تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الثالثة
فضل فاتحة الكتاب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما بعد،،،
قبل أن نبدأ في تفسير سورة الفاتحة، نذكر فضل هذه السورة العظيمة
يقول تعالى في سورة "الحجر" وهو في معرض الإمتنان على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى الأمة كلها ((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ))
و"السبع الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" هي فاتحة الكتاب كما ثبت في الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وقد قال تعالى أنها "سَبْعًا" لأنها سبع آيات، ووصفها بأنها "مَثَانِي" لأنها تتكرر في كل صلاة، ووصفها بأنها "الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" لأن سورة الفاتحة جامعة لكل ما جاء في القرآن العظيم، وتَضَمَّنَتْ جَمِيعَ عُلُومِ الْقُرْآنِ .
حتى قال بعض أهل العلم أن الله تعالى أنزل كتباً -قيل أنها مائة وأربعة كتاب- وجمع هذه الكتب كلها في ثلاثة، هي: (الزبور، والتوراة، والإنجيل)، ثم جمع هذه الثلاثة في القرآن، وجمع القرآن في الفاتحة، وجمعت الفاتحة في "إياك نعبد وإياك نستعين"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من فضل الفاتحة أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر أنها أعظم سورة في القرآن
أخرج الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: قال لى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنِّي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ" ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في مسيرٍ فنزل ونزل رجلٌ إلى جانبِه قال فالتفت النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال ألا أخبِرُك بأفضلِ القرآنِ قال بلى فتلا { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "والذي نفسي بيده؛ ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن سورة مثلها، وإنها السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيت"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي مسلم عن ابنِ عباسٍ؛ قال: بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. سمع نقيضًا من فوقِه. (ومعنى النقيض صوت الباب عندما يفتح) فرفع رأسَه. فقال: هذا بابٌ من السماءِ فُتِحَ اليومَ. لم يفتح قط إلا اليومَ. فنزل منهُ ملكٌ. فقال: هذا ملكٌ نزل إلى الأرضِ. لم ينزل قط إلا اليومَ . فسلَّم وقال: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ كَانَ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَمْ تَقْرَأْ مِنْهُمَا حَرْفًا إِلا أُعْطِيتَهُ ".
ومعنى "لَمْ تَقْرَأْ مِنْهُمَا حَرْفًا إِلا أُعْطِيتَهُ "يعنى أي دعاء فيها سيستجاب، كما في قوله تعالى "اهدنا الصراط المستقيم" وغير ذلك
وتحدث العلماء كثيرًا في هذا الحديث، وقالوا أن الفاتحة وخواتيم سورة البقرة لم ينزل بهما جبريل بنص هذا الحديث، ونقول أن هذا الملك المذكور في الحديث نزل فقط بالبشري، ولم ينزل بالفاتحة او بخواتيم سورة البقرة، وانما الذي نزل بهما هو جبريل –عليه السلام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من فضل سورة "الفاتحة" أنها تقرأ في الصلاة في كل ركعة، فنحن نقرأها في اليوم والليلة سبعة عشر مرة على الأقل، ولا تصح الصلاة اذا لم تقرأها
ونحن نقرأ في أول ركعتين بعد الفاتحة ما تيسر من القرآن، فاذا لم نقرأ هذا القرآن فالصلاة صحيحة، ولكن اذا لم نقرأ الفاتحة فالصلاة باطلة وغير صحيحة، يقول الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في حديث متفق عليه "لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من فضل سورة الفاتحة أن الله –عز وجل- يرد على العبد حين يقرأ فاتحة الكتاب، عن أبي هريرة قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ, نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي, يَقُولُ الْعَبْدُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي, يَقُولُ الْعَبْدُ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي, يَقُولُ الْعَبْدُ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، يَقُولُ اللَّهُ : مَجَّدَنِي عَبْدِي , يَقُولُ الْعَبْدُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَقُولُ اللَّهُ : َهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ , وَيَقُولُ الْعَبْدُ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ يقول الله فَهُوَ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " .
ولذلك كان عمر بن عبد العزيز يقرأ الفاتحة آية آية، ويسكت بين الآية والأخرى، وحين سئل عن سبب سكوته، قال: لأستمتع برد ربي
ولذلك سمى بعض أهل العلم سورة الفاتحة بسورة المناجاة
وسماها البعض "الصلاة" لأن النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال "قسمت الصلاة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسورة الفاتحة لها أسماء كثيرة جدًا، -أكثر من عشرين اسمًا- وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، أشهرها هو "فاتحة الكتاب" وسُمِّيَتْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ بِهَا افْتَتَحَ الْقُرْآنَ
ومن أسماء الفاتحة "الرُّقْيَةُ" يعنى يمكن أن ترقي بفاتحة الكتاب
وقصة هذا الإسم أن رهطا من أصحاب رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا في سفر، ونزلوا قريبًا من أحد القبائل، ولدغ سيد هذه القبيلة، وحاولوا علاجه بشتى أنواع العلاج فلم يفلح معه، فجائوا لأصحاب الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وقالوا لهم ان سيدنا قد لدغ فهل عندكم شيء ؟ فقال أحدهم نعم، فجعل يتفل ويقرأ "الحمد لله رب العالمين" حتى شفى الرجل وانطلق يمشى
فلما قدموا على الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ذكروا له ذلك، فقال
رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكروا له، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: وما يدريك أنها رقية ؟ فقال الرجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْءٌ أُلْقِيَ فِي رَوْعِي، فقال الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أصبتم
اذن يمكن أن نرقي بفاتحة الكتاب، وهذه أسهل رقية ويمكن أن نقوم بها جميعًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك قصة معاصرة عن رقية الفاتحة ترويها سيدة كويتية تقول كانت هناك طفلة مريضة بالسرطان في يدها، كانت تعالج في مستشفي "مكي جمعة" بالكويت، فنصح بعض الأخوات الأم بأن تقرأ الفاتحة وتمسح على يدها، وأن تكثر من هذا الأمر، فأخذت الأم تقرأ الفاتحة ولا تتوقف عن قراءة الفاتحة وتمسح على يد ابنتها، حتى عندما تطعم ابنتها كان الأب يقرأ
وعندما جاء موعد الطبيب كانت المفاجأة التى التى لم يجد لها الطبيب تفسيرًا، وهي أن نصف اليد سليم، والنصف الآخر لا يزال مصابًا، فلما سأل الأم قالت لها عن قراءة الفاتحة، فكان رد الطبيب أن قال: كملى العلاج أنت
مستشفي "مكي جمعة" بالكويت
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عَنْ مُجَاهِدٍ -وهو أحد التابعين -قَالَ : إِنَّ إِبْلِيسَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ : حِينَ لُعِنَ، وَحِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَحِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وفي فضل الفاتحة كثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، مثل حديث
"يا عليُّ لا تنمْ إلَّا أنْ تأتيَ بخمسةِ أشياءَ وهي قراءةُ القرآنِ كلِّه، والتصدُّقُ بأربعةِ آلافِ درهمٍ، وزيارةُ الكعبةِ، وحفظُ مكانِكَ في الجنَّةِ، وإرضاءُ الخصومِ، قال عليٌّ: وكيف ذلك يا رسولَ اللهِ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما تعلمُ أنَّك: إذا قرأتَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاثَ مراتٍ فقد قرأتَ القرآنَ كلَّه، وإذا قرأتَ الفاتحةَ أربعَ مراتٍ فقد تصدَّقتَ بأربعةِ آلافِ درهمٍ، وإذا قلتَ: لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يحيي ويميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ عشرَ مراتٍ فقد زُرتَ الكعبةَ، وإذا قلتَ: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ عشرَ مراتٍ فقد حفَظتَ مكانَك في الجنَّةِ، وإذا قلتَ: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلا هو الحيُّ القيومُ وأتوبُ إليه عشرَ مراتٍ فقد أرضيتَ الخصومَ"
فهذا الحديث موضوع، ولسنا في حاجة الى الإحاديث الضعيفة لبيان فضل القرآن، فان في الصحيح ما يكفي، ويكفي حديث الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- الذي رواه البخاري بأن سورة الفاتحة هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نبدأ في الحلقة القادمة تفسير سورة الفاتحة، فنتحدث عن حكم وتفسير البسملة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا
لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|