Untitled Document

عدد المشاهدات : 4738

الحَلَقَة (114) مِنْ تَدَبُر القُرْآن العَظِيم، الآيات من (190) حتى (195) من سورة البقرة، قول الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾ وَاقْتُل

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة  الخامسة عشر بعد المائة
تدبر الآيات من (190) حتى (195) من سورة البقرة

 وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾
 وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿191﴾
 فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿192﴾
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿193﴾
 الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿194﴾
 وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿195﴾
********
 وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾
أختتمت الآية السابقة بقول الله سبحانه وتعالى (وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم بدأ الله تعالى هذه الآية بذكر أشد أقسام التقوى وأشقها على النفس، وهو الجهاد فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ، فقال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) 
********
وهذه الآية لها مناسبة نزول، وهي أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج مع صحابته الكرام في السنة السادسة من الهجرة لأداء العمرة، وكانت قريش في ذلك الوقت هى تحكم مكة، وهي المسيطرة على الحرم، فمعنت قريش المسلمين من أداء العمرة، وانتهي الأمر بعد شهرين تقريبًا من الشد والجذب والمفاوضات الى صلح الحديبية، والذي كان من شروطه، كف القتال لمدة عشرة سنوات، وأن يعود المسلمون الى المدينة المنورة دون أن يدخلوا مكة أو يؤدوا مناسك العمرة، على أن يقضوا عمرتهم في العام المقبل، وأن يظل المسلمون في العام التالي في مكة ثلاثة أيام فقط لأداء العمرة، على أن تخلى لهم قريش مكة في هذه الآيام الثلاثة 
فلما كان العام التالى، تجهز المسلمون لأداء العمرة، وهي ما أطلق عليها "عُمْرَةِ الْقَضَاءِ" ولكن خشي بعض الصحابة ألا تفي قريش بعهدها وأن تمنعهم من دخول مكة، وبالتالى سيكون عليهم القتال في الحرم وفي الشهر الحرام، وتحرج بعض الصحابة من هذا الأمر تحرجًا شديدًا
فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) يعنى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أذنت لكم في القتال في الحرم وفي الشهر الحرام اذا نكثوا عهدهم وصدوكم عن دخول مكة لأداء العمرة، لأن هذا المنع من دخول مكة هو بدء بقتالكم والاعتداء عليكم
وهذا سبب آخر لمناسبة هذه الآية لما قبلها، لأن الآية السابقة تضمنت شيئاً من متعلقات الحج، وهو قول الله تعالى (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) 
********
يقول تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ)
ما معنى القتال فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ؟
يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
و"كَلِمَةُ اللَّهِ" هي الإسلام
اذن معنى القتال فِي سَبِيلِ اللَّـهِ، أي القتال في سبيل الإسلام، وسبيل اعزاز دين الله
********
هل القتال في سبيل الوطن هو قتال في سبيل الله ؟
يقول فضيلة الشيخ -محمد بن العثيمين- النية الصحيحة في القتال هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي ندافع عن الإسلام الذي فيه
********
(وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) 
(وَلَا تَعْتَدُوا) لا تعنى النهي عن بدء القتال، بل يجوز البدء في القتال بشروط معينة
ولكن معنى (وَلَا تَعْتَدُوا) يعنى لا تقتلوا النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ والرهبان وَالْمَرْضَى، كذلك (َلَا تَعْتَدُوا) نهي عن التمثيل بالجثث، ونهي عن قطع الأشجار أوأي نوع من أنواع التخريب
كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا بعث جيشاً قال: "اغزوا بسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا شيخاً كبيراً "
هذه هي آداب القتال في الاسلام، أما هذه الحروب الحديثة القذرة نجد القنبلة تنزل فتقتل النساء والأطفال والشيوخ معاً، ولا تفرِّق بين الطفل والمرأة والشيخ وبين المقاتلين الذين يحملون السلاح.
بل ان الغرب من قذارته أنه يخترع أسلحة من طبيعتها أنها لا تفرق بين المدني والمقاتل، ولذلك أطلقوا عليها "أسلحة دمار شامل، مثل الأسلحة البيلوجية التى تعمل على نشر الأمراض 
بل أحيانا يستهدف في هذه الحروب المدنيين فقط، كما في هيروشيما سقطت القنبلة الذرية فقتلت 140000 شخص، وبعدها بثلاثة أيام فقط ألقوا قنبلة أخري على  ناجازاكي فقلت 80000 ألف شخص، أغلب هؤلاء بالطبع مدنيين، بل كان ممن قتل أسري حرب تابعين للحلفاء الذين قاموا بالقاء القنبلة، والحروب في سوريا الآن، قتل فيها حتى الآن أكثر من 100000 مدني
وهناك احصائية تقول أن خمسمئة ألف طفلٍ يموتون كل عامٍ جوعاً ومرضاً في بعض البلاد التي خضعت لمقاطعةٍ اقتصادية
هيروشيما بعد سقوط القنبلة الذرية 
********
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿191﴾
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)
معنى (ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي وجدتموهم، فكانت العرب تقول: ثقف الشيء: أي وجده وظفر به
ولذلك نقول: رجل مثقف، يعنى ملم بالأمور
فقوله تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وجدتوهم وظفرتم بهم في أي مكان  سواء في الحل أو داخل الحرم
(وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها، فلا تأخذكم بهم رأفة، انما تخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه
(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) 
أي ما كانت تقوم به قريش من فتنتكم عن دينكم، بالإيذاء والتضييق والتعذيب ومصاردة الأموال، كل ذلك كان في الحرم، وكانت تفعل ذلك في الأشهر الحرم
فهذه الْفِتْنَةُ عن الدين هي أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
وهذه العبارة رد على الدعاية التى كانت قريش لا تتوقف على ترديدها بين العرب، وهي أن محمد يقاتل في الأشهر الحرم، ويقاتل عند الحرم، فيرد الله تعالى عليهم بأن ما كنتم تقومون به من فتنة الناس عن دينهم، حتى يعودوا الى الكفر وعبادة الأوثان، وكان ذلك في الحرم في قلب مكة، وفي الأشهر الحرم هو أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
فكيف تعيبون القتال في الحرم أو في الأشهر الحرم، وأنتم فعلتم ما هو أشد
من القتال، وهو فتنة الناس في دينهم
 

ما كانت تقوم به قريش من فتنتكم عن دينكم هي أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
********
(وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)
المقصود بالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أي الحرم، والمعنى ولا تبتدئوا - أيها المؤمنون -المشركين بالقتال عند المسجد الحرام، حتى يبدءوكم به، فإن بدءوكم به هناك عند المسجد الحرَام فاقتلوهم 
وهذه خصوصية للمسجد الحرام ليست لغيره من الأماكن
حتى القتال في فتح مكة كان خصوصية لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفترة محددة، يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار" وهذه الساعة من النهار كانت بين طلوع الشمس الى العصر
ولم يقل تعالى "فَإِن قَاتَلُوكُمْ فقاتلوهم"، وانما قال (فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) وهذه بشارة لهم بالنصر على أعدائهم
(كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)
 يعنى: فإن الله جعل جَزَاءُ الْكَافِرِينَ على كفرهم وأعمالهم السيئة، القتلُ في الدنيا، والخزي الطويل في الآخرة
********
فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿192﴾
(فَإِنِ انتَهَوْا) يعنى فان انتَهَوْا عن الكفر، يعنى تركوا الكفر (فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يعنى تكفوا عن قتالهم، لأن الاسلام يجب ما قبله، فلا يحملنكم الحقد على ما فعلوا قديمًا سواء التعذيب أو مصادرة الأموال الى الانتقام، لأننا لا نقاتل بهدف الانتقام، وانما نقاتل في سيبل الله 
روي أن –على بن أبي طالب- في أحد المعارك، كان يقاتل مشركًا شرسًا، وطال بينهما القتال، حتى تمكن منه الإمام على، فلما هم بقتله بصق هذا المشرك على وجه الإمام على، فتركه الإمام على وانصرف عنه ولم يقتله، فتعجب هذا المشرك، وتبع الإمام على وسأله لماذا لم يقتله ؟ فقال له الإمام على: كنت أقاتلك لأنك عدو الله، أما وقد بصقت علىَّ فأنت الآن عدو لى
