الإسلام، ولذلك بعد عودة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوة "تبوك" مباشرة، في شهر "رمضان" من السنة التاسعة من الهجرة، جاء الى المدينة وفد من "ثقيف" مكونًا من ستة، على رأسهم أحد أبرز سادة "ثقيف" وهو "عبد ياليل بن مسعود" وهو نفس الشخص الذي رد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ اثنى عشر عامًا عندما جاء الى"الطائف" ليعرض عليهم الإسلام، ورد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الرد السيء الذي تحدثنا عنه
فلما قدم هذا الوفد الى المدينة، كان أول من رآهم "المغيرة بن شعبة" كان يرعي خارج المدينة، فلما رآهم نهض مسرعًا حتى يبشر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلقيه "أبو بكر الصديق" وأخبره بقدوم "ثقيف" فقال له أبو بكر:
- أَقْسَمَتْ عَلَيْك بِاَللّهِ لَا تَسْبِقْنِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَكُونَ أَنَا أُحَدّثُهُ
فذهب "أبو بكر" وبشر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثم ذهب اليهم "المغيرة بن شعبة" وعلمهم كيف يحيون الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما دخلوا على الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحيوه كما علمهم المغيرة بتحية الإسلام، وانما حيوه بتحية الجاهلية، وكانت هذه هي أول علامة أن وفد "ثقيف" لم يأت مسلمًا رغبة في الإسلام، وانما جاء رغبًا ورهبًا في الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة القوية
قدم وفد "ثقيف" فكان أول من رآهم "المغيرة بن شعبة"
====================
الرسول يستقبل وفد "ثقيف"
استقبل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفد "ثقيف" استقبالًا طيبًا يليق بنبى كريم، ولم يذكرهم بشيء من هذا التاريخ الطويل من العداء والذي بدأ منذ زيارته أول مرة للطائف في السنة العاشرة من البعثة، حتى معركة "حنين" منذ بضعة شهور، وأمر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تضرب لهم خيمة في المسجد، حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم، ويستمعوا الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويشاهدوا أحوال المسلمين، ويتعلموا الإسلام، ويسمعوا القرآن
فكانوا يمكثون في المسجد، ثم يذهبون الى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك، وكانوا قد تركوا رحالهم خارج المدينة
====================
"عثمان بن أبي العاص"
وكان وفد "ثقيف" قد تركوا عند رحالهم لحراستها أصغرهم سنًا، وهو "عثمان بن أبي العاص" وكان عمره سبعة وعشرين عامًا، فكانوا اذا ذهبوا الى رحالهم، تركهم "عثمان بن أبي العاص" وذهب الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليتعلم على يديه، واذا لم يجد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يجلس الى "أبي بكر الصديق" أو "أبي بن كعب" ويتعلم منه القرآن
وحفظ "عثمان بن أبي العاص" في هذه الأيام سورة البقرة، ثم أتي الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- يا رسول الله ! إن القرآن يتفلت مني
فوضع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده على صدره وقال :
- يا شيطان اخرج من صدر عثمان
يقول:
- فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه
ثم جاء "عثمان بن ابي العاص" الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- يا رسول الله ! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي
فقال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا أحسسته ، فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا
فاذا أحسست بوسوسة الشيطان في الصلاة، فيجوز لك بل يستحب أن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تلتفت برأسك فقط جهة اليسار، وتتفل ثلاثة مرات، والتفل هو النفخ معه قليل من الريق، وهو ليس مثل النفث، فالنفث نفخ بلا ريق، كما أنه غير البصق
واذا كنت في صلاة جماعة فيكفي أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
وأعجب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثمان بن أبي العاص وأحبه، ورأي فيه خيرًا كثيرًا، وسنجد بعد ذلك لعثمان بن أبي العاص سيرة طيبة، وعطاءًا عظيمًا للدولة الإسلامية، وله فتوحات حتى فارس والهند
يا رسول الله ! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي
====================
الوفد يساوم الرسول في أمور غريبة
جاء الوفد بعد ذلك ليسلم على يدي الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنهم أرادوا الإسلام بشروط معينة، فتحدث زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل" وقال:
- أفرأيت الزنى ، فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه ؟
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- هو عليكم حرام ، فإن الله عز وجل يقول ))ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا))
قال:
- أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها ؟
قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- لكم رءوس أموالكم إن الله تعالى يقول)) ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين((
قال:
