تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الخامسة والخمسون
تدبر الآية (61) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61(
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قراءات
) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا (يَخْرُجْ لَنَا- بفتح الياء وضم الراء) مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا (وَقُثَّائِهَا- بضم القاف) وَفُومِهَا (وَثُومِهَا- بالثاء) وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى )أَدْنَىء) بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا (اهْبُطُوا- بضم الباء) مِصْرًا (مِصْرَا- بدون تنوين) (مِصْر- بدون الف) فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ (وَيُقَتَّلِونَ) النَّبِيِّينَ (النَّبِيّئِينَ) بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61(
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى) يعنى واذكروا يا بنى اسرائيل إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى
(اذ) يطلق عليها اذ الفجائية، والتى تدل على المفاجأة
فهناك (اذا) الشرطية، كقولك (إذا قلت الحق نجوت) وقول الله تعالى (وإذا المؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت)
وهناك اذا الفجائية، والتى تختلف عن (اذ) الشرطية في المعنى والفعل، وهي تدل على المفاجأة، مثل (دخلت المسجد فإذا الإمام راكع)
وذلك مثل قول الله تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)
يقول تعالى )وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ)
اذن فوجيء موسى –عليه السلام- بطلب بنى اسرائل
كان ذلك في سنوات التيه الأربعون، التى عاقبهم الله تعالى بهم بعد رفضهم دخول بيت المقدس التى أمرهم الله بدخولها، وكان موسى يعظ بنى اسرائيل في الصباح ويعظهم في المساء، ومعه أخاه هارون، وكان موسى عمره في ذلك الوقت حوالى مائة سنة، أكثر قليلًا أو أقل قليلًا، ثم فوجيء موسى بهذا الكلام من بنى اسرائيل
قال "بنى اسرائيل" لنبي الله موسى –علي نبينا وعليه الاصلاة والسلام- (يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والطعام الواحد الذي يقصدونه هو "المن والسلوي" وبرغم أنهما طعامان وليسا طعام واحد، الا أن "بنى اسرائيل" قالوا أنه (طَعَامٍ وَاحِدٍ) يعنى وجبة واحدة تتكرر كل يوم، كما نقول في لغتنا الدارجة (نفس الأكلة) أو نقول (أكلة سمك)
ولكن قولهم (طَعَامٍ وَاحِدٍ) فيه تقليل من شأن هذا الطعام
فبنى اسرائيل كان يمكن أن يقولوا: يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامين اثنين، ويقصدوا بذلك المن والسلوي
وكان يمكن أن يقولوا –كما قالوا بالفعل- يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ، يعنى وجبة واحدة من الطعام
ولكنهم اختاروا القول الثاني، والذي فيه تقليل من شأن هذا الطعام، وجحود بنعمة الله تعالى عليهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قولهم (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ) جاء طلبهم بأداة النفي والتأكيد (لَنْ) ومعنى هذا أنهم لا يطلبون طعامًا آخر فقط، ولكن المعنى: يا موسى لن نبقي معك، ولن نسمح لك بالقيادة اذا لم تحقق لنا ما نطلبه
اذن هناك ثورة من بنى اسرائيل ضد نبيهم موسى -عليه السلام-
وأريدك أن تتخيل معى هذا الموقف، أن بنى اسرائيل عددهم عندما خرجوا من مصر كانوا ستمائة ألف، ولابد أنهم في سنوات التيه قد زاد عددهم الى سبعمائة ألف أو ثمانمائة ألف، وهم يسيرون في الصحراء مع نبى الله موسى –عليه السلام- في التيه، أي أنهم تائهون في صحراء سيناء ويدورون حول أنفسهم في قطعة أرض صحراوية مساحتها حوالى خمسون كيلو متر في خمسون كيلو متر
