البَطَل الصُومَالِى العَظِيم الإِمَام "أَحْمَد الجُرْي"
دخل الاسلام الى الصومال مع بداية ظهور الاسلام على يد الصحابة الذين هاجروا الى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة
وازداد انتشار الاسلام في هذه المناطق عن طريق التجار المسلمين الذين يأتون الى هذه المناطق
وتكونت العديد من الامارات الاسلامية في هذه المنطقة، وحدثت العديد من الحروب الدينية بين الامارات الاسلامية وبين الأحباش النصاري، وكانت الحرب سجالًا بينهم
******
ولكن في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي اكتشف البرتغاليون طريق الرجاء الصالح والتفوا حول افريقيا ليصلوا الى الهند، وكان الهدف المعلن هو ايجاد طريق للتجارة للوصول الى الهند بدلًا من طريق الحرير الذي كان يسيطر عليه المسلمون في الشرق الأوسط وآسيا
طريق رأس الرجاء الصالح الذي اكتشفه البرتغاليون
.
ولكن كان الهدف الحقيقي هو تطويق الدول الاسلامية وضربها من الخلف، ولذلك عندما وصل "فاسكو دي جاما" إلى ما يعرف اليوم بدولة الموزمبيق على الشاطيء الشرقي لأفريقيا، قال "الآن طوقنا المسلمين ولم يبق الا أن نشد الخيط"
كانت سفينة "فاسكو دي جاما" مسلحة بأكثر من عشرين مدفعًا، وكانت تعتبر في ذلك الوقت قوة ضاربة لا تقهر، في مناطق لا تعرف أصلا المدافع أو البنادق
واعتمادًا على الأسلحة الحديثة التى كان يمتلكها "فاسكو دي جاما" من المدافع والبنادق، قام "فاسكو دي جاما" بكثير من المذابح والجرائم ضد المسلمين، فكان يهاجم القري والمدن الاسلامية ويقتل الرجال والنساء والأطفال، ويمثلل بالجثث، ويهدم المساجد، حتى أنه هدم في مدينة واحدة أكثر من 300 مسجد
وكان يعتدي على السفن التجارية للمسلمين ويغرقها، حتى سفن الحجج كان يهاجمها ويقتل كل من فيها
ومن الجرائم البشعة التى ارتكبها "فاسكو دي جاما" والتى سجلها الكتاب الغربيون أنه اعترض احدي السفن وبعد أن نهب ما فيها قام بحبس جميع الركاب وكان عددهم ما بين المائتين الى أربعة مائة راكب منهم نساء وأطفال، وبعد أن حبسهم في السفينة أضرم فيها النيران، وقتلهم حرقًا (!)
المجرم "فاسكو دي جاما"
ارتكب "فاسكو دي جاما" عشرات الجرائم البشعة
******
في ذلك الوقت سارع ملك الحبشة أو ملك مملكة "أكسوم" بالحبشة، بالاتصال بفاسكو دي جاما وعرض عليه التعاون لسحق المسلمين، والقضاء عليهم في القرن الأفريقي (المنطقة التى تضم الآن الصومال واريتريا وجيبوتي) وشرق أفريقيا بالكامل، وكان مما عرضه عليه تحويل مجري نهر النيل ليصب في البحر الأحمر بدلا من أن يتجه شمالًا ويصب في البحر المتوسط، وبذلك يهلك السودانيين والمصريين، ولكن كان هناك استحالة لامكانية تنفيذ هذا المشروع الجهنمي في ذلك الوقت
قيل كذلك أن هناك خطة للتعاون بين البرتغاليين والأحباش لغزو الجزيرة العربية ونبش قبر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومساومة المسلمين على تسليمه مقابل التنازل عن مدينة القدس
******
بدأ البرتغاليين بتزويد الأحباش بالبنادق، ولم تكن معروفة في المنطقة في ذلك الوقت، وبدأ ميزان القوي يتغير في صالح الأحباش
ثم شن الطرفان الحبشي والبرتغالى حملة صليبية شرسة ضد المسلمين في امارة "عدل" وكانت هي أهم واكبر الامارات الاسلامية في المنطقة، وكانت في شمال الصومال وأثيوبيا حاليًا
فقام الأحباش بمهاجمة المدن والقري عن طريق البر مستخدمين البنادق، بينما الأساطيل البرتغالية تقصفها من البحر بالمدافع، وقاموا بعمليات اجتياح وحشية للعاصمة ونهبوها وحرقوها وقتلوا كل من فيها، واضطر سلطان امارة "عدل" وكان اسمه "ابو بكر بن محمد" الى الفرار الى غرب الصومال ونقل عاصمته هناك
امارة "عدل"
.
كان من نتائج هذه المعارك مقتل قائد الجيش الصومالى، الأمير "محفوظ" وأصبح هناك فراغ خطير في قيادة الجