Untitled Document

عدد المشاهدات : 4501

الفصل الثامن والسبعون بعد المائتين: خلق المروءة عند الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الرابع والعشرون:
من أخلاق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
*********************************
الفصل الثامن والسبعون بعد المائتين
خلق المروءة
عند الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
*********************************

*********************************
المروءة لها تعريفات كثيرة، ولكن نقصد بالمروءة هنا هو: الوقوف بجانب المظلوم ، ونصرة الضعيف، ومساعدة المحتاج
=========
وصفة المروءة أمر في طبيعة شخصية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قبل البعثة، وعندما جاء الوحي الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في غار حراء، وجاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى السيدة خديجة وهو يرتجف، وقال لها: لقد خشيت على نفسي، قالت له السيدة خديجة: 
- لا والله لا يخزيك الله أبدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
=========
من المواقف التى تتجلى فيها مروءة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فترة الدعوة المكية قبل الهجرة، قدم رجل من خارج مكة الى مكة بابل له، فاشتراها منه "أبو جهل" ولكنه ماطله في ثمنها 
فأقبل الرجل حتى وقف على قريش وهي مجتمعة، ورسول الله جالس في ناحية من المسجد، وقال: 
- يا معشر قريش من رجل يأخذ لى حقي من أبي الحكم بن هشام، فقد غلبنى على حقي ؟ 
فقالوا له: 
- نعم هذا الرجل الجالس هناك
وأشاروا الى الرسول، وكانوا يقصدون بذلك الإستهزاء به وبالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يعلمون أن "أبو جهل" هو أشد قريش عداوة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهب الرجل الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له: 
- يا عبد الله، إن أبا الحكم بن هشامٍ قد غلبني على حقٍّي،  وأنا رجل غريب ابن سبيل، وقد سألتُ هؤلاء القوم عن رجلٍ يأخذ لي حقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقِّي منه يرحمك الله.
فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
- انْطَلِقْ إلَيْهِ
وقام معه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما رأته قريش قالوا لرجل منهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع، فجاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى وقف على باب "أبي جهل" فطرق الباب، فقال أبو جهل: 
- من ؟ 
فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 
- مُحَمَّدٌ، فَاخْرُجْ إِلَيَّ
فخرج اليه وقد امتقع لونه، فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 
- أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقّهُ ! 
فقال أبو جهل: 
- نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له
فدخل ثم خرج وأعطاه حقه، فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل: 
- الْحَقْ بِشَأْنِكَ
فذهب الرجل الى مجلس قريش وقال: 
- جزاه الله خيرًا، فقد والله أخذ لى حقي
ثم جاء الرجل الذي أرسلوه، فقالوا له: 
- ويحك ماذا رأيت
فقال لهم: حدث كذا وكذا وكذا، ثم لم يلبث أن جاء "أبو جهل" فقالوا له: 
- ويحك مالك، والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ؟ 
فقال لهم أبو جهل: 
- ويحكم والله ما هو الا أن ضرب على بابي وسمعت صوته حتى ملئت رعبًا، ثم خرجت فاذا فوق رأسه فحلًا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا أنيابه، والله لو أبيت لأكلنى 

=========
أغلب زيجات الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت مروءة منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
السيدة "سودة بنت زمعة" تزوجها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مروءة منه، لأنها كانت قد أسلمت هي وزوجها مبكرًا، وأنجبا ستة من البناء، ثم مات زوجها، فأصحبت في وضع لا تحسد عليه، لأن كل أهلها كانوا على الشرك، ولم يكن لديها تجارة ولا معها حرفة تنفق بها على نفسها وعلى عيالها، وفرصتها في الزواج تكاد تكون معدومة، لأنها لم تكن ذات حسب ولا جمال، وكانت –رضى الله عنه- بدينة، وكانت متقدمة في السن، فبقيت مع أهلها وحيدة مقهورة
فتزوجها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مروءة منه، وكفالة لها ولأبنائها، وانقاذًا لهم من الضياع
=========
كذلك السيدة "صفية بنت حي بن أخطب" كانت قد وقعت في السبي بعد غزوة "خيبر" وكانت ذات شرف فأبوها كان سيد "بنى النضير" وأمها سيدة "بنى قريظة" وكان قد قتل أبوها وزوجها، فتزوجها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انقاذًا لها من السبي
=========
السيدة "أم حبيبة بنت أبي سفيان" كانت من الذين أسلموا مبكرًا، وهاجرت مع زوجها "عبيد الله بن جحش" الى الحبشة، ولكن مرض "عبيد الله بن جحش" وهو في الحبشة ومات هناك، وأصبحت "ام حبيبة" في وضع لا تحسد عليه، فهي الآن أرملة، تعول طفلة، في بلد غريب، ليس أمامها الا أن تعيش على مساعدات المسلمين هناك، وهو أمر غير معقول لأنها ابنة سيد قريش، وعلم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقرر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتزوجها انقاذا لها من هذه الظروف، وأرسل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى النجاشي يخطبها، فدفع صداقها النجاشي نفسه، وأولم لها النجاشي وليمة فاخرة، وأرسها الى المدينة، والمفارقة أن أبيها "أبو سفيان" فرح جدًا بذلك الزواج