- أفرأيت الخمر ، فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها ؟
قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- إن الله قد حرمها ، وقرأ)) ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم ((
ثم طلبوا طلبًا أخيرًا غريبًا، وهو أن يتم اعفائهم من الصلاة، فرفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجددًا وقال
- لا خير في دين لا صلاة فيه
ولا شك أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حزينًا وهو يستمع الى هذه المناقشة، لأن هذه المساومات كانت تدل على أن هذا الوفد لم يأت مقتنعًا بالإسلام، وانما جاءوا خوفًا من الدولة الإسلامية، وأن هذه الأيام التى قضوها في المدينة وفي مسجد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم تؤثر فيهم
أخذ الوفد يساوم في امور غريبة
====================
الوفد يساوم في هدم صنم اللات
ثم خلا القوم بعضهم ببعض للتشاور، وقالوا :
- ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوما كيوم مكة ، انطلقوا نكاتبه على ما سألناه
فأتوا الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقال زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل":
- نعم ، لك ما سألت
ثم قال:
- أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟
والربة هي صنم "اللات" وقد ذكرنا أنها كانت من أعظم أصنام العرب، وكان يقسم بها ويهدي اليها ويذبح عندها
فرد الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنتهي الحزم وقال:
- اهدموها
ففزع الوفد وقال كنانة :
- هيهات ، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها ، لقتلت أهلها
فقال عمر بن الخطاب :
- يا ابن عبد ياليل ، ما أجهلك ، إنما الربة حجر .
فقال له :
- إنا لم نأتك يا ابن الخطاب
قال كنانة : هيهات ، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها ، لقتلت أهلها
====================
الوفد يساوم في توقيت هدم "اللات"
فلما رأي الوفد حزم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واصراره بدؤا يساومون في توقيت هدم صنم اللات، فطلبوا من الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يترك اللات ثلاثة سنوات قبل أن يهدمها، فرفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطلبوا أن يتركها سنتين، فرفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: سنة فرفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطلبوا شهرًا واحدًا فرفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أسقط في أيديهم قالوا:
- تول أنت هدمها ، فأما نحن ، فإنا لا نهدمها أبدا
فأجابهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى ذلك وقال:
- فسأبعث إليكم من يكفيكم هدمها.
فقالوا:
- ائذن لنا قبل رسولك ، ثم ابعث في آثارنا ، فإنا أعلم بقومنا
يعنى لا ترسل من يهدم اللات فورًا، ولكن دعنا نمهد لثقيف هذا الأمر، فوافقهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك
ثم قالوا:
- يا رسول الله ! أمر علينا رجلا يؤمنا من قومنا
فأمر عليهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عثمان بن ابي العاص" مع أنه كان أصغرهم سنًا وهو الذي كانوا يتركونه في رحالهم، لأن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام، ووجد فيه كفاءة قيادية
ورفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يؤمر عليهم زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل" لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدم اقتناعه بالإسلام
وكان تأمير الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعثمان بنت ابي العاص وهو شاب صغير، ولم يؤمر "عبد ياليل" وقد أمر من قبل على مكة "عتبة بن أسيد" وهو أيضُا شاب، وعزل "أبو سفيان" يدل على اقتناع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإمكانيات الهائلة للشباب
====================
عودة الوفد واسلام "ثقيف"
انطلق الوفد، ولكن وبقي عندهم مشكلة مواجهة قومهم بكل هذا، وكانوا يعلمون أن غالبية "ثقيف" لا تزال ترفض الإسلام، فقال لهم "كنانة بن عبد ياليل"
- أنا أعلم الناس بثقيف، فاكتموهم القضية، وخوفوهم بالحرب والقتال، وأخبروهم أن محمدا سألنا أمورا أبيناها عليه ، سألنا أن نهدم اللات والعزى ، وأن نحرم الخمر والزنى والربا
فلما وصلوا الى "الطائف" خرجت "ثقيف" لاستقبالهم، فأظهر الوفد الحزن، واتجهوا الى اللات كما هي عادة "ثقيف" ونزلوا عندها، ثم قالوا لهم:
- أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف ، وداخ له العرب - يعنى خضع له العرب- ودان له الناس، فعرض علينا أمورا شدادا : هدم اللات، وترك الخمر والزنا والربا، وأمرنا بالصلاة
فقالت ثقيف:
- والله لا نقبل هذا أبدا
فقال لهم الوفد:
- فتهيئوا للقتال وتعبئوا له ورمموا حصونكم
ومكث "ثقيف" يومين، ثم القى الله تعالى في قلوبهم الرعب، فجاءوا الى الوفد وقالوا لهم:
- والله ما لنا به طاقة، وقد داخ له العرب، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل، وصالحوه عليه
فلما رأي الوفد ذلك قالوا لهم:
- فانا قد صالحناه على ذلك، ووجدناه أتقي الناس وأوفاهم
قالوا:
- فلم كتمتمونا هذا الحديث، وغممتمونا أشد الغم ؟!
