Untitled Document

عدد المشاهدات : 5059

الحَلَقَة (30) مِن "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (30) من سورة البقرة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ و

   تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثلاثون
❇        
تدبر الآية (30) من سورة البقرة
❇        
 (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
❇        
بعد أن تكلم الله عن الأرض وعن السماء، وقرر أنه تعالى خلق كل ما فيها للإنسان، تحدث بعد ذلك عن المخلوق الذي سيعيش على هذه الأرض
وذلك كمن يجهز البيت للعروسين، فالله تعالى جهز الأرض للعروسن وهما آدم وحواء
❇        
والقصة التى سيتحدث عنها القرآن العظيم، هي قصة استخلاف آدم في الأرض، ومنحه مقاليدها، على عهد من الله وشرط، وإعطائه المعرفة التي يعالج بها هذه الخلافة. وهي تمهد للحديث عن استخلاف بني إسرائيل في الأرض بعهد من الله; ثم عزلهم عن هذه الخلافة، وتسليم مقاليد الأرض للأمة الإسلامية بعهد من الله وشرط، يعنى أنتم أيها المسلمون المسئولون عن الأرض حتى يوم القيامة لأن دينكم هو الدين الخاتم، وهذا هو الهدف الأول والأساسي من سورة البقرة
لذلك فذكر قصة آدم في هذا الموضع متسقة كل الإتساق مع الهدف الأساسي من سورة البقرة 
 

❇        
وقصة خلق آدم تتفق مع ما وصل اليه العلم الحديث، حيث انتهي العلماء في سنة 2004 م بعد أن قاموا بتحليل الأصل الوراثى لكل الأعراق البشرية، فوجدوا أن الأصل الوراثي لكافة الأعراق البشرية يعود الى رجل واحد، وقالوا أن هذا الرجل عاش في أفريقيا قبل ستين ألف سنة، ونشر هذا البحث في مجلة الجغرافية العالمية National geographic).)
اذن القصة التى نتحدث عنها، وهي قصة بداية البشرية، وقصة خلق آدم، قصة عمرها ستون ألف سنة
الأصل الوراثي لكافة الأعراق البشرية يعود الى رجل واحد
❇        
يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) 
يقص علينا الله –سبحانه وتعالى- قصة الخلق، فيقول تعالى أنه قد أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض "خَلِيفَةً" 
لماذا أخبر الله الملائكة ؟
لأن هؤلاء الملائكة سيكون لهم صلة بالإنسان، "المدبرات أمراً" التى أخبر الله تعالى عنها في سورة النازعات، ورقيب وعتيد (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، والحفظة (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) سورة الرعد، يعنى هذا صادر من أمر الله، اذن بعض الملائكة خلقت لخدمة الإنسان، فالله تعالى لا يريد أن يفاجئهم بوجود المخدوم
ولذلك فالله تعالى لم يخبر كل الملائكة، وانما أخبر فقط الملائكة التى لها صلة بالإنسان
❇        
يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) 
فقال تعالى(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ) وهنا قال "رَبُّكَ" ولم يقل الله ؟ لأن المسئلة فيها خلق وتكوين وتربية وتعليم فالمناسب لها كلمة الرب
 ومعنى (خَلِيفَةً) أي قَوْمًا يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بمعنى: أنهم يتناسلون: هذا يموت وهذا يحيى، ويأتي جيل بعد جيل، كما قال تعالى في سُورَةُ يُونُسَ (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أو في سورة مريم ) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ (   
كما كان يقال على رئيس الدولة قديمًا أنه الخليفة، لأنه يخلف من كان قبله في القيام بشئون الدولة، ونحن نقول في لغتنا الدارجة، الدكتور فلان هذا خليفة الدكتور فلان في الطب، أو اللاعب فلان خليفة فلان في الملاعب
أو (خَلِيفَةً) بمعنى يخلف الله تعالى في الحكم بين عباده، كما قال تعالى في سورة ص (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس)
أو (خَلِيفَةً) بمعنى يخلف قومًا سبقوه في الحياة على الأرض، وهم الجن
بقول العلماء أن الجن كانوا يسكنون الأرض قبل بنى آدَمُ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، فَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، فأرسل الله تعالى اليهم الملائكة فقاتلوهم حتى ألجئوهم الى الأماكن الخربة والمهجورة
كان الجن يسكنون الأرض قبل بنى آدَمُ، فَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ
أو أن آدم خلف جنس آخر من البشر كان موجودًا قبل خلق آدم ثم انقرض
يقول علماء الحفريات أن هناك أجناسا بشرية كانت موجودة قبل الإنسان الحالي ثم انقرضت، فقالوا أنه قبل مائة ألف عام كان هناك (انسان اريكتس) وقد وجدت آثاره في اندونيسيا والصين، وكان هناك (إنسان نيندرتال) Neandertal  وقد عاش في أوروبا وفلسطين، أما الإنسان الموجود الآن فيطلقون عليه (الإنسان الحديث) وقد بدأ حيانه في  في افريقيا 
وربما كانت هناك أجناسًا بشرية أخري، لم تترك أي أثر، وليس لها أي حفريات، قال أحد العلماء أن عدد الأجناس البشرية التى ظهرت قبل آدم ثمانية وعشرون جنس بشري، وهذه الأجناس عاشت ملايين السنين، وانقرضت منذ آلاف السنين
ومن خلال فحص البقايا العظمية لهذه الأجناس البشرية، وجدوا أن أدمغتهم تساوي أدمغتنا في الحجم، وعظمة اللهاة لديهم تشير الى قدرتهم على الكلام، وطريقتهم في دفن الموتى تثبت أنه كانت لديهم تشريعات وأنظمة  