=========
في أحد السرايا وقعت ابنة "حاتم الطائي" في السبي واسمها "سفانة بنت حاتم الطائي" 
فلما جائت المدينة ومر بها الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت له: 
- يا محمد إن رايت أن تخلى عني، ولا تشمت بي قومي، وإن أبي كان يحمى الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي
فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- 
- يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق، وإن الله يحب مكارم الأخلاق 

=========
بعد غزوة "حنين" تتبع المسلمون "ثقيف" وقاموا بمحاصرة "الطائف" وأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بتجميع الغنائم والأسري والسبايا في وادي اسمه "الجعرانة" القريب من "حنين" حتى يفرغ من حرب "هوازن"
فكان من مروءة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببناء عريش حتى يستظل به الأسري من حرارة الشمس   
=========
وبعد أن رفع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحصار عن "الطائف" وعاد الى "الجعرانة" كان من مروءته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أن أجل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توزيع الغنائم عشرة أيام كاملة، أملًا في اسلام هوازن، فيرد اليهم الغنائم والأسري 
فلما جاءوا الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتوزيع الغنائم، رد اليهم غنائم "بنى هاشم" ثم كلم المسلمون في أن يردوا اليهم غنائمهم، ومن يكره أن يرد اليهم غنائمهم فيتحمل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفع قيمتها 
=========
من مروءة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موقف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع "مالك بن عوف" قائد جيش "هوازن" في غزوة "حنين" وهو الذي جمع كل قبائل "هوازن" في جيش واحد، وكان السبب في معركة "حنين" 
وكان "مالك بن عوف" قد فر بعد المعركة، حتى وصل الى "ثقيف" وكان موقف "مالك بن عوف" مئساويًا لأن "ثقيف" ليست قبيلته لأنه من "بنى نصر" فوضعه مثل اللاجيء عند قبيلة أخري، وكان منبوذًا لأنه المسئول عن مصيبة وفضيحة "هوازن" في فقد نسائهم وأبنائهم وأموالهم، لأنه الذي أصر أن تصحب "هوازن" معها نسائها وأبنائها وأموالها، وهو نفسه صحب معه نسائه وأبنائه وأمواله، وقد فقدهم وأصبحوا غنائم في أيدي المسلمين 
لقد كان "مالك بن عوف" في أشدِّ حالات الانكسار التي من الممكن أن يتعرض لها أي قائد.
وبينما هو في هذه الحالة المؤسفة المخزية، كان هناك من يفكِّر في أمره!! إنه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لقد سأل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مالك بن عوف، فقيل له: إنه في الطائف يخشى على نفسه. فقال  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- أَخْبِرُوا مَالِكًا إِنْ أَتَانِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ
فأسرع "مالك بن عوف" فأسلم بين يدي الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرد عليه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهله وماله، ثم أعطاه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائة من الإبل
هل يمكن أن يتخيل ذلك أحد ؟! هل يوجد في التاريخ كله قائد منتصر يتعامل بهذه المروءة وهذا الرقي مع زعيم الجيش المعادي له المهزوم أمامه ؟

=========
من مروءة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن أسلم "ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ" في السنة السادسة من الهجرة، وهو سيد "بنى حنيفة" قرر أن يمنع ارسال المواد الغذائية الى "مكة" حتى جهدت قريش، فكتبت قريش الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسألونه أن يسمح بارسال المواد الغذائية الى مكة، فأرسل النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –أن يعيد ارسال الغذاء الى مكة بالرغم من أن قريش –كما نعلم- قد حاصرت المسلمين في شعب أبي طالب ثلاثة سنوات كاملة، حتى كان المسلمون يأكلون أوراق الشجر، وحتى قال أحد الصحابة "كنا نبعر كما يبعر البعير" ولكن لم يرض النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –أن تجوع قريش وأن يجوع الشيوخ والنساء والأطفال
*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************