ثم فجأت ثارت كل هذه الأعداد ضد القائد وهو موسى –عليه السلام- وتردد (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ) تدل على الجفاء في علاقتهم مع الله تعالى، فهم لم يقولوا: "ادع لنا ربنا"، أو "ادع الله"؛ وهذا من كبرهم، وغطرستهم، وسفاهتم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)
قلنا أن الله تعالى نزل على "بنى اسرائيل" المن والسلوي
وقلنا أن العجيب أن بنى اسرائيل كانوا يجمعون من المن والسلوي ما يكفيهم في يومهم هذا، فاذا ادخروا أو جمعوا ليوم آخر فسد في اليوم التالي، باستثناء يوم الجمعة، لأن يوم السبت لا يعملون بل يتفرغون للعابدة، فاذا ادخروا يوم الجمعة ليوم السبت لا يتلف
وكان ذلك درسًا عمليًا لبنى اسرائيل حتى يتعلم "بنى اسرائيل" التوكل على الله بطريقة عملية، فيكون توكلهم مثل توكل الطير تغدوا خماصًا وتعود بطانا
ولذلك جعلهم يأخذون ما يكفيهم ليوم واحد فقط، فاذا ادخروا منه ليوم آخر فسد، فاذا ادخروا يوم الجمعة ليوم السبت لا يفسد حتى يعلمهم أن هذا الطعام لايفسد لطبيعة الطعام، ولكنه يفسد حتى يتعلموا هذا الدرس العملي في التوكل
ولكن بنى اسرائيل لم يتعلموا الدرس، ولذلك طلبوا من موسى في هذه الآية هذا الطلب، فقالوا (يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)
لأن "المن" أصله غير معروف لديهم، فربما لا ينزل عليهم، والسلوي كذلك فقد لا تأتي أسراب السمان، ولذلك طلبوا شيء –من وجهة نظرهم مضمون- فقالوا (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) حتى لو كان أقل في الطعم
وهذا يدل على أن "بنى اسرائيل" لم يتعلموا الدرس الذي أراد الله تعالى لهم أن يتعلموه، وأن ثقتهم بعطاء الله تعالى غير موصولة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وبنى اسرائيل لم يطلبوا من موسى أن يزرعوا هذه الأطعمة، ولو كان المقصود هو الزراعة لما توجهوا بالطلب أصلًا لأن الزراعة لا تحتاج الى طلب، ولأنهم أهل بدو وترحال، ولأن الأرض غير صالحة لزراعة هذه الأطعمة، والأهم أنهم لا يريدون أن يتعبوا في الزراعة، فهم لا يريدون أن يحرثوا، ويبذروا ويسقوا وينتظروا ويحصدوا، بل هم يريدون أن يأتي لهم موسى بهذه الأطعمة بمعجزة، أن يضرب الأرض بعصاه فتخرج هذه الأطعمة، كما يضرب الحجر بعصاه فنتنفجر عيون الماء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)
(بَقْلِهَا) البقل ليس المقصود به البقوليات، ولكن كل نبات لا ساق له، فالشجر هو النبات الذي له ساق، والبقل هو النبات الذي لا ساق له، مثل الخس والفجل والكرات والجرجير والْكَرَفْسِ والشبت والبقدونس
(وَقِثَّائِهَا) وقرأت (وَقُثَّائُهَا) جمع قِثَّاءَةُ، وهو ما نطلق عليه في اللغة الدارجة "الْقَتَّةُ"
(وَفُومِهَا) هو القمح الذي يصنع منه الخبز، فطلبهم "الفوم" أو القمح، هو طلب الخبز، أو هو الثوم، لأن العرب كانت تنطق الثوم فتقول: ثوم وفوم، وهناك قراءة بعيدة (وَثُومِهَا)
(عَدَسِهَا) هو العدس
(وَبَصَلِهَا) هو البصل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونلاحظ أن هذه الأطعمة لا علاقة بينها وبين بعض، وهذا أمر غير معتاد في القرآن أن كل كلمة في القرآن تناسب ما قبلها وما بعدها وتناسب السياق العام
والسبب أن طلب بنى اسرائيل كان أشبه بثورة وكل واحد ينادي بالطعام الذي يريده
