Untitled Document

عدد المشاهدات : 2706

الحلقة (98) من تدبر القُرْآن العَظِيم (إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثامنة والتسعون
تدبر الآية من (164) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍۢ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍۢ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ (164)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحدثنا في اللقاء السابق عن قول الله تعالى في الآية (163) من سورة البقرة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وقلنا أن هذه هي قضية الدين الأساسية، لأن الإسلام جاء وهناك مئات أو الاف الآلهة التى تعبد من دون الله تعالى، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أن إِلَهَ جميع الخلق واحد
وفي هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى الدليل على هذه القضية، وهي وحدانية الله تعالى بعدد من الآيات الكونية
لأن عندما نزلت (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) قال المشركون: كيف يَسعُ الناسَ إله واحد؟ وطلبوا من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آيات على صدق وحدانية الله تعالى
فأنـزل الله هذه الآية (إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ....) يعلمهم فيها أنّ لهم في خَلق السموات والأرض وسائر ما ذكر مع ذلك، آيات بينات واضحات على وحدانية الله, وأنه لا شريك له في ملكه
لأنه ليس هناك أي اله عبد من غير الله تعالى أدعي أنه أوجد هذه الموجودات
بل ليس هناك من أدعي لتلك الآلهة ذلك
فلم يقل أحد من الأصنام أنه خلق السماوات والأرض، ولم يقل أحد من المشركين أن الأصنام فعلت ذلك، ولا أحد منهم يستطيع أن يدعي ذلك
ولم يقل أحد من الهندوس أن البقر الذي يعبدونه قد خلق السماوات والأرض، ولم يدع البقر بالطبع هذا الأمر 
أمر آخر أن هذه الآيات التى ذكرتها الآية الكريمة لها قوانين ثابتة تحكمها
فالسماوات على اتساعها لها عدة قوانين فيزيائية تحكمها، مثل قانون الجاذبية مثلُا، حددها العلماء بأنها سبعة قوانين أساسية 
فلو كان هناك عدة الهة اشتركت في خلق هذا الكون لكان لكل جزء من الكون له قوانينه، ولكن القوانين التى في الأرض هي نفس القوانين على الكواكب التى تبعد عنا ملايين السنين الضوئية
وهذا دليل آخر على وحدانية الله تعالى
جاء الإسلام وهناك الاف الآلهة التى تعبد من دون الله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ) 
نحن نعيش على هذه الأرض وهي لا تمثل الا ذرة في هذا الكون، فنحن نعلم أن الأرض ضمن ما يطلق عليه المجموعة الشمسية، والتى تتكون من الشمس وثمانية كواكب منها الأرض الى جانب الكويكبات والأقمار والنيازك والمذنبات، والشمس هي كرة غازية عملاقة، وحجمها يعادل 1,300,000 حجم الأرض، لدرجة أن ألسنة اللهب التى تنطلق من الشمس يعادل حجمها مئات المرات حجم الأرض، فلو اقترب أحد هذه الألسنة من الأرض لابتلع الأرض في لحظة

حجم الشمس يعادل 1,300,000 حجم الأرض
والمجموعة الشمسية، تقع في مجرة، أطلق عليها علماء الفلك مجرة "درب التبانة" وهي تضم مليارات النجوم والكواكب، والتى تعتبر نجمٌ مُتوسّط الحجم 
درب التبانة
درب التبانة في ليلة صافية
والمسافات بين هذه الكواكب فوق تصور العقل، فهي لا تحسب بالكيلو مترات أو الأميال، ولكن تحسب بالسنين الضوئية، وهي المسافة التى يقطعها الضوء في سنة كاملة، هذه هي وحدة الحساب، والضوء يسير بسرعة 300000 كيلو متر في الثانية
وأقرب النجوم الينا المسافة بينه وبين الأرض أربعة سنوات ضوئية، لذلك اذا نظرت الى هذا النجم فأنت لا تراه في مكانه الموجود فيه، ولكنه في مكانه الذي كان موجودًا فيه منذ أربعة سنوات
ويبلغ قطر درب التبانة حوالي 100,000 سنة ضوئيّة
قطر درب التبانة 100,000 سنة ضوئيّة
فلو أبتعدنا بالصورة لنري درب التبانة، لا يستطيع أحد أن يميز نجمًا مثل الشمس من بين مليارات النجوم
ولو ابتعدنا بالصورة أكثر، لوجدنا أن الكون يحوي مليارات المجرات، ولبدت هذه المجرة المذهلة كنقطة صغيرة ولما استطعنا أن نميز من بين مليارات المجرات في الكون 
اذن (فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ) دليل على وحدانية الله تعالى، لأنه –كما ذكرنا- لم يدع أحد أنه خلق هذا الكون، وهذه الآلهة التى تعبد من دون الله لم تدعِ أنها خلقت ٱلسَّمَٰوَٰتِ، ولا الذين يعبدونها يستطيعون أن يدعوا لها ذلك
و القوانين التى تحكم الكون كله واحدة، فالقوانين الفيزيائية التى في الأرض، هي نفس القوانين التى في المجموعة الشمسية ، وهي نفس القوانين التى في الكواكب التى تبعد عنا ملايين السنين الضوئية
وهذا دليل على وحدانية الخالق –سبحانه وتعالى - 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ)
الأرض التي نعيش عليها هيئها الله تعالى حتى نستطيع أن نعيش عليها، فالكرة الأرضية تبعد عن الشمس مسافة مئة وخمسين مليون كيلو متر(ثمانية دقائق ضوئية) فلو كانت الكرة الأرضية أبعد بقليل من هذه المسافة عن الشمس لتجمدت الحياة على الأرض، ولو كانت أقرب أيضاً بقليل من الشمس لاحترقت المخلوقات على وجه الأرض.