اذن الآية مرتبطة بقوله تعالى في الآية قبل السابقة ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ) أي انتبهوا الى نياتكم وأنتم تقاتلون أن يكون قتالكم في سبيل الله فقط، لا تطهرون قلوبكم ونياتكم من حب الشهرة أو الرغبة في الغنائم فقط، ولكن تطهرون قلوبكم ونياتكم من حتى المشاعر الطبيعية كالرغبة في الانتقام ممن ظلمك
ولذلك قال تعالى (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) يعنى فَإِنِ انتَهَوْا عن الشرك ودخلوا في الاسلام، فان الاسلام يجب ما قبله، وبعد أن كانوا أعداء لكم أصبحوا أخوة لكم في الدين، بل ولهم عليكم حقوق الاسلام وحقوق الاخوة في الدين
كذلك قوله تعالى (فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) يعنى أن الله تعالى لا يبغض الكفار ولكنه تعالى يبغض أفعالهم
********
نلاحظ أن الله تعالى قال (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ولم يقل مثلَا (فَإِنِ انتَهَوْا فاغفروا لهم وأرحموهم) كأن الله تعالى يقول اذا كان الله تعالى، وهو صاحب القضية الأساسية، لأنكم تقاتلوهم لأنهم مشركون بالله، فاذا كان الله تعالى وهو صاحب القضية الأساسية قد غفر لهم، فالأولى أن تغفروا أنتم لهم
********
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿193﴾
(وَقَاتِلُوهُمْ) يعنى وقاتلوا المشركين (حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) حتى لا يكون شرك، ولا يكون من يفتن المسلمين عن دينهم (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ) وهو الاسلام (فَإِنِ انتَهَوْا) أي انتَهَوْا عن الشرك (فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ( لأنهم اذا تركوا الشرك ودخلوا في الاسلام قد انتفت عنهم صفة الظلم 
وقد ضرب فضيلة الدكتور "محمد ارتب النابلسي" وهو يشرح هذه الآيات مثلًا رائعًا، يقول: 
تصور بلدةً لها حاكم، وهذا الحاكم على درجة عالية جداً من العلم والأخلاق، قام هذا الحاكم بانشاء معهد تعليمي على أعلى مستوى، فبناه بناءًا راقيًا، وجهزه بأفضل وسائل التعليم، واستقدم له أفضل الأساتذة، وكان هدف هذا الحاكم، هو رفع مستوي التعليم في البلدة، وأن يحتلوا بعد ذلك مناصب مرموقة.
 ثم فوجئ حاكم البلدة، بعد أن أنشأ هذا المعهد، وأقبل عليه الشباب، وانتظموا في دراستهم، فوجئ أن هناك فئة من المنحرفين في البلدة تصرف الطلاب عن المدرسة، فهي توزع عليهم سيديهات لأفلام مُنْحَطَّة، و توزع عليهم المخدرات والخمور، أو غير ذلك
فهل يقف حاكم البلدة مكتوف الأيدي ؟ هل يسمح لهذه الفئة أن تفسد شباب البلدة ؟ لا بد أن يتدخل حتى يؤدي هذا المعهد دوره
هذا هو القتال في سبيل الله، هذا المعهد هو الإسلام، وهؤلاء الطلاب هم الجماعة المؤمنة، وهذه الجماعة المؤمنة من حقها أن تصل إلى غايتها من الدنيا، ومن حقها ألا تُفْتَنَ عن دينها
ولذلك الآية واضحة في هذا الأمر، يقول تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) يعنى حيثية القتال، هو ألا تَكُونَ فِتْنَةٌ
********
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿194﴾
والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجّة، ومحرّم، ورجب، والعرب أطلقوا عليها الأشهر الحرم، لأن العرب كانت تحرم القتال فيه
وقد حرم الله القتال في هذه الأشهر، حتى اذا كان هناك قتال بين فريقين وطال هذا القتال، فتأتي الأشهر الحرم كهدنة اجبارية، يراجع فيها كل طرف نفسه، وتعطي فرصة لجهود الوساطة للإصلاح بين الطرفين
وكانت قريش قد منعت المسلمون من أداء عمرة الحديبية في شهر "ذي القعدة" وهو شهر محرم فيه القتال
ثم عاد المسلمون لأداء العمرة في العام التالي، وكان ذلك في شهر "ذي القعدة" كذلك
وكان المسلمون في حرج من أن يقع قتال في هذا الشهر وهو شهر حرام ان منتعتهم قريش من دخول البيت
فيقول تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ) يعنى اذا بدأوكم بانتهاك حرمة الشهر الحرام بمنعكم بالقوة من دخول البيت، يكون الرد عليه، بعدم مراعاة حرمة الشهر الحرام فيهم
ولذلك قال تعالى بعد ذلك هذا التعبير الموجز البليغ فقال تعالى (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) والقصاص –كما قلنا- هو المساواة، يعنى من هتك حرمة يقتص منه بأن تنتهك له حرمة
********
(فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) 
فمن اعتدى عليكم فقابلوه بمثل ما اعتدى عليكم بدون تجاوز للحد الذي اعتدي عليكم فيه .
وقد استدل الشافعي بهذه الآية على أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به، سواء خنق أو حرق أو تجويع أو تغريق، حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء ملح، واستدل بها أيضاً على أن من غصب شيئاً أوأتلفه لزمه رد مثله
********
ثم قال تعالى (وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) 
أي : اتقوا الله وراقبوه في الانتصار لأنفسكم ، وترك الاعتداء فيما لا يرخص لكم فيه ، واعلموا أن الله مع الذين يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه بالنصر والرعاية والتأييد . 
********
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿195﴾
ويحث الله تعالى على الإنفاق في سبيل الله، فيقول تعالى (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ) ثم يقول (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) يعنى وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، بترك النفقة في سبيل الله، وبترك الجهاد في سبيل الله، لأنكم اذا تركتم النفقة في سبيل الله، وتركتم الجهاد في سبيل الله، فقد مكنتم أعدائكم منكم، وأهلكتم أنفسكم 
البعض يقرأ الآية ويعتقد أن المقصود بها، عدم التهور أو غير ذلك، حتى أن بعض السلف من التابعين فهموا هذا الفهم، وحتى صوب لهم هذا الفهم أحد صحابة رسول الله، وهو "أبو أيوب الأنصاري"
يقول الراوي وقف الروم في صف عظيم، ووقف المسلمون في صف عظيم، فانطلق رجل من المسلمين يقاتل في صفوف الروم، فصاح الناس: سبحان الله، ألقـى بـيده إلـى التهلكة 
فقام أبو أيوب الأنصاري –رضى الله عنه- وقال: أيها الناس إنكم تخطئون في تأويل هذه الآية، وإنـما أنزلت هذه الآية فـينا معاشر الأنصار: إنا لـما أعزّ الله دينه وكثر ناصريه، قلنا فـيـما بـيننا بعضنا لبعض سرّاً وخفيًا من رسول الله، إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا حتى ضاعت، وقد نصر الله نبيه، هلـم نقـيـم فـي أموالنا ونصلح ما ضاع، يقول: فأنزل الله فـي كتابه يردّ على ما همـمنا به، فقال: (وأنْفِقُوا فِـي سَبِـيـلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلـى التَّهْلُكَة) يعنى لا تدعو الاتفاق في سبيل الله، ولا تدعو الجهاد في سبيل، فان فعلتم فقد ألقيتم بأيديكم الى التَّهْلُكَة  
يقول "أبو أيوب الآنصاري" فـالإلقاء بـالأيدي إلـى التهلكة: أن نقـيـم فـي أموالنا ونصلـحها، وندع الـجهاد
********
هذه الآية نجد الدعوة الى الانفاق في سبيل الله، ودائمًا نجد الدعوة في القرآن العظيم بالجهاد بالمال قبل الجهاد بالنفس، الا في موضع واحد، يقول المفسرون لأن بذل المال أصعب من بذل النفس، وهذا غير صحيح بل بذل المال هو الأهون من بذل النفس 
نقول أن السبب هو أن الجهاد في سبيل الله، يحتاج الى تكوين جيشًا قويًا، وحتى تستطيع أن تكون جيشًا قويًا فلابد من بذل المال أولًا
ونحن نرى الآن في عالمنا المعاصر، الدول الغنية، هي الدول التى تمتلك جيوشًا قوية، والدول الفقيرة جيوشها ضعيفة
لأن الدول الغنية هي التى تستطيع أن تنفق ويكون عندها جيشًا قويًا، أما الدول الفقيرة فليس عندها ما تنفقه لتكون جيشًا قويًا
حتى في حالة استثنائية وهي كوريا الشمالية، فهي دولة فقيرة ولكنها تمتلك جيشُا قويًا، حتى هذه الحالة الاستثنائية، تكوين هذا الجيش القوي، كان في مقابل أن يعيش الشعب حياة شديدة الفقر وبدائية ومتخلفة 
اذن القرآن العظيم يقول لنا اذا أردت أن تكون دولة قوية عسكريُا لابد أن تبدأ أولًا ببناء اقتصاد قوي 
7