أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الثاني والعشرون: الأحداث من غزوة تبوك
حتى وفاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الفصل الرابع والخمسون بعد المائتين
*********************************
"ضمان بن ثعلبة"
الوافد المبارك
*********************************
*********************************
وفد "بنو سعد بن بكر" أحد بطون هوازن
من الوفود العجيبة التى قدمت المدينة، هو وفد "بنو سعد بن بكر" أحد بطون هوازن، وكان هذا الوفد الذي أرسلته "بنو سعد بن بكر" رجل واحد، وهو "ضمام بن ثعلبة" وذلك لثقتها فيه وفي رأيه
قدم هذا الرجل على جمل له، ودخل المسجد بجمله، وأناخه في المسجد، وعقله، ثم قال:
- أيكم محمد" ؟
فقالوا له:
- هذا الرجل الأبيض المتكيء
ومعنى متكيء يعنى جالسًا مسندًا ظهره أو جنبه الى شيء
وانظروا الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو سيد الأنبياء والرسل، وخير البشر، وهو القائد الذي دانت له الجزيرة العربية، وخضع له كل العرب، للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية، وواجه الروم وانسحبوا من أمامه، يجلس بين أصحابه وأتباعه وجنوده، على الأرض متكئًا، حتى أن الغريب لا يعرفه من بينهم حتى يسأل عليه
ودائمًا الشخصيات المشهورة تحاول أن تبتعد عن الناس، لأنها تعلم أنها اذا خالطت الناس فسيرون عيوبهم وستسقط الهالة التى حولهم، أما الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو شديد الإختلاط بأصحابه، وكلما خالط أصحابه كلما ازدادوا له حبًا، وكلما ازداد هيبة في قلوبهم، واجلالًا في أعينهم
قدم "ضمام بن ثعلبة" على جمل له، وأناخه في المسجد
===========
لقاء "ضمام" بالرسول
تقدم هذا الرجل وهو "ضمام بن ثعلبة" الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له:
- يا ابن عبد المطلب
فقال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- قد أجبتك
قال الرجل:
- إني سائلك فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد عليّ في نفسك
فقال له الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تواضع وسعة صدر:
- سل عما بدا لك
(الآن تجد في الإذاعة اذا اتصل أحد يريد طرح سؤال يقول له المذيع: اختصر لو سمحت، واذا سأل أكثر من سؤال، يقطع عليه الإتصال ويقول له اعط فرصة لغيرك)
قال الرجل: يا محمد! أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق، قال الرجل: فمن خلق السماء؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الله، قال الرجل: فمن خلق الأرض؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الله، قال الرجل: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الله، قال الرجل: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نعم. قال الرجل: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق، قال الرجل: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نعم. قال الرجل: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، تؤخذ من أغنيائنا فتقسم في فقرائنا، قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق، قال الرجل: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نعم. قال الرجل: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدقك. قال الرجل: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نعم. قال الرجل: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق.
فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر .
|
ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، ثم ولى، فقال صلى الله عليه وسلم:
- لئن صدق ليدخلن الجنة.
يعنى اذا قام المسلم بهذه الفروض دون نقص فانه سيدخل الجنة، أما النوافل فهي ترفع من درجات العبد في الجنة، وتجبر كسر الفروض المنقوصة، وهذا من يسر الإسلام
والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن
===========
"ضمام بن ثعلبة" الوافد المبارك
عاد "ضمام بن ثعلبة" الى قومه، واجتمع حوله الناس يستمعون اليه، فكان أول شيء تكلم به أن قال:
- بئست اللات والعزى
قالوا:
- مه يا ضمام ! اتق البرص والجذام، اتق الجنون
قال:
- ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.
ولا يزال ضمام بقومه، حتى أسلموا جميعًا رجالًا ونساءًا في نفس اليوم الذي عاد فيه، ولذلك يقول "ابن عباس" الذي روي لما هذه القصة أن "ضمام بن ثعلبة" هو أفضل وافد سمعوا به
===========
دروس هامة من قصة "ضمام"
والشاهد من هذه القصة مرة أخري أن العبرة ليست بالكثرة، وقد غير شخص واحد من واقع قبيلة بأكملها
والأمر الثاني الهام جدًا أن "ضمام" معلوماته في الإسلام -والتى كانت سببًا في هداية قبيلة كاملة- معلومات يسيرة وقليلة ويعرفها كل مسلم، فلا يعتذر أحد عن دعوة الناس ومحاولة هدايتهم ويقول أن معلوماته قليلة، أو أنه غير مؤهل للدعوة
الأمر الثالث: أن قبيلة "ضمام" قد اتبعته لأن له مكانته في قبيلته، وكل القبيلة تثق فيه وفي رأيه، حتى أنها أرسلته وحده الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد تبعته القبيلة لمكانته تلك، فحتى تكون نافعًا للإسلام لابد أن تكون ناجحًا
|
|
|
|
|