Untitled Document

عدد المشاهدات : 2665

الحلقة (16) من (تدبر القُرْآن العَظِيم) تدبر الآية رقم (6) وهي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرَتْهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة  السادسة عشر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 تدبر الآية رقم (6) من سورة البقرة

قول الله تعالى
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرَتْهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرِصُ أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ، وكان شديد الحرص على ايمان سادة قريش، لأن ايمان هؤلاء السادة كان يعنى ايمان قريش، لأن هؤلاء الذين كانوا يمنعون كثير من الناس من الدخول في الإسلام، واذا آمنت قريش فستؤمن الجزيرة العربية، لأن "قريش" كانت تمنع القبائل من الدخول في الإسلام، لأن "قريش" كانت لها القيادة الدينية في الجزيرة العربية، وكانت واحدة من أقوي خمسة قبائل في الجزيرة، ولذلك بعد فتح مكة دخلت كل الجزيرة العربية في الإسلام، يقول تعالى في سورة النصر (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً)

وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شديد الحزن والأسف بسبب عدم ايمان هؤلاء، فكان الله تعالى يعاتبه على هذا الحزن والأسف، فكان يقول في سورة الكهف  (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا( يعنى قاتل نفسك من شدة الحزن بسبب عدم ايمان هؤلاء، وفي سورة الشعراء (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( وفي سورة فاطر ) فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات  (وفي سورة عبس (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ( يعنى ليس مطلوبًا منك أن يؤمنوا، ولذلك سورة "عبس" كما أن فيها عتابًا على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه عبس في وجه "عبد الله بن أم مكتوم" مع أنه كان أعمى ولا يري عبوسه، ولكن كان فيها عتابًا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مثل أم تري ابنها مجتهدًا في المذاكرة، فتقول له: ستقتل نفس، قم فنم. فهذا عتاب له وليس عتابًا عليه
ويقول الله تعالى لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس عليك الا القيام بواجبك في الإبلاغ، أما الهداية فهو ليس مطلوبًا منك، بل هو أمر بيد الله تعالى
يقول تعالى في سورة الشوري ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) ويقول تعالى (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) ويقول تعالى (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)
وفي هذه الآية، يسلى الحق –سبحانه وتعالى- رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول له ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرَتْهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) يعنى هناك صنف من الكفار بن يؤمنوا، وسبق في علم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا، ولذلك فعدم ايمانهم ليس بسبب تقصير منك في الإنذار أو الإبلاغ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)

أَصْلُ الْكُفْرِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ 
يقول الشاعر: في ليلةٍ كَفَر النجومَ غمامُها.
وكانت العرب تقول "متكفِّرُ بسلاحه" يعنى السلاح يغطي كل بدنه 
ولذلك من أسماء الليل "الكافر" لأنه يُغَطِّي كُلَّ شَيْءٍ بِسَوَادِهِ، ومن أسماء البحر "الكافر" لأنه يستر عوالم كثيرة تحته، ويطلق على "الحانوتي" كافر، وهكذا
ومن أسماء "الزَّارِعُ" أو الفلاح "الكافر" لأنه يغطى الحب ويستره في الأرض، ومنه قول الله تعالى (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ.(
وَالْكَافِرُ مِنَ الْأَرْضِ : هو المكان البعيد عن الناس، فلا يراه أحد
ولذلك نقول في لغتنا الدارجة في مصر: القري والكفور، فنقول: كفر الشيخ- كفر الزيات- كفر صقر- كفر شكر- كفر طهرمس – كفر البطيخ – كفر الباشا
فمعنى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي غَطَّوُا الْحَقَّ وَسَتَرُوهُ
لذلك فان كلمة الكفر وحدها دليلًا على وجود الله تعالى، لأن الكفر بالله معناها ستر وجود الله، ولا يستر الا شيء موجود بالفعل
ملاحظة: عندما نقول "ستر وجود الله" المقصود بذلك "ستر وجود الله في قلب الكافر" ولي سعلى الحقيقة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 )سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ) من الإستواء، فالشيء المستوي، جهة اليمنى مثل اليسري، كما نقول "خط الإستواء" وهو خط وهمي، يفصل الكرة الأرضية الى قسمين متساويين 

اذن (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ) أي مُتَسَاوٍ لَدَيْهِمْ
مثل قول الله تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ)
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قال تعالى (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ) ولم يقل "سَوَاءٌ عَلَيْك" لأنه –تعالى- لو قال "سَوَاءٌ عَلَيْك" فهذا يعنى أن الأمر متساو بالنسبة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سواء أنذرهم أم لم ينذرهم، وهذا غير صحيح، فالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بانذاره لهم يحوز ثواب الإنذار والإبلاغ والدعوة، أما الإنذار فمتساو عندهم هم

