Untitled Document

عدد المشاهدات : 2661

شاهد صور الحلقة (123) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (208) من سورة البقرة، قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (208) من سورة البقرة
********
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) 
********
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
هذه الآية لها مناسبة نزول، وهي أن مؤمني أهل الكتاب، مثل: ثَعْلَبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَابْنِ يَامِينَ، وَأَسَدٍ وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ كَعْبٍ، وَسَعْيَةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ، استأذنوا الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقرأوا التوارة في صلاة الليل، وأن يعملوا بشرائع الاسلام وشرائع التوراة معًا، وقالوا: يا رسول الله ان التوراة كتاب الله، ونحن نقوي على هذا وهذا، يعنى نستطيع أن نلتزم بشرائع الاسلام وشرائع التوراة معًا، فمن شرائع التوراة التى طلبوا الالتزام بها مثلًا ألا يأكلون لحم الأبل ولا يشربون لبنها، وأن يعظموا يوم السبت، وغير ذلك من الشرائع
فرد الله تعالى عليهم وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) يعنى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا من أهل الكتاب (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يعنى خذوا القرآن العظيم وحده، والتزموا بما فيه من شرائع وحدها، فان القرآن الكريم ينسخ كل الكتب التى قبله، وشريعة الاسلام تنسخ كل الشرائع التى قبلها
 

استأذن مؤمني أهل الكتاب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعملوا بشرائع الاسلام وشرائع التوراة معًا
********
وكما قلنا من قبل كثيرًا القاعدة الأصولية تقول "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) وقرأت (ادْخُلُوا فِي السَّلْمِ) بفتح السين، و(السِّلْمِ) أو (السَّلْمِ) هو الاسلام، وأصل الاسلام هو الاستسلام والخضوع الكامل لأوامر الله تعالى 
اذن معنى (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) يعنى ادخلوا في الاسلام، ما معنى ادخلوا في الاسلام اذا كان المخاطبين في هذه الاية هم المؤمنين، لأن النداء في الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) فما معنى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادخلوا في الاسلام ؟
المعنى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادخلوا في كل أمور الاسلام، والتزموا بكل تعاليم الاسلام وشرائعه وأحكامه، لا تدعوا شيئً من شرائع الاسلام، ولا تفرطوا في شيء منها، لا تكونوا كبنى اسرائيل الذين قال الله تعالى فيهم يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَيكْفُرُونَ بِبَعْضٍ 
ولذلك قال تعالى بعدها (كَافَّةً) يعنى جميعًا، يعنى في جميع أمور الاسلام وشرائعه وأحكامه
وقوله تعالى (ادْخُلُوا) يُشْعِرُ بِأَنَّ الاسلام حِصْنٌ مَنِيعٌ لِلدَّاخِلِينَ فِي كَنَفِهِ، ولكن المهم أن تدخل في جميع الاسلام.
********
والأخذ بجميع شرائع الاسلام والالتزام بها توجيه هام جدًا سواء على مستوي الأفراد أو حتى على مستوي الدول
على مستوي الأفراد من أهم مشاكلنا كمسلمين أننا لا نطبق على أنفسنا أحكام الاسلام بالكامل، فنعمل ببعض أحكام الاسلام، ولا نعمل ببعضها الآخر
وهذا حال من اتخذ إلهه هواه, إن وافق الأمر المشروع هواه فعله, وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعا للدين.
كما قال أحدهم: ركبت مع سائق تاكسي مشغل القرآن ومش مشغل العداد
انا رأيت بعينى رجل ملتحي ويأخذ رشوة 
هناك قصة مشهورة أن الصحابة غزوا غزوة، فنال الكفار منهم، فتساءلوا عما هجروه من سنن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتذكروا السواك، فاستاكوا بجريد النخل، فرآهم العدو، فقالوا إنهم يسنون أسنانهم حتى يأكلونا، فهربوا خوفًا منهم 
ولذلك عاب الله تعالى على بنى اسرائيل التزامهم ببعض تعاليم التوراة، وعدم التزامهم ببعضها الآخر، فقال تعالى في سورة البقرة (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) 
في موضع أخر يقول تعالى (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) يعنى: جَعَلُوا الْقُرْآنَ أجزاء يؤمنون بِبَعْضِهِا ويكفرون بِبَعْضِهِا
وكلمة "عِضِينَ" أي أجزاء كأعضاء الانسان
********
على مستوي الدول: أغلب الدول الاسلامية لا تطبق أحكام الشريعة الاسلامية، أحدهم قال مدافعًا أن 80% من القوانين في دولته تتفق مع أحكام الشريعة اسلامية، فقانون الأحوال الشخصية تنظمه الشريعة الاسلامية بشكل كامل، وأحكام الإعدام لابد أن يؤخذ فيها رأي المفتى قبل تطبيقها
ونحن نسأله ونقول: لنفرض أن كلامك صحيح، وأن 80% من القوانين تتفق مع أحكام الشريعة الاسلامية، ماذا عن الـ 20% الباقين ؟
ما ردنا حين يسألنا الله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) ؟
حتى الدول التى تدعي أنها تطبق الشريعة الاسلامية بالكامل، هناك أجزاء لا تقترب منها
********
اذن عدم أخذ الاسلام بالكامل، أو عدم الالتزام بكل تعاليم الاسلام وشرائعه وأحكامه، هي مشكلة هامة تلفتنا اليها الآية الكريمة، سواء على المستوي الشخصى أو على مستوي الدول
********
وأيضًا (السِّلْمِ) بمعني المسالمة، فقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) يعنى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ينبغي أن تعيشوا في سلام بين بعضكم البعض، ولا ينبغي ان يكون بينكم قتال أو عداوة أو فرقة
كما قال تعالى (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) يعنى قوتكم، وَقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -"لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ أَعْنَاقَ بَعْضٍ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
********
اذن الآية تحمل هذا المعنى وهذا المعنى، ولو عملنا بهذا الآية فقط من كتاب الله، لانتهت مشاكلنا سواء على المستوي الشخصى أو على مستوي الأمة
لو أخذنا تعاليم الاسلام بالكامل، سواء على المستوي الشخصى أو على مستوي الدول لانتهت مشاكلنا
لو تركنا العداوة والفرقة سواء على المستوي الشخصى أو على المستوي الدول لانتهت مشاكلنا
********
(وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان) هذا تعبير قرآني يتكرر كثيرًا، وهو يشرح لنا طريقة الشيطان في الإغواء، وهو أن يجر الانسان الى المعصية خطوة خطوة، حتى يستحوذ على الانسان في النهاية
ولذلك قال العلماء: صغير الذنوب يوصل الى كبيرها، وقالوا: من حام حول الحمي يوشك أن يقع فيه 
********
وقوله: (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (يعنى هو عَدُوٌّ ظاهر العداوة، وهم أعلن عداوته لكم بكلمات صريحة، (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم)  (الَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) ومع عداوته تلك الظاهرة، والتى أعلنها بكل وضوح فأنتم تسيرون خلفه