ونحن نعلم أن الأرض تدور حول نفسها، وهي تدور بالسرعة المناسبة، فلو كانت الأرض تدور حول نفسها بأسرع مما هي عليه لقذَفت بالمخلوقات إلى الفضاء الخارجي
وجعل تعالى الأرض تدور حول الشمس فتنشأ الفصول، وجعلها تنتقل بين الفصول شيئًا فشيئا، فلو انتقلت من حر شديد الى برد شديد أو العكس لهلك الناس
وجعل في الأرض الجبال حتى لا تضطرب الأرض 
وجعل تعالى البحار والمحيطات والأنهار، وجعل مستوي الماء العذب في الأنهار أعلى من مستوي الماء المالح في البحار والمحيطات،  فلو كان منسوب المالح أعلى من العذب فسيطغى عليه ويفسده
وخلق الله تعالى في الأرض صدوع وتشققات تخرج منها الحمم البركانية، ولولا خروج هذه الحمم البركانية لتفجرت الكرة الأرضية كقنبلة نووية هائلة
والآيات والبراهين التى في الأرض والتى تدل على عظمة الخالق، وعلى وحدانية الله تعالى كثيرة لا حصر لها
هيء الله الأرض حتى نعيش عليها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ) وقد امتن الله تعالى علينا باختلاف الليل والنهار في خمسة مواضع من القرآن العظيم
ومعنى اختلاف الليل والنهار أن كلا منهما يأتي خلف الآخر، فالنهار يأتي خلف الليل، والليل يأتي خلف النهار.
وقد قلنا أن تعاقب الليل والنهار نتيجة دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، و قلنا أن الأرض لو كانت تدور حول نفسها بأسرع مما هي عليه لقذَفت بالمخلوقات إلى الفضاء الخارجي
ولو كانت الأرض أبطأ مما هي عليه لأمتد الليل طويلًا ولامتد النهار طويلًا، ربما لأشهر أو لسنوات، ولكن الله تعالى جعل مدة دوران الأرض حول الشمس 24 ساعة، وهي المدة المناسبة للنوم وللعمل والحياة المستقرة 
وهناك كوكب يدور حول ثلاثة شموس، ويستمر فيه النهار 140 سنة، والليل كذلك، وعلى ذلك يكون هناك عدة أجيال لا تعيش الا في النهار، ثم عدة أجيال لا تعيش الا في الليل 
(وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ)
كلمة "فُلْكِ" يستوي فيها المفرد والجمع، فهنا يقول تعالى (ٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ) جمع، وفي سفينة نوح قال تعالى (واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا) وهو مفرد
وهنا يقول تعالى أن الفلك التى تجري في البحر آية على وجود الله وعلى وحدانيته، لأن الماء لو لم يكن بهذه السيولة لما استطاعت الفلك أن تسير فوقه، ولا استطاعت الغواصات الآن أن تسير داخله
ولولا ما أودعه الله تعالى في الماء من خاصية أطلق عليها العلماء "قاعدة الطفو" أو "قاعدة أرشميدس"  Archimedes principleلما طفت السفن على الماء 
وهذه القاعدة تقول أنك اذا وضعت جسمًا في الماء وأزاح هذا الجسم كمية من المياه وزنها أكبر من وزن الجسم نفسه فان هذا الجسم يطفو، واذا كان وزن الجسم أكبر من وزن كمية الماء التى يزيحها فان الجسم يغوص
ولذلك فان سفينة حديدية تطفو، بينما يغوص مسمار صغير في الماء، لأن جسم السفينة صمم يحيث يزيح قدرًا كبيرًا من الماء
وأول سفينة صنعها الأنسان كانت بوحي من الله، يقول تعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)
حيث جاء جبريل الى نوح –عليه السلام-  وقال له: اصنعها على جهجه الطير، أي على هيئة القفص الصدي للطير
ثم يقول تعالي (بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ) سواء بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ من صيد البحر
أو بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ من نقل البضائع بين الدول المختلفة
لأن البضائع تنتقل بعدة وسائل للنقل، فهناك نقل عن طريق الجو، وهناك نقل بري عن طريق الشاحنات او خطوط السكك الحديدية
ومع ذلك يظل النقل البحري، بالرغم من أنه أبطأ وسيلة نقل، ولكن يظل هو أهم وسائل نقل البضائع لأنه يحمل عدد كبيرمن الحاويات لا تحملها الوسائل الأخري 
(وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍۢ)
المراد بالسماء هنا العلو، لأن كل ماعلاك هو سماء
وقد تحدثنا من قبل عن دورة الماء حول الأرض، وقلنا أن أصل الماء على الأرض خرج من باطن الأرض مع ثورات البراكين على هيئة بخار ماء، ثم ارتفع بعد ذلك في الغلاف الجوي وبرد وتكثف وعاد الى الأرض مطرًا، تجمع في المنخفضات وتكون منها البحار والمحيطات
وبدأت بعد ذلك دورة الماء حول الأرض
وهذه الدورة هي أن يتبخر الماء -أغلبه من أسطح البحار والمحيطات- ويصعد الى الغلاف الجوي ويبرد ويتكثف، وينزل مطرًا، فيعود كل ما تبخر من ماء الأرض اليها مرة أخري، ولذلك فان كمية المياه الموجودة في الأرض ثابة لا تتغير، فلا تزيد قطرة ولا تنقص قطرة، وربما كوب الماء الذي تشربه قد شربه قبلك مئات أو الآلاف، ولكنه ينزل ماءًا طهورًا بعد أن يكون قد تطهر من الأملاح والملوثات
بعض المطر ينزل في البحار، والبعض ينزل على اليابسة، والمطر الذي ينزل على اليابسة، يشرب منه الإنسان والحيوان والنبات، كما أنه يؤدي أدوارًا هامة كثيرة كتفتيت الصخور، وتكوين التربة، وتركيز المعادن،  ثم يعود بعد ذلك الى البحار والمحيطات، لتتكرر هذه الدورة المعجزة مرة أخري 
وتلك المراحل المتعددة اهتدينا إليها مؤخرا، وقلد الانسان هذه الدورة فقام بتبخير الماء المالح ثم يكثفه ليستخرج ماءًا مقطرًا، ثم يضاف اليه اضافات حتى يكون صالحًا للشرب، وهي عملية تستهلك الكثير من الجهد والمال والطاقة وتخلف آثار ضارة على البيئة 
بينما المعمل الإلهي يعمل من آلاف الملايين من السنين دون كلل أو ملل، وينتج لنا ماءًا عذبًا لا حصر لكمياته 
(فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) 
عندما تكون الأرض جافة تكون ميتة لا حركة فيها ولا حياة، فاذا نزل عليها الماء تدب فيها صفات الأحياء، من الغذاء والنمو والأنتاج  
 

(وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍۢ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍۢ)
معنى (بَثَّ فِيهَا) أي فرق فيها، كما يقول القائل "بث الأمير عيونه" أي فرق عيونه 
و(الدَآبَّةٍۢ) هي كل ما يدب على الأرض
فالمعنى: نشر وبسط كل ما يدب على الأرض
يقول العلماء أن عدد الكائنات الحية التى تشاركنا الحياة على كوكب الأرض 8.7 ملايين نوع، وتقول الدراسات أن 86% من الأنواع البرية غير مكتشفة، و91% من الأحياء البحرية غير مكتشفة، وذلك دون الأخذ في الاعتبار الأحياء مثل البكتريا والفيروسات التى تظهر تنوع مذهل يفوق ما سواها من ممالك الحياة
ونحن هنا نتحدث عن الأنواع وليس الأفراد، أما الأفراد  فالأعداد لا حصر لها، فالفراخ مثلًا أكثر من عدد البشر، وأمام كل شخص واحد يوجد حوالى 1.60 مليون نملة، حتى قال باحثون أنه إذا اجتمع النمل الموجود على كوكب الأرض في مكان واحد وقام بالهجوم على البشر، فإنه قد لا يتمكن البشر من الفوز في تلك المعركة
وكل من هذه الأحياء آية في حد ذاته، والذي يدرس أو يقرأ في علم الأحياء يجد ما يبهر العقل
(وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍۢ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ)
التصريف هو التحويل والتغيير، كما نقول لأحدهم: انصرف، أو تقول: انصرفت وهكذا
وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ أي حركة الرياح الى نواح مختلفة، فمرة تأتي من الشمال ومرة من الجنوب ومرة من الشرق ومرة من الغرب، وبذلك تأتي الرياح من المناطق الحارة لتهب على المناطق الباردة، وتاتي من المناطق الباردة الى المناطق الحارة، فيكسر بعضها حدة بعض، فلو تخيلنا أن للهواء مسارًا واحدًا لصار ذلك مرهقًا للبشر، ولو سكن الريح لتوقفت الحياة على الأرض، ولذلك فتصريف الرياح من آيات الله تعالى، وقد سمى العرب الريح بهاذا الإسم لأنها تريح النفوس
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن اعجاز القرآن العظيم أن كلمة "الرياح" اذا جاءت بصيغة الجمع –كما في هذه الآية- فانها تدل على الرحمة، أما اذا جاءت مفردة فانها تدل على العذاب
لأن الرياح اذا جاءت من جهات متعددة فانها تكون خيرًا، أما اذا جاءت من جهة واحدة فانها تكون مدمرة
فاذا كانت هناك عمارة من عشرة أدوار مثلًا وفرغت الهواء من ثلاثة جهات، وتركت جهة واحدة، فانها تسقط من ضغط الهواء من هذه الجهة، أما ضغط الهواء من جهاتها الأربعة يجعلها واقفة ثابتة
ولذلك فبرغم رقة الهواء، الا أنها من أقوي ما خلق الله تعالى في هذا الوجود  
وهذه القاعدة كسرتها آيتين: في سورة يونس يقول تعالى (وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) لأن الرياح اذا جاءت الى السفينة من عدة اتجاهات اضطربت ولم تكن خيرًا، ولذلك لم يترك كلمة "رِيحٍ" مطلقة، وانما أضاف لها وصفًا أنها "ِرِيحٍ طَيِّبَةٍ" 
الاية الثانية في سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) لأن الله تعالى سخّر الريح لسليمان يتصرف بها كيف يشاء، فالريح مع سليمان قد تكون للرحمة أو للعذاب 
 

اذا جاءت كلمة "الرياح" مفردة فانها تدل على العذاب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ)
قوله تعالى (بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ) أي جعل السحاب على ارتفاعات معينة، على حسب نوع السحاب، فلا هو يصعد ويذهب بعيدًا ولا هو يهبط على الأرض
والتسخير معناه حمل الشيء على حركة مطلوبة منه لا اختيار له فيها، فالله تعالى يسوق السحاب الى حيث يريد أن تمطر
 

(وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ)
وهناك قصة في مسلم من رواية أبي هريرة أن رجلًا كان يسير في الصحراء فسمع صوتًا من سحابة فوقه يقول "اسق حديقة فلان" فتتبع هذا الرجل السحابة، فوجدها تمطر مطرًا كثيرًا على أرض صخرية، ثم تجمعت وجرت في جدول حتى انتهت الى حديقة، وفيها فلاح قائم أخذ يوزع الماء في حديقته
فتوجه الرجل الى الفلاح وسأله عن اسمه، فوجده نفس الإسم الذي سمع من السحابة، ثم سأله الفلاح لماذا يسأله عن اسمه، فقال له الرجل: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ، يقول: اسق حديقة فلان، ثم سأله: فما تصنع فيها ؟ فقال له الفلاح أنه اذا حصد الزرع يقسمه الى ثلاثة أجزاء: فثلث يأكله هو وعياله، وثلث يرده الى الأرض، وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين
"اسق حديقة فلان"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ)
(لَءَايَٰتٍۢ) أي علامات ودلالاتٌ وبراهين على أن خالق ذلك كلِّه ومنشئه، إله واحدٌ قادر عظيم.
وقوله تعالى (لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ) يحث تعالى على استخدام العقل، واذا وجدت من يحثك على استخدام العقل في قضية يطرحها فهذا يدل على ثقته في صدق قضيته
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