ولذلك في موضع آخر يخاطب الله –تعالي- عبدة الأصنام، ويقول " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" يعنى الأمر متساو عندكم أنتم أدعوتم هذه الأصنام أم لم تدعوها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أَأَنْذَرَتْهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)

الْإِنْذَارُ إِعْلَامٌ مقرون بِتَخْوِيفٍ بشرط أن توجد فترة بين الإنذار وبين وقوع الأمر المَخُوف 
فاذا لم تكون هناك فترة فيطلق عليه اشعار
فاذا كان هناك شخص يريد أن يدخل في شارع، وقلت له: في هذا الشارع كلب مسعور، فأنت أنذرته
أما اذا كان شخص مريض، وأخبره الطبيب أنه مريض، فهذا اشعار
واذا كان اعلام بشيء مطلقًا بدون مَخُوف فهو اعلام، مثل شخص أخبر آخر أنه سيأتي لزيارته غدَا
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل بشيرًا ونذيرًا، فلماذا تحدثت الآية عن الإنذار ولم تتحدث عن البشارة، فلم تقل الآية مثلًا: "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أبشرتهم أم لم تبشرهم" أو "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنذرتهم وبشرتهم أم لَمْ تُنْذِرْهُمْ وتبشرهم لايؤمنون"

لأن القاعدة تقول: دفع الضر أهم من جلب المنفعة
فاذا كان الإنذار لا يجدي، فمن باب أولى ألا تنفع البشارة
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 الملحدين يقولون في هذه الآية: اذا كان الله تعالى قد كتب على الكافر منذ البداية دخول النار فما ذنب هذا الكافر ؟

نقول أن الآية الكريمة لا تقول أن الله تعالى قد جعل الكافر يدخل النار، ولكن الآية تقول أن الله تعالى قد علم أن هذا الكافر سيدخل النار
فرق بين أن يعلم الشيء أو أن يجعل الشيء
اذا كان هناك معلم، وعنده تلميذ خائب، وقال أن هذا التلميذ سيرسب نهاية العام، ورسب التلميذ بالفعل في نهاية العام، فهل معنى هذا أن هذا المعلم هو الذي قد جعل هذا التلميذ يرسب، أم أن هذا المعلم على قدر خبرته وفراسته قد علم أن هذا التلميذ سيرسب
وعلى قدر علم هذا المعلم، وخبرته وفراسته سيكون تقديره سليمًا
فكذلك الله تعالى، يعلم تعالى بعلمه الذي أحاط بكل شيء أن هذا الشخص سيموت كافرًا، فليس معنى هذا أنه قد حكم عليه بدخول النار
نعود الى المثال الأول، فنقول لو حدث ونجح هذا التلميذ بالرغم من أن المعلم قال أنه لن ينجح، يعنى هذا التلميذ كان يذاكر دون علم المعلم، فلم تصدق توقعات المعلم لأنه قد خفي عليه شيء، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث في حق الله تعالى، لأنه تعالى لا يخفي عليه شيء
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قد يقول قائل اذا كان الله تعالى يعلم أن هناك الكثير من البشر سيكون مصيره النار، فلماذا أدخلهم هذا الإختبار، وهو أن يكون عنده عقل وارادة، وحرية اختيار 

نقول أن الإنسان هو الذي اختار أن يدخل هذا الإختبار، فقد عرض الله تعالى هذا الإختبار على جميع المخلوقات، فرفضت جميع المخلوقات هذا الإختبار، يقوم تعالى في سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) 
لقد كانت الأمانة أن يكون للمخلوق عقل ارادة، وحرية اختيار، فاذا نجح في الإختبار سيكون أفضل مخلوق، ويكون أفضل من الملائكة، ويكون جزاؤه الجنة، ولو فشل فسيكون أدنى مرتبة من الحيوان ومن الحشرة ومن جميع المخلوقات، ويكون جزاؤه النار
ورفضت جميع المخلوقات هذه الإمانة، وأشفقن منها، بينما حملها الإنسان
فاذا قال أحدهم أنا لم يعرض علىَّ هذا الإختبار، ولم أعلم به، نقول له: بلى لقد عرض عليك وقبلته، ولكنك لا تتذكر، وأنا أيضًا لا أتذكره، لأننا كنا في عالم الذر، ولكن هذا حدث لأن الله تعالى أخبر أنه حدث
فاذا قال أنا لا أؤمن بما جاء في القرآن من أمور غيبية، ومنها هذا الموقف
نقول اذا كان القرآن العظيم، قد صدق في 80% من الحقائق التى أثبتها العلم الحديث، فلابد أن نصدقه في الـ 20 % المتبقية من الغيب الذي أخبرنا عنه ومنه هذا الموقف
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ملخص تدبر الآية
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرَتْهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
هناك صنف من الكافرين لن يؤمنوا سواء أنذرتهم وحذرتهم أم لا 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

 *********************************