قالوا:
- أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان
هكذا أسلمت كل "ثقيف"
أتينا رجلا فظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب
====================
سرية هدم صنم "اللات"
لم تمض الا أيام حتى جاءت السرية التى أرسلها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهدم صنم "اللات" وبرغم أن "ثقيف" قد دخلت في الإسلام، الا أن دخول "الطائف" وهدم صنمها أمر غير مأمون على الإطلاق، ومهمة شديدة الخطورة، ولذلك أرسل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السرية وأمر عليها القائد الفذ "خالد بن الوليد" وجعل مع هذه السرية "المغيرة بن شعبة" وهو من "ثقيف" فلا شك أن البطن الذي ينتمي اليه "المغيرة بن شعبة" من "ثقيف" وهو بطن "بنى متعب" سيقوم بحماية "المغيرة" وحماية المسلمين، كما أرسل "أبو سفيان بن حرب" وهذه ايضًا اشارة هامة الى أن زعيم الوثنية السابق هو الذي يذهب بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب
أرسل الرَسُولُ سرية لهدم اللات وأمر عليها القائد الفذ "خالد بن الوليد"
====================
"المغيرة بن شعبة" يسخرمن "ثقيف" ويهدم "اللات"
فلما وصلت هذه السرية اتجهت فورًا الى اللات، فخرجت كل "ثقيف" رجالًا ونساءًا وأطفالًا وتجمعت تشاهد هذا الحدث، وأغلب "ثقيف" تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم "اللات"
فقام "المغيرة بن شعبة" وقال لأصحابه لأضحكنكم من "ثقيف" فأخذ المعول، فضرب اللات ضربة، ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع، فاضطربت كل "ثقيف" وأخذت تصيح، وتقول "قتلته الربة" وفرحت "ثقيف" وصاحوا: من شاء منكم فليقترب ويهدمها
فوثب "المغيرة" وهو يقول:
- قبحكم الله يا معشر ثقيف، انما هي حجارة لا تضر ولا تنفع، فاقبلوا عافية الله واعبدوه
ثم قام المغيرة وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها، ثم قال السادن لإن هدموا الأساس ليخسفن بهم، فسمع المغيرة ذلك، فقال لخالد "دعنى أحفر أساسها" فحفر الأساس حتى أخرج التراب، واسقط في يد "ثقيف" وبهتت
ثم عاد الوفد الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحليها وكسوتها، فقسمه على المسلمين وحمد الله وأثنى عليه
قال المغيرة: قبحكم الله يا معشر ثقيف، انما هي حجارة لا تضر ولا تنفع
====================
حسن اسلام "ثقيف"
هذه هي قصة اسلام ثقيف وهي آخر القبائل الكبيرة التى دخلت في الإسلام، وبرغم أنها كانت آخر القبائل دخولًا في الإسلام، الا أنها لم تكن من ضمن القبائل التى ارتدت عن الإسلام بعد وفاة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
|