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) الأدني هو الأقل
والأدني هنا هو ما طلبوه، وهو: بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا
و(الخَيْرٌ) هو (المن والسلوي)
لأن الباء في اللغة العربية تدخل على المتروك، تقول: اشتريت القميص بمائة جنيه، يعنى أخذت القميص وتركت للبائع مائة جنيه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قلنا أن قوله تعالى (أَدْنَى) تعنى أقل، وهي هنا لا تعنى الدناءة، لأن ما تنتجه الأرض من نعم الله لا يمكن أن يوصف بالدناءة
(أَدْنَى) في الطعم
(أَدْنَى) في القيمة الغذائية، وهذا من الإعجاز العلمي في الآية، لأن برغم القيمة الغذائية العالية لما طلبوه وهو: البقل والقثاء والثوم والعدس والبصل، إلا أن القيمة الغذائية للمن والسلوي أعلى، لأنها تجمع بين الكربوهيدرات النباتية ممثلة في المن وبين البروتينات الحيوانية ممثلة في السلوي, والبروتينات المستمدة من لحوم الطيور (والتى منها طير السمان) هي أيسر في الهضم وافضل لجسم الإنسان من تلك المستمدة من لحوم الأنعام، وكل هذه أمور لم يصل اليها الأنسان الا في القرن العشرين
(أَدْنَى) لأن المن والسلوي يأتيهم بلا تعب ولا مشقة ولا معالجة، وما طلبوه يحتاج الى زراعة وتعب ومشقة وانتظار، حتى لو كان طلبهم أن تأتيهم هذه الأشياء بمعجزة، فهي تحتاج الى طهي كثير ومعالجة حتى تؤكل
(أَدْنَى) لأن "المن والسلوي" هو اختيار الله لكم، وهذه الأطعمة هي اختياركم لأنفسكم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن أجابهم موسى بقوله (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)
ثم قال لهم بعدها (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) اهْبِطُوا: انزلوا أو انتقلوا
اذن قابل "موسى" طلبهم بالإستنكار، مع أن من طبيعة الإنسان أن يسأم من تناول طعام واحد مهما كان حلاوته وحبه له
السبب
لأن "بنى اسرائيل" كانوا لا يتوقفون منذ خروجهم من مصر عن اتهام موسى بأنه قد خَدَعَهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مِصْرَ وَجَاءَ بِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، وكانوا يقولون أن حياتهم في مصر كانت أفضل من الحياة التى هم فيها الأن
برغم من أنهم كانوا عبيدًا في مصر، وكان أبنائهم يقتلوا أمام أعينهم، ونسائهم يستمتع بهن، وبرغم أن وجودهم في التيه أربعين سنة كان بسبب رفضهم وخوفهم وجبنهم من القتال برغم أن الله تعالى وعدهم بالنصر
وبرغم كل ذلك كانوا يهاجمون موسى عليه السلام بأن حياتهم في مصر كانت أفضل، وكل ذلك بسبب بعض الأطعمة الرخيصة من الثوم والبصل والعدس، وهي الأطعمة التى نطلق عليها الآن الأطعمة الشعبية، مع أن الله تعالى أبدلهم بأطعمة هي التى نطلق عليها أطعمة السادة والأغنياء
وكانت هذه الأطعمة جزء من العلاج النفسي من الله تعالى لبنى اسرائيل حتى يتخلصوا من احساسهم بالعبودية
اذن قول موسى (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) يعنى اذا كنتم لا تتوقفون عن اتهامي بأني قد خدعتكم وأخرجتكم من مصر حيث الجو المعتدل والنيل والطعام الكثير، فعودوا اذن الى مصر والى حياتكم الدارجة والمألوفة حيث الذل والهوان والخنوع، وستجدون هناك ما تطلبونه من العدس والبصل والثوم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك قال بعدها (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) كأنها تعليل لما سبقها
ومعنى (ضُرِبَتْ) يعنى (الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) يعنى أحاطت بهم، من قولهم ضربت الخيمة على فلان يعنى أحاطت به
كذلك معنى (ضُرِبَتْ) أي أصبحت طبعًا فيهم وجزء من شخصيتهم لايمكن التخلص منها
كما كانوا يكتبون على النقود قديمًا "ضرب في مصر" أو "ضرب في القسطنطينية" أي ضرب هذا المعدن ضربة قوية جعلت الكتابة بارزة لا يمكن محوها
أيضًا سنوات الذل والهوان الطويلة لهم في مصر، جعلت (الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) طبعًا فيهم وجزء من شخصيتهم لايمكن التخلص منها
وَ(الْمَسْكَنَةُ) هي انكسار في الهيئة، وهي من "السكون" لأن الفقير تسكن حركته، فكان فرعون يفرض عليهم ضرائب باهظة، فكان "بنى اسرائيل" في مصر اذا كان عند بعضهم أموال فانه يعيش في بيوت فقيرة، ويرتدي هو وأبنائه ملابس ممزقة وقذرة، ويقفون في ذلة وخضوع حتى لا يدفعوا هذه الضرائب
وبمرور الوقت أصبحت الذلة والمسكنة طبعًا فيهم لايمكنهم الخلاص منه
اذن سبب اتهامهم لموسى أن حياتهم في مصر كانت أفضل بسبب هذه الأطعمة الرخيصة برغم ما كانوا فيه في مصر من ذل وعذاب وهوان أنهم (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال بعض المفسرون أن (اهْبِطُوا مِصْرًا) يعنى مصر من الأمصار، أي بلد من البلاد، وليس المقصود بها البلد "مصر" لأنها جائت مصروفة أي منونة
ونقول أن هناك أسماء كثيرة جائت في القرآن مصروفة، أي منونة، مثل: نوحًا ولوطا وشعيبا ومحمدًا وهودًا
أيضًا هناك قراءة بلا تنوين (اهْبِطُوا مِصْرا)
وهناك قراءة –وهي قراءة ابن مسعود بدون ألف (اهْبِطُوا مِصْرَ)
ولذلك فسياق الآية يشير الى أن المقصود بكلمة (مِصْرًا) هنا هي البلد مصر
ومن شرف مصر أنها قد ذكرت في القرآن (44) مرة منهم (5) مرات ذكرت صراحة، منها هذه المرة
بل هي الدولة الوحيدة التى ذكرت في القرآن ولا تزال موجودة الى الآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فعلى تفسير البعض أن (اهْبِطُوا مِصْرًا) يعنى مصر من الأمصار، يكون المقصود أن موسى قال لهم: اذا كنتم تريدون هذه الأطعمة، فاستقروا في أحد الأمكنة وقوموا بزراعة هذه الأطعمة بأنفسكم، لأن الله تعالى لن ينزل عليكم هذه الأطعمة كما أنزل المن والسلوي
أو (اهْبِطُوا مِصْرًا) هي بيت المقدس التى أمرهم الله تعالى بدخولها وخافوا وجبنوا، فاذا كنتم تريدون هذه الأطعمة فهي موجودة هناك، فنفذوا أمر الله تعالى بالقتال وادخلوا الأرض المقدسة وستجدون هناك الأطعمة التى تطلبونها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال تعالى (وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) يعنى استوجبوا واسْتَحَقُّوا غضب الله، وسخطه عليهم وَتَنْكِيرُ الْغَضَبِ دَلَالَةٌ عَلَى شدة الغضب والسخط من الله جَلَّ شَأْنُهُ.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ) يعنى ذَلِكَ الْعِقَابُ بِضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَبِالْغَضَبِ الْإِلَهِيِّ بِسَبَبِ الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللهِ، لأن شاهدوا من العجائب والغرائب والمعجزات ما لم تشهده أمة من الناس، ومع ذلك فلا أثر لها في نفوسهم،
فَهُمْ بِهَا كَافِرُونَ فِي الْحَقِيقَةِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) و قرأت (وَيُقْتِلُونَ) وقرأت (النبيئين ) ذكر الله تعالى واحدة من أبشع جرائمهم وهي قتل أنبياء الله، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا"
الرسول هو الذي يأتي بمنهج جديد
والنبي هو الذي يتبع منهج نبي قبله
وسمي النبي بذلك لأنه ينبأ عن الله تعالى، أي يخبر عن الله
والنبي جاء ليكون أسوة سلوكية
وقد بعث الله تعالى لبني اسرائيل كثير من الأنبياء لبنى اسرائيل، وكثرة أنبياء بنى اسرائيل دليل على فسادهم، كما أن المجتمع الفاسد الآن يحتاج الى عدد كبير من الدعاة، كما اذا انتشرت الأمراض في مكان فانه يحتاج الى كثير من الأطباء
ولكنهم قتلوا كثير من أنبيائهم مثل "زكريا" و"يحي" و"دانيال" وغيرهم الكثير، حتى قيل أنهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبيًا، وحاولوا قتل "يوشع بن نون" و وحاولوا قتل "عيسى بن مريم" بل وحاولوا قتل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
لأن الكفار والعاصى يكره الملتزم لأنه يفضح عدم التزامه، كما قال تعالى ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كيف يسمح الله تعالى بقتل أنبيائه
نقول أن الله تعالى خلى بين الكفار وبين أنبيائه حتى سمح لهم بقتل بعض أنبيائه، ليرفع درجة هؤلاء الأنبياء
وهؤلاء الأنبياء ماتوا في آجالهم التى حددها الله لهم قبل أن يخلق السماوات والأرض، ولم لو يمت هؤلاء الأنبياء قتلًا على يد الكفار لماتوا في نفس اللحظة وفي نفس المكان كما قدر الله تعالى
ثم دلل الله تعالى على عزته بأنه تعالى ما أمر نبيّاً ولا رسولًا بالحرب إلا نَصَرَهُ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقوله (بِغَيْرِ الْحَقِّ) وهل يقتل نبي بحق، ولكن قال تعالى (بِغَيْرِ الْحَقِّ) لتفظيع فعلهم
أيضًا بِغَيْرِ الْحَقِّ في نظرهم، فقد يقتل القاتل وهو يعتقد أنه على حق، وأن القتيل مقتول بحق، فحين قتلوا الأنبياء لم يقتلوا الأنبياء وهم يعتقدون أنهم على حق
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
(عَصَوْا) العصيان ضد الطاعة
(يَعْتَدُونَ) الاعتداء هو تجاوز الحد، والمعنى أي يعتدون على شرائع الله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) تناسب الكلام قبلها والكلام بعدها
فضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، تفسير وتعليل لما قبلها وهو حنينهم الى حياتهم في مصر بسبب هذه الأطعمة الرخيصة برغم ما كانوا فيه في مصر من عذاب وهوان
وتناسب –كذلك- الكلام بعدها لأن "بنى اسرائيل" ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
(ذَلِكَ) يعنى بسبب
أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ
وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)
(ذَلِكَ) يعنى بسبب
أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ
وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
(ذَلِكَ) الثانية، يعنى وبسبب أيضًا
أنهم عَصَوْا
وأنهم كَانُوا يَعْتَدُونَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك قراءة بفهم آخر
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ (بسبب) أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ (الثانية) (بسبب) بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
كأن الله تعالى ينبهك الذنب يؤدي الى ذنب، وصغار الذنوب تؤدي الى كبائرها
فعصيانهم المستمر واعتدائهم على حرمات الله تعالى أدي الى كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء
ثم كفرهم بآيات الأنبياء وقتلهم الأنبياء أدي الى أكبر عقاب في التاريخ وهو ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
*********************************
لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا
لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا
*********************************
|