تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الستون
تدبر الآيات من (67) الى (73) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الآيات تتناول قصة من أهم قصص القرآن الكريم، وهي قصة بقرة بنى اسرائيل
والقصة أن رجلًا من بنى اسرائيل، قيل أن اسمه "عاميل" وكان غنيًا، ولم يكن له ولد يرثه، وكان له ابن أخ وقيل ابن عم وارثه وكان فقيرًا، فاستعجل الفتى موت عمه، فقرر أن يقتله ليرثه
ذهب الفتى الى عمه وطلب منه أن يذهب معه الى بعض التجار ليأخذ بضاعة منهم، وقال له: اذا رأوك معى أعطوني، فخرج العم مع الفتى ليلًا، فلما كانا قريبًا من أحد الأسباط قتله الفتى، ثم رجع الى بيته ونام، فلما أصبح قال له الناس أن عمه قد قتل، فانطلق الى ذلك السبط وأخذ يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي واعماه ! ثم طلبهم بديته، فقالوا والله ما قتلناه، فتسلح السبطان: سبط الفتى والسبط المتهم بقتل العم، وكاد يقع قتال بينهم
ورفع الأمر الى موسى –عليه السلام- فقال الفتى: قتلوا عمي وطلب ديته، وقال هذا السبط لموسى: يا نبى الله والله ان ديته علينا لهينة، ولكنا نستحي ان نعير به، فادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه، فذلك قول الله تعالى في الآية (71) (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)
ومعنى (ادَّارَأْتُمْ) يعنى كل فريق أخذ يدرأ التهمة عن نفسه، أي يدفع التهمة عن نفسه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ) يعنى واذكروا يا بنى اسرائيل نعمتى عليكم في قصة البقرة، من احياء المقتول وتحديد القاتل فتجنبتم بذلك فتنة عظيمة ومقتلة عظيمة كادت أن تقع بين أسباط بنى اسرائيل، ورأيتم بأعينكم قدرة الله تعالى في احياء الموتى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)
(يَأْمُرُكُمْ) قرأ البعض بسكون الراء (يَأْمُرْكُمْ)
البقرة هي الأنثى من البقر والذكر ثور، مثل ناقة وجمل، وامرأة ورجل، فيكون تأيثه بغير لفظه
واسم البقرة مأخوذ من البقر أي الشق، فكانوا يقولون: بقر بطنه اذا شقه، لأن البقرة تشق الأرض في الحرث
والإمام جعفر الباقر بن الإمام على زين العابدين، سمي بالبقاقر لأنه بقر العلوم أي شقها وعرف أصلوها
قال بعض أهل العلم: البقر سيد الحيوانات المستئنسة .
وقد اختار الله تعالى البقرة من بين جميع الحيوانات لعة تاريخية هم يعرفونها، وهي أنهم عبدوا العجل من دون الله عندما ذهب موسى لميقات ربه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)
لم يقل موسى –عليه السلام-: انى آمركم، ولكنه –عليه السلام- قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) ليكون أعظم وقعاً في نفوسهم، وأدعى إلى قبوله وامتثاله
ولو قال –عليه السلام- انى آمركم لكان يجب عليهم الامتثال أيضًا، لأنه رسول ومبلغ عن الله تعالى، ولكنه –عليه السلام- مع ذلك من رحمته بهم، واشفاقه أن يخالفوا أمر الله تعالى، قال لهم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) ليكون أعظم وقعاً في نفوسهم، وأدعى إلى قبوله وامتثاله
وكان ينبغي على بنى اسرائيل عند سماع كلمة (اللَّهَ) و(يَأْمُرُكُمْ) أن يمتثلوا وينفذوا فورًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وجاء اسم البقرة نكرة، فقال تعالى (أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) أي أي بقرة
فلو اعترضوا أي بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، حتى لو كانت عرجاء أو ضعيفة أو مريضة أو بها أي عيب، وقيل أن البقرة كانت بثلاثة دراهم
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "والذي نفس محمد بيده لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدّد الله عليهم"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)
قرأ أحدهم "أيتخذنا هُزُوًا" بالياء, أي قال ذلك بعضهم لبعض "أيتخذنا هُزُوًا" ثم واجهوا موسى بهذا الإتهام وقالوا له (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)
وفي (هُزُوا) قراءاتٌ سِتٌّ، المشهورُ منها ثلاثٌ:
(هُزُوًا) بضم الهاء والزاي، وهو رسم المصحف
(هُزُؤاً) بضم الهاء والزاي، ولكن هناك همز
(هُزْءاً) هناك همز، ولكن الهاء مضمومة، والزاي ساكنة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)
فقالوا: تستهزئ بنا، يعنى تستخف بنا ! نحن نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح بقرة!!
