تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة العشرون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تدبر الآيات أرقام (10) و(11) و(12) من سورة البقرة
(في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المرض الذي في قلوب المنافقين هو مرض مجازي، وهو مرض النفاق، وتحت مرض النفاق هناك حزمة كبيرة من الأمراض: مرض الرياء، ومرض الغل والحقد والحسد للمؤمنين، ومرض الكبر والعجب والغرور
يقول تعالى (فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) فأول عقاب للمنافق هو أن يزداد نفاقًا، كما أن أول عقاب للعبد المصر على المعصية، هو أن يزداد هذا العبد معصية لله تعالى
كما قال تعالى في سورة التوبة )فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ)
فالجزاء من جنس العمل، والسيئة لا يتولد عليها الا سيئة مثلها
ولذلك قد تجد أحد الظالمين، وهو يزداد سلطة ويزداد ظلما، فيقول الناس لماذا يتركه الله تعالى هكذا ؟! نقول أن هذا هو أول عقاب لهذا الظالم في الدنيا، هو أن يزداد ظلمًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما هو المرض ؟
المرض هو خروج العضو عن حد الإعتدال، وكلما ازداد بعدًا عن حد الاعتدال كلما ازاد المرض، فاذا خرج تمامًا عن حد الاعتدال حدثت الوفاة
ونحن لا تشعر بالعضو الا اذا خرج عن حد الإعتدال، فلا نشعر بأسنانا مثلًا الا اذا خرجت عن حد الاعتدال، ولا تشعر بالركبة الا اذا خرجت عن حد الاعتدال، ولا نشعر بالكُلية الا اذا خرجت عن حد الاعتدال
فاذا خرج العضو عن حد الاعتدال، تشعر بالألم، ومن ثم تبحث عن العلاج
ولذلك فان الألم نعمة، لأنه لولا الألم لما علمت أن هذا العضو به خلل، ولتركته مريض حتى يقضي عليك
ولذلك أخطر أنواع الأمراض التى لا تشعر بها، أو التى يتأخر اكتشافها، فيقول الطبيب أن هذا المرض في المرحلة الثانية، أو في مراحله الأخيرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما ينطبق على الأمراض الحسية ينطبق على الأمراض المجازية، فخطورة مرض النفاق، أن المنافق لا يشعر ولا يعترف أنه مريض، بل يعتقد العكس يعتقد أنه مصلح
ولذلك في الآية التالية يقول تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) فنفي عنهم الشعور بالمرض
والمريض اذا كان غير معترفًا بمرضه فلن يأخذ الدواء، وسيزداد المرض، وليس هناك أمل في شفائه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كذلك المرض ضعف، ففي قلوبهم مرض، أي ضعف وجبن وخوف شديد، وكل هذا من صفات المنافقين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
هذا هو العقاب يوم القيامة، أن لهم عذاب أليم أي موجع، والأليم قد يكون أليمًا لشدته وقد يكون أليمًا لكثرته، فيمكن أن تكون ضربة واحدة قوية مؤلمة، كما يمكن أن تكون ضربات خفيفة متوالية مؤلمة لكثرتها، وقد اجتمع لهؤلاء المنافقون يوم القيامة الأمرين: شدة الألم وكثرة الألم، شدة الألم لأنهم في الدرك الأسفل من النار، وكثرة الألم لأنهم خالدين في النار
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) أي بسبب كذبهم أو تكذيبهم
وهناك قراءتين: يَكْذِبون، بفتح الياء، أو يُكَذِّبون، بضم الياء
يَكْذِبون: أي يَكْذِبون بقولهم: آمنا بالله، وباليوم الآخر، وما هم بمؤمنين
ويُكَذِّبون، أي يُكَذِّبون الله ورسوله
وقد اجتمع الوصفان في المنافقين سواء الكذب أو التكذيب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) يعنى قال لهم بعض المؤمنون الذين لهم اطلاع على أحوالهم
(لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) الإفساد هو اخراج الشيء عن صلاحه، فلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعنى لا تفسدوا في المجتمع، بالنَّمِيمَةِ، واثارة الشائعات، وَتَسْعِيرِ الْفِتَنِ، وَإِحْدَاثِ الْعَقَبَاتِ فِي طَرِيقِ الْمُصْلِحِينَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) وهذه هي مصيبة المنافقين، أنهم لا يعترفون ولا حتى يشعرون أنهم مفسدون بل على العكس يعتقدون أنهم مصلحون، كما قال تعالى في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
وهذا يدل على غرور هذا الصنف من الناس، وتكبرهم وتبجحهم
يقول "سلمان الفارسي" عن هذه الآية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) : لم يجئ أهل هذه الآية بعد
طبعا جاء أهل هذه الآية الآن، فنجد بعض الإعلاميون يتحدثون بالساعات في وسائل الإعلام، وهي ساعات من الإفساد، وهم يقولون انما نحن مصلحون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)
"ألا" أداة تفيد التنبيه، والتأكيد؛ و"إنهم" توكيد أيضاً؛ و"هم" ضمير يفيد التوكيد أيضاً؛ فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: "ألا" و "إن" و"هم" وهذا من أبلغ صيغ التوكيد
ألا هنا للتنبيه
أنت عندما تتكلم الى شخص، فقد يكون الشخص الذي تتحدث اليه غير منتبه اليك، وحتى ينتبه اليك قد تفوته بداية كلامك، فاذا كنت تشعر بأهمية الكلام الذي ستتحدث به، ولا تريد أن يفوت هذا الشخص كلمة واحدة من كلامك، تستخدم في بداية الكلام أداة تنبيه، كما نقول نحن في بداية الكلام: اسمع ما اقول، أو استمع الىَّ جيدًا
هنا يستخدم الله تعالى (ألا) وهي أداة تنبيه وتوكيد في نفس الوقت
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول الله تعالى (وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) كما قلنا فان هؤلاء المفسدون لا يشعرون أنهم مفسدون، وقد قلنا من قبل أن فقد الشعور هو أدني مراتب عدم الإدراك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ملخص تدبر الآية
(في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)
يذكر الله تعالى من صفات المنافقين، فيقول ((في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهو مرض النفاق (فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) لأن الجزاء من جنس العمل (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي عذابًا موجعًا يوم القيامة (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) أي بسبب كذبهم وتكذيبهم لله ورسوله
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) يعنى اذا قال لهم بعض المؤمنون الذين لهم اطلاع على أحوالهم لا تفسدوا في المجتمع (قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) وهذه هي مصيبة المنافقين، أنهم لا يعترفون ولا حتى يشعرون أنهم مفسدون بل على العكس يعتقدون أنهم مصلحون، ولكن الله تعالى يرد عليهم بجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات فيقول (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) ولكن هؤلاء المنافقون لَا يَشْعُرُونَ أنهم مفسدون
|