أدمغة "نيندرتال" تساوي أدمغتنا في الحجم
والذي يعزز هذه النظرية أن قول الملائكة (يَسْفِكُ الدِّمَاءَ) يدل على أنهم كانوا لحمًا ودمًا
وكلمة (خَلِيفَةً) يمكن أن تضم كل هذه المعاني
صور تخيليلة لإنسان نيندرتالNeandertal
❇        
كيف علمت الملائكة أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ؟ 
إما أنهم علموا بعلم خاص، كما علم الخضر بعلم لدني، وهو ما نطلق عليه الهام البصيرة
أو بِمَا فَهِمُوهُ مِنَ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ عندما أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُقُ هَذَا الصِّنْفَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
أو أنهم سألوا الله و قَالُوا: رَبَّنَا وَمَا يَكُونُ ذَلِكَ الْخَلِيفَةُ ؟ قَالَ: يَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . 
أو أنهم قاسوهم على من قبلهم من تجارب سابقة في الأرض، وهي تجربة الجن عندما سكنوا الأرض، أو تجربة الأجناس البشرية التى عاشت قبل آدم وانقرضت  
قاس الملائكة على تجربة الأجناس البشرية التى عاشت قبل آدم
❇        
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) وسؤال الملائكة، ليس سؤال اعتراض، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، مَا الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ 
كما نقول في لغتنا الدارجة "تاني"
وقد ذكرت الملائكة الإفساد وسفك الدماء لعلمها أنه لا شيء أكره الى الله من الإفساد وسفك الدماء، وكلمة سفك أي صب
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ عِبَادَتُكَ، فَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
والتسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النفص، وتنزيهه تعالى عن مماثلة المخلوقين
و"بحمدك" الباء للمصاحبة، يعنى تسبيح مقرونًا بالحمد، وهو قول  "سبحان الله وبحمده" 
(وَنُقَدِّسُ لَكَ) التقديس هو التطهير، وهو أمر زائد على "التنزيه" 
وأيضًا  "نُقَدِّسُ لَكَ" أي ونصلى لك
وهنا "لك" للتخصيص، يعنى التقديس لك لا لغيرك، لأن البشر يمكن أن يقسوا غير الله: يقدس رئيسه في العمل، يقدس الرئيس أو الملك، يقدس شيخ معين، ولكن الملائكة لا تقدس الا الله تعالى، ولذلك قالوا (وَنُقَدِّسُ لَكَ) يعنى التقديس لك وليس لأي مخلوق معك
❇        
 (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يعنى أنا عندي حكمة في خلق هؤلاء على هذه الحالة، وانتم لا تعلمون هذه الحكمة
أو (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) أن الحال سيتغير، وأنهم لن يكونوا كالأمم السابقة 
ثم أنتم تقولون (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) وسوف يكون من هؤلاء الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والأولياء والصالحين، وهؤلاء سيكونون في مرتبة أعلى من مرتبة الملائكة، لأن عندهم حرية الإختيار وحرية الإرادة
وأنتم تقولون (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) وأنتم ابليس واقف بينكم

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

  *********************************