تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة السادسة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
((تدبر ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))
"الْحَمْدُ لِلَّهِ"
يعنى الشكر لله تعالى
والجملة خبرية، والجملة الخبرية مثل قولنا: جاء خالد، محمد عندي، أبي مسن، وهكذا
فالحمد لله جملة خبرية يخبرنا بها الله تعالى أن الحمد ينبغي أن يكون لله تعالى، وأن المستحق للحمد هو الله تعالى
فالْحَمْدُ لِلَّهِ، يعنى الحمد كله لله تعالى، لأن أصل أي عطاء في هذاالكون هو في الحقيقة من الله تعالى
وكل من أسدي اليك معروفًا، فهو عبد لله تعالى، سخره الله تعالى لك ليسدي اليك هذاالمعروف
اذا سألت أحدهم من أكثر انسان له فضل عليك، فسيقول لك فلان، فاذا قال لك أمي مثلًا، فمن خلق لك أمك ؟ ومن أعطاها هذه الجوارح التى كانت في خدمتك، ومن ألقي في قلبها حبك والعطف عليك ؟ انه الله تعالي
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قرأت قصة لشيخ كبير عمره ثمانون عاماً، أصيب فجأة باحتباس في البول، فحمله أبناؤه إلى المستشفى
وهناك قام الطبيب بعمل قسطرة، فخرج البول و انتهت آلام الوالد
عندما مر الطبيب على مريضه للإطمئنان عليه بعد العملية، أخذ الأبناء يشكرون الطبيب كثيرًا ويثنون عليه، فلما خرج الطبيب التفت الأبناء فوجدوا أباهم يبكي بشدة، فأخذوا يعجبون منه، ويسألونه عن سبب بكائه، فلما هدأ قليلًا قال لهم:
- ساعدني هذا الطبيب مرة واحدة في اخراج البول، فعرفنا له فضله ومعروفه، وأخنا نشكره ونثني عليه، ودفعنا له من أموالنا، وأنا منذ ثمانون عامًا والله تعالى يصنع لىَّ هذا المعروف، وبدون أي عمليه، وبدون أن أدفع أموالًا ولم أشكره على ذلك مرة واحدة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
و"الْحَمْدُ لِلَّهِ" كلمة يثنى بها الله تعالى على نفسه، ويعلمنا الله تعالى، بها كيف نثنى عليه، وكيف نشكره، كأن الله تعالى يقول يا عبادي اذا اردتم شكري وثنائي فقولوا "الحمد الله"
ولذلك في الصحيح أن العبد اذا قال "الْحَمْدُ لِلَّهِ" قال الله –عز وجل- "حمدي عبدي"
عن ابن عباس قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله ، فما الحمد لله ؟ فقال علي : كلمة رضيها لنفسه .
روي كذلك أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل سرية، ثم قال: لئن ردهم الله سالمين لأحمدنه بمحامد يرضاها، ثم عادت السرية سالمة غانمة، فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحمد لله، فقالوا: يا رسول الله ألم تقل ان رددتهم سالمين لأحمدنه بمحامد ترضاها، فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهل تركت شيئًا ؟ جعلت الحمد كله لله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن رحمة الله تعالى أن علمنا صيغة الحمد، ومن رحمته تعالى أن حددها في كلمتين فقط
ولو تركنا الله تعالى دون أن يعلمنا كيف نحمده، لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة التى يحمدوا بها الله تعالى على نعمه الكثيرة التى لا تعد ولا تحصى، ولذلك قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
كذلك "الحمد لله" ساوي الله تعالى بها بين جميع البشر، فلو كان الله تعالى ترك لنا الحمد بلا تحديد، لتفاوت درجات الحمد بين الناس بحسب تفاوت قدراتهم على التعبير، ولكن الله تعالى شاء عدله أن يساوي بين جميع عباده في صيغة الحمد، حتى يتساوي جميع خلقه في عطاء الحمد، سواء المتعلم وغير المتعلم، وسواء من أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"الْحَمْدُ لِلَّهِ" ذكر عظيم
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الحمد لله تملأ الميزان"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"رَبِّ"
الرب يعنى المالك، كما يقال رب الدار، يعنى مالك الدار
ورب بمعنى السيد، كما قال يوسف "اذكرني عند ربك" يعنى عند سيدك، "وأما أحدكما فيسقي ربه خمرًا" يعنى يسقي سيده
ويكون بمعنى التربية والرعاية، يقول تعالى ((وربائبكم اللاتي في حجوركم)) فسمي الله تعالى ابنة الزوجة "ربيبة" لتربية الزوج لها، ونحن نقول ربي فلان، يعنى يتولى تربيته ورعايته، ونقول "ربةالمنزل" يعنى التى تتولى تدبير شئون المنزل
والله تعالى "رب العالمين" لأنه يملك هذا الكون وما فيه من العوالم، وهو سيد هذا الكون، وهو الذي يتولى رعاية هذا الكون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"الْعَالَمِينَ"
الْعَالَمِينَ تشمل كل ما سوي الله تعالى
يقول العلماء أنه توجد في الأرض وحدها خمسة ملايين نوع من أنواع الحياة، كل نوع من هذه الأنواع هو عالم وحده، وكل عالم يتألف من مليارات الأفراد
وعالم الإنسان عالم واحد من هذه الخمسة ملايين عالم في الأرض
ويوجد الآن على سطح الأرض سبعة مليار انسان، هذا بخلاف المليارات الكثيرة منذ "آدم" وحتى الآن، والمليارات التى ستأتي حتى يوم القيامة
أما عالم الجمادات والعناصر فهو عالم آخر لا حصر له ولا نهاية
وعالم الغيب لم يطلعنا الله تعالى منه سوي على عالم الجن وعالم الملائكة، وربما هناك ملايين أو مليارات من العوالم التى لم يطلعنا الله تعالى عليها
وكلمة "الْعَالَمِينَ" مشتق من العلامة، لأنه علامة ودلالة على خالقه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فالله تعالى هو "رَبِّ الْعَالَمِينَ" لأنه مالك هذه العوالم، وهو سيدها، وهو تعالى الذي يتولى رعايتها
فهذه الأرض التى نعيش عليها محاطة بالمخاطر من كل جانب، محاطة بالمخاطر من حولها، ومحاطة بالمخاطر من داخلها، ولولا محافظة الله تعالى عليها ورعايته لها، لما استمر الحياة على هذه الكرة الأرضية لحظة واحدة
الأرض التى نعيش عليها محاطة بالمخاطر من كل جانب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن بعد "الْحَمْدُ لِلَّهِ" ، ذكر الله تعالى لنا حيثية هذا الحمد، أنه "رَبِّ الْعَالَمِينَ"، يعنى أنه يرعي كل هذه العوالم، فنحن نحمد الله تعالى لأنه يرعانا، ونحمده لأنه يرعي العوالم الأخري، لأن هذه العوالم خلقت لخدمة الإنسان، فعالم الجمادات يخدم عالم النباتات والحيوانات، والنبات يخدم الحيوان والإنسان، والحيوان يخدم الإنسان
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
((الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ))
تحدثنا عن ((الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)) ونحن نفسر "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" وقلنا أنهما اسمان مشتقان من الرحمة بصيغة المبالغة
والآن تتكرر ((الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)) في صلب السورة في آية مستقلة، لتؤكد أن الرحمة هي أساس العلاقة بين الله تعالى وبين عباده
وهي تقدم حيثية جديدة لحمد الله تعالى، فنحن حمدناه أولًا لأنها رب العالمين، ثم نحمده الآن لأنه رحمن ورحيم
*********************************
لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا
لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا
*********************************
|