أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الرابع والعشرون:
من أخلاق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
*********************************
الفصل الخامس والسبعون بعد المائتين
خلق الكرم
عند الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
*********************************
*********************************
الكرم: هو انفاق الكثير من المال بسهولة من النفس
وقد حث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذا الخلق الطيب وهو خلق الكرم، فقد روي البخاري ومسلم عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلا مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا"
============
وصفة الكرم أمر في طبيعة شخصية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قبل البعثة، وعندما جاء الوحي الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في غار حراء، وجاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى السيدة خديجة وهو يرتجف، وقال لها: لقد خشيت على نفسي، قالت له السيدة خديجة:
- لا والله لا يخزيك الله أبدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
============
يقول ابن عباس "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"
ويقول جابر بن عبد الله "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ"
============
عن سهل بن سعد، أنه قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ، فقالت:
- يا رسول الله، أكسوك هذه.
فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محتاجًا إليها فَلَبِسَهَا، فرآها عليه رجلٌ من الصحابة، فقال:
- يا رسول الله، ما أحسن هذه، فَاكْسُنِيهَا.
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- نَعَمْ
فلمَّا قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَمَهُ أصحابه، قالوا:
- ما أحسنْتَ حين رأيتَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذها محتاجًا إليها، ثمَّ سألته إيَّاها، وقد عرفت أنَّه لا يُسْأَل شيئًا فيمنعه
فقال الرجل:
- رجوت بركتها حين لبسها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعلِّي أكفَّن فيها
يقول "سهل": فكفن فيها
رجوت بركتها حين لبسها النَّبيُّ
============
وكان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كساء أسود، فقالت له أمّ سلمة:
- بأبي أنت وأمّي ما فعل ذلك الكساء الأسود؟
فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- كسوته
فقالت:
- ما رأيت شيئا قطّ أحسن من بياضك على سواده.
============
تقول أحد نساء الصحابة واسمها" الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ": أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطبق من رُطَبٌ، فأعطاها ملء كفها حليًا من ذهب، وقال : تَحَلَّيْ بِهَذَا
أتيت رسول الله بطبق من رُطَبٌ
============
وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق، ويتألف بذلك قلوب الناس، وراينا في غزوة حنين عندما أنفق الكثير من الغنائم على زعماء القبائل العربية، فأنفق على "أبو سفيان" مثلًا هو واثنين من أبنائه ثلاثمائة من الإبل، وهي تعدل الآن حوالى أربعة ملايين جنيه مصري، وذهل "أبو سفيان" من هذا العطاء، وقال
- ما أعظم كرمك فداك أبي وأمي، لقد حاربتك، فنِعْمَ المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت
فتحول "أبو سفيان" في لحظة من شامت بالمسلمين عندما كادت أن تقع بهم الهزيمة في أول المعركة بحنين، الى محب ومادح للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنتمي للدولة الإسلامية التى رفعت من شأنه
يقول "أنس": جَاءَ رَجُلٌ الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأله الصدقة فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ.
يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ.
============
وعندما وقعت أخت "حاتم الطائي" في الأسر، ثم أطلقها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهبت الى أخيها بالشام "عدي بن حاتم الطائي" وقالت له: أنه يفعل مالا يفعله أبوك، وما رأيت أجود ولا أكرم منه
============
تقول "أم سلمة" دخلت على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم ساهم الوجه، تقول: فحسبت أن ذلك من وجعٍ، فقلت:
- يا رسول الله، ما لك ساهم الوجه؟
فقال:
- مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَتَتْنَا أمس ولم ننفقها
============
وهو في مرض موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت عنده تسعة دنانير، فقال للسيدة عائشة :
- يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟
فقالت:
- هي عندي.
قال:
- تَصَدَّقِي بِهَا
تقول السيدة عائشة:
- فشُغِلْتُ به
ثم قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- يا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟
فقالت:
- هي عندي.
فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- ائْتِنِي بِهَا
قالت "فجئتُ بها، فوضعها في كفِّه" ثم قال:
- مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ أَنْ لَوْ لَقِيَ اللهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ؟".
يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟
============
هكذا كان كرمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجوده وسخائه، وهذه الصفة الحميدة هي جزء من صفات كثيرة عظيمة اتصف بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وصدق الله العظيم حين قال ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))
|