لأن هناك قتال سيقع بين أسباط بنى اسرائيل، وهناك فتنة، وهناك قتيل، وهناك أولياء للقتيل يطلبون دمه، فالجو شديد التوتر، ثم أمرهم موسى بأمر ليس له –في الظاهر- أي علاقة بموضوع القتيل
ونحن لا نلمتس لهم العذر في هذه الكلمة الفاجرة، ولكن نشرح دوافعهم التى من أجلها قالوا هذه الكلمة
(قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
فكأن موسى صدم من ردهم، لأنه لا يتصور لنبي أن يسخر أو يستهزأ بقومه، ولا يتصور أن يمزح نبي في مثل هذا الموضع، ويستحيل أن يقول رسول قال الله كذا وأمركم بكذا وهو لم يقل، فمثل هذا بعيد وغير متصور بالنسبة للشخص العادي، فما بالك اذا كان نبيًا رسولًا، والصفة الأساسية للرسول هي الأمانة في التبليغ عن الله تعالى
ولذلك نفي موسى –عليه السلام- عن نفسه هذا الأمر عن طريق الإستعاذة استفظاعاً له ، كما يقول لك أحدهم: أأنت قلت عنى كذا، فتقول له: أعوذ بالله، يعنى ليس مجرد أن تنفي عن نفسك هذه المقولة، ولكن تنفيها وأنت تستفظع وتهول أن تقول مثل هذا
وأيضًا تعريض بهم أي أنتم جاهلون حيث نسبتموني إلى الاستهزاء .
والجهل هو نقيض العلم، والمراد بـ "الجهل" هنا السفه والخفة
عندما تقدم رجل الى قاضى الكوفة وكان اسمه "عبيد الله بن الحسن" في مظلمة، فمازحه القاضى، وقال له: جبتك هذه من صوف نعجة أو صوف كبش فقال له : لا تجهل أيها القاضي، فقال له عبيد الله: وأين وجدت المزاح جهلا، فتلا عليه هذه الآية، لأن المزاح في موضع الجد جهل، أي سفاهة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
كما قلنا لو جاءوا بأي بقرة فذبحوها لانتهى الأمر، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم
فقالوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ) مَا هِيَ يعنى ما جنسها، وهذا من حماقتهم، لأن موسى حدد لهم الجنس فقال بَقَرَةٌ، سألوا عن الماهية والماهية مذكورة في الأمر
ومع ذلك لم يدخل معهم موسى في جدال، فأجابهم بما كان يجب أن يكون عليه سؤالهم
(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ) والفارض: المسنة التي لا تلد, كانت العرب تقول: فرضت البقرة اذا أسنت، لأن الفارض هو الواسع فكانت البقرة اذا أسنت تكون قد ولدت بطونا كثيرة فاتسع بطنها
(وَلَا بِكْرٌ) والبكر: الصغيرة التي لم تتزوج ولم تلد، كما نقول فتاة بكر اذا كانت لم تتزوج
(عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) يعنى النصف التى بين ذلك، ولا هي مسنة ولا صغيرة، وهي التى ولدت بطنًا أو بطنين أو ولدت وولد ولدها
(فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) يحثهم موسى على امتثال الأمر، وكأنه يقول لهم، نفذوا الأمر ولا تسألوا أسئلة أخري
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
(فَاقِعٌ لَوْنُهَا) هو أعلى درجة من درجات الصفرة، فكانت العرب تقول: أصفر فاقع، أي أصفر شديد الصفرة، وأحمر قاني، وأسود حالك، وأخضر مدهام، أبيض ناصع
(تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) يعنى تعجب النَّاظِرِينَ
لأن الماشية عندما يكون معتنى بها فان تسر من ينظر اليها، تكون ناضرة الجلد، مكتنزة اللحم، العظم غير ظاهر
اذن هم سئلوا موسى عن أمر واحد وهو لون البقرة، فكان الطبيعي أن يجيبهم موسى بوصف واحد عن البقرة، وهو لون البقرة: أصفر، ولكن موسى أجابهم موسى بثلاثة أوصاف عن البقرة: أولًا: اللون أصفر، ثانيًا: درجة اللون الفقوع، أي أعلى درجة من درجات اللون الأصفر، وثالثًا: أن البقرة تسر الناظرين
كأن الله تعالى يقول لهم، أنكم تعاقبون على هذا السؤال، أنتم تسألون عن صفة واحدة، فشدد عليكم بثلاثة صفات، فتوقفوا عن الأسئلة قبل أن تعاقبوا عقوبات أخري بالتشديد عليكم بصفات أخري
(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
) ادْعُ لَنَا رَبَّكَ( في كل حديثهم الى موسى يقولون (رَبَّكَ( وكأن الله تعالى هو رب موسى فقط وليس ربهم، وهذا يدل على جفاء في العلاقة بينهم وبين الله تعالى
) يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ( يعنى ما صفتها، اذن هناك اصرار على التشدد
(إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) يعنى التبس علينا
ذهبوا ينظرون إلى البقر، فقال أحدهم: هذه هي، وقال آخر: لا بل هذه ؟ وقال ثالث: بل هذه ! فعادوا إلى موسى قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا، يعنى التبس علينا، وليس هناك أي لبس أو اشتباه، لأن الله تعالى ذكر أنها بقرة، وذكر سنها وذكر لونها
(وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) يحتجوا بعدم هدايتهم بالله تعالى، يعنى نحن لم نهتدي الى الآن لأن الله تعالى لم يشأ لنا أن نهتدي
وهذا من خبثهم في التعامل مع الله تعالى
وهذه المواقف حتى نتعلم نحن ولا نقع في الأخطاء التى وقع فيها بنى اسرائيل
تقول لأحدهم: هل تستيقظ لصلاة الفجر ؟ فيرد: ربنا يهدين ان شاء الله
هل حججت ؟ ربنا لسه لم يأذن
هكذا نعلق تقصيرنا على شماعة (وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ)
) إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا(
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
(لَا ذَلُولٌ) يعنى هي ليست ذلول، يعنى ليست مروضة أو مستأنسة أو طيعة
(تُثِيرُ الْأَرْضَ) يعنى تستخدم فقط في حراثة الأرض، لأن المحراث يقلب التربة فيثير الغبار
(وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ) الْحَرْثَ: هو الزرع، فهي لا تستخدم في سقاية الزرع لأنها غير طيعة
اذن من صفتها أنها ليست سهلة ولا منقادة، وتعمل بعض الأعمال ولا تعمل أعمال أخري، فهي تحرث الأرض ولكنها لا تسقي الزرع
أو المعنى أنها ليست مستئنسة فهي لا تعمل لا في حراثة الأرض ولا في سقاية الزرع
(مُسَلَّمَةٌ) من السلامة، سليمة من العيوب كالعور والعرج.
(لَا شِيَةَ فِيهَا) الشية العلامة، وهو اللون الذي يخالف اللون الأصلى، كما نقول "ثوب موشى" أي فيه زخارف، اذن (لَا شِيَةَ فِيهَا) أي لا يوجد فيها لون غير لونها الأصفر الفاقع لا سواد ولا بياض ولا حمرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقّ) هذه قمة اساءة الأدب والكبر والغرور والغباء، كأن موسى لم يأت بالحق قبل ذلك، وكأنهم هم الذين توصلوا للحق بعد أن طرحوا هذه الأسئلة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)
لم يجدوا البقرة التى وصفها لهم موسى الا عند أرملة عندها يتامي، فلما علمت حاجتهم للبقرة ضاعفت عليهم الثمن، فاشتكوا الى موسى فقال لهم:
- إن الله قد كان خفف عليكم, فشددتم على أنفسكم, فأعطوها ما طلبت
وقيل أنه كان في بنى اسرائيل رجل صالح واشرف على الموت، وكان له ولد صغير، ولم يكن له الا بقرة صغيرة، فأخذ هذه البقرة الصغيرة الى المراعي ورفع يديه وقال: اللهم أستودعك هذه العجلة لولدي الصغير، ثم أطلقها في المراعي، ومات الرجل، وكبرت العجلة في الروضة فلم تذلل للعمل وكانت وحشية لا أحد يقترب منها، وكبر الغلام، وقصت عليه أمه الخبر، وقالت له اذهب فاطلب البقرة، فخرج الغلام فلما لبث أن وجدها بصفتها التى وصفتها له أمه، فلما رأته البقرة أتته تسعى مستسلمة منقادة، فأخذها فرأته بنى اسرائيل، وقالت هاهي البقرة، وطلبوا شرائها، فغالى الغلام وأمه في الثمن حتى قيل أنه طلب ملأ جلدها ذهبًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) يعنى كادوا ألا يفعلوا، يعنى ذبحوها على مضض وعلى كره منهم
لأن عندهم أصلًا تلكؤ وتباطؤ وعدم رغبة في تنفيذ الأمر
وأيضًا لأن ثمنها أصبح غاليًا، وكان عندهم حرص على المال
وربما لأنه كانت هناك رغبة من الجميع تقريبًا في ألا يُعْرَف القاتل
فالسبط المتهم بالقتل يخشى أن يكون القاتل من بينهم وهم لا يعرفونه
والسبط الذي منه القتيل، يخشى ألا يكون القاتل من السبط الذي يتهمونه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
هذه الآية هي أول القصة، فأول القصة هي أن رجلًا من بنى اسرائيل قتل، ولم يعرفوا قاتله، ولذلك قال تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) يعنى كل سبط أخذ يدرأ أي يدفع التهمة عن نفسه
كما في دعاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ: أيْ أدْفَعُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ لِتَكفِيَني أمْرَهمْ
اذن جائت بداية القصة بعد أن انتهت القصة، وسأذكر سبب ذلك في حلقة خاصة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
لما ذبحوا البقرة، أمرهم موسى أن يأخذوا عظمًا منها ويضربوا بها القتيل، ففعلوا فرجع اليه روحه، فقال لهم الذي قتله، وهو ابن أخيه الذي اشتكي الى موسى، ثم عاد ميتًا كما كان، فأخذوا القاتل فقتلوه
(وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ تعالى في احياء الموتي، وقد اختار تعالى أن يكون احياء هذا الميت بضرب ميت بميت، وليس ميت بحي، ليدل على طلاقة قدرته تعالى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد سميت سورة البقرة باسم هذه القصة، وسورة البقرة هي أطول سورة في القرآن ولها فضل عظيم، وهذا يدل على أهمية هذه القصة
وقد قلنا من قبل أن سورة البقرة عرضت نماذج من نماذج الاستخلاف في الأرض حتى نتعلم نحن المسلمون من هذه النماذح، ومن هذه النماذج نموذج بنى اسرائيل وهو نموذج فاشل من نماذج الاستخلاف في الأرض، حتى لانقع في الأخطاء التى وقع فيها بنى اسرائيل
وهذه القصة تتناول خطأ جوهري من أخطاء بنى اسرائيل، وهو التَّنَطُّعَ والتشدد وكثرة السؤال
اذن وجه الِاعْتِبَارِ في القصة والذي ينبغي أن نتنبه اليه هو ترك التَّنَطُّعَ والتشدد في الدين وكثرة السؤال
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"
ويقول "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"
حديث آخر (فإن المُنْبَتَّ لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى)
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا
في الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ لم يسأل عن شيء إلاَّ قَالَ : افْعَلْ وَلا حَرَجَ، قال رجل حلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فقال: افْعَلْ وَلا حَرَجَ، جاء آخر: فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ ؟ قَالَ : افْعَلْ وَلا حَرَجَ.
في حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر، والعرق: هو القفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدَّق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما في المدينة أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قصة البقرة هي من أهم قصص القرآن، بدليل أن سورة البقرة وهي أطول سورة في القرآن قد سميت باسم هذه القصة
لأن قصة البقرة تعالج أهم مشكلة تواجه المجتمع الآن وهي مشكلة التشدد والتعصب وظهور الجماعات التكفيرية والمعتدية، ومن ثم ممارساتها الوحشية وقام الإعلام الغربي المتحيز والمملوك لليهود بتركيز الضوء على هذه الجماعات وقالوا للعالم كله أن هذا هو الإسلام، وأن الإسلام المعتدي هو مجرد تجميل لوجه الإسلام، بينما الإسلام الحقيقي هو اسلام هذه الجماعات التكفيرية، وبذلك نجحوا بامتياز في تشوية صورة الإسلام
ليس هذا فحسب بل ان التشدد والتشبث بالأمور الشكلية، كان من أبرز الأسباب التى دفعت الشباب المسلم الموجود داخل الدول الإسلامية الى الإلحاد
الحل:
هو رفع الثقافة الدينية، لأن السبب الرئيسي للتشدد هو الجهل الدينى، وشعوبنا تعانى من امية دينية
فالحل هو الإهتمام بالثقافة الدينية في المدارس والجامعات والنوادي ووسائل الإعلام
قصة البقرة تعالج مشكلة ظهور الجماعات التكفيرية والمعتدية
|