Untitled Document

عدد المشاهدات : 2380

الحلقة (51) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (58) (59)من سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْم

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الحادية والخمسون
تدبر الآيتين (58) و(59) من سورة البقرة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59))
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

قلنا أن الله تعالى أمر "بنى اسرائيل" بدخول بيت المقدس، ولكن "بنى اسرائيل" رفضوا الامتثال لأمر الله تعالى وقالوا لنبيهم موسى –عليه السلام- (يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) فغضب موسى ودعا عليهم وقال (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) فحكم الله تعالى عليهم بالتيه أربعين سنة، يقول تعالى ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)
ومعنى التيه أن "بنى اسرائيل" كانوا في مساحة محدودة من الصحراء تائهون فيها
ومات "هارون" في أثناء فترة التيه، وكان عمره مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وكان أكبر من "موسى" بثلاثة سنوات، وحزن عليه موسى – حزنًا شديدًا، حتى عاتبه الله تعالى على شدة حزنه على هارون، وحزن "بنو اسرائيل" على وفاة "هارون" حزنًا شديدًا لأن "هارون" –عليه السلام- كان لين الجانب، حتى أن "بنى اسرائيل" كانوا يحبونه أكثر من "موسى" وبعده بثلاثة سنوات –وفي أثناء فترة التيه أيضًا- مات موسى –عليه السلام- وعمره –كذلك- مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً
وقاد "بنى اسرائيل" بعد ذلك "يوشع بن نون"، وكان نبيًا، وكان من نسل "يوسف" عليه السلام، وانتهت سنوات التيه الأربعون، ولم يكن قد بقي من "بنى اسرائيل" الذين رفضوا دخول بيت المقدس رجل على قيد الحياة، ودعاهم نبيهم "يوشع بن نون" لدخول بيت المقدس، فأطاعوه في ذلك
وعندما بدأ القتال بين "بنى اسرائيل" وبين الكنعانيين الذين كانوا يسكنون "بيت المقدس" استمر القتال طوال اليوم، وكاد يتحقق النصر لبنى اسرائيل قبل غروب الشمس، ولكن اقتربت الشمس من المغيب، ومعنى ذلك أن يتأجل القتال لليوم التالي، وقد تتغير موازين المعركة في اليوم التالي، ولكن الله تعالى حبس الشمس عن المغيب في ذلك اليوم حتى  حتى تحقق النصر لبنى اسرائيل
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

يقول تعالى (وَإِذْ قُلْنَا) يعنى واذكروا إِذْ قُلْنَا 
(ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) و(الْقَرْيَةَ) هي بيت المقدس، أو القدس، أو اليا أو أروشليم، كل هذه أسماء لمدينة واحدة، وقد اختلفت اسمائها عبر العصور
وسميت "الْقَرْيَةَ" بذلك الإسم لأنها "تقري" الناس أي تجمعهم، ولأنها تتخذ قرارًا 
والقرية في لغتنا الدارجة هي البلد الصغير، أما المدينة فهي البلد الكبير، فهناك النجع، ثم العزبة، ثم القرية، ثم المدينة 
ولكن في اللغة العربية القرية هي أي تجمع سكاني سواء كان كبيرًا أو صغيرًا 
وقد سمى الله عزّ وجلّ مكة قرية، كما في قوله تعالى (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم) (سورة محمد 13 ) المراد بقريته التي أخرجته: مكة، وقال تعالى) وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها( فأم القري يعنى أم البلاد
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا)
(حَيْثُ شِئْتُمْ) يعنى في أي مكان في القرية 
 (رَغَدًا) يعنى طعامًا خصبًا وكثيرًا وهنيئًا وفي طمئنينة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) 
و(الْبَابَ) هو أحد أبواب المدينة، وكانت المدينة لها ثمانية أبواب، وهو موجود الى الآن، ويطلق عليه باب حطة remission gate باب المغفرة
و(سُجَّدًا) السجود هو الإنحناء تعظيمًا لشيء
فمعنى (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) يعنى ادْخُلُوا من باب المدينة منحنين الظهر تواضعًا وتعظيمًا وخشوعًا لله تعالى
أو أن تسجدوا لله تعالى بمجرد دخولكم من الباب، وذلك شكرًا لله تعالى الذي انعم عليكم بهذا النصر الصعب والعظيم 
ولذلك عندما دخل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة، دخلها وهو على راحلته، ولم يدخلها ممتطياً صهوة جواده كما يفعل القادة الفاتحين، وكان خلفه "أسامة بن زيد" وكان عمره 15 عامًا، ابن مولاه "زيد بن حارثة" وقد استشهد قبل ذلك التاريخ بشهرين اثنين في غزوة "مؤتة" ، وحوله المهاجرون والأنصار، وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتلوا سورة الفتح، وأخذوا يطأطأ راسه وهو على راحلته تواضعًا لله تعالى حتى أن شعر لحيته يكاد يمس راحلته
ثم اغتسل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصلى ثمانية ركعات
ولذلك لما دخل "سعد بن أبي وقاص" ايوان كسري صلى ثمانية ركعات
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

 

و(وَقُولُوا حِطَّةٌ) يعنى وَقُولُوا اللهم حط عنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا
يعنى اشتغلوا أثناء دخول المدينة بالإستغفار والذكر والدعاء، حتى لا تنسي أن الله تعالى هو الذي حقق لك هذا النصر
كما قال تعالى في سورة النصر (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
لأن الجيش الذي يحقق الإنتصار يدخله غالبًا العجب والغرور والكبر، فأمرنا الله تعالى بالإستغفار والذكر حتى لا ننسى أن هذا النصر لم نحققه بذواتنا ولكنه تحقق –فقط- بفضل الله تعالى (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) 
وهناك قراءة (يغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) وقراءة (تُغْفَرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ)
مَنْ كَانَ خَاطِئًا غَفَرْتُ لَهُ خَطِيئَتَهُ، ومَنْ كَانَ مُحْسِنًا زِيدَ فِي إِحْسَانِهِ.
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

اذن المعنى أن الله تعالى أمرهم أن يدخلوا "بيت المقدس" التى فتحها الله عليهم منحنين على هيئة التواضع والخشوع والخضوع لله تعالى، وأن يدخلوا وهم يستغفروا الله تعالى، حتى يتذكروا أن هذا النصر قد تحقق بفضل الله وحده
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)
ولكن "بنى اسرائيل" غيروا في القول وفي الفعل، فبدلًا من أن يدخلوا منحنين الظهر تواضعًا وتعظيمًا وخشوعًا لله تعالى، كما أمرهم الله تعالى دخلوا يزحفون على أدبارهم
وبدلًا من أن يقولوا "حطة" يعنى اللهم حط عنا ذنوبنا، قالوا "حبة في شعرة" وقال البعض "حنطة" وكان ذلك استهزاءًا بأوامر الله تعالى، ولإرادة المخالفة والعناد
لأن هناك مشقة فيما صنعوا، وليس هناك مشقة فيما تركوا
فلو كانت هناك مشقة فيما أمروا به وتركوه، ربما يكون الترك بسبب المشقة
ولكن العكس أن المشقة فيما صنعوا وليس فيما تاركوا
وهذا يدل على أنهم فعلوا ذلك فقط لارادة المخالفة والعناد
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ) و"الرجز" هو العذاب، وقيل أن هذا العذاب هو "الطاعون" وقيل أنه مات منهم سبعون ألف بسبب هذا الطاعون 
وقد قال الرسول أن الطاعون عذاب للأمم السابقة وشهادة للأمة المحمدية 
(بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) يعنى بسبب فسقهم
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

الآية تدل على أن التغيير في شرع الله يؤدي الى غضب الله تعالى
فاذا كان تبديل القول في كلمة واحدة هذا جزاؤه فكيف بمن غير أوامر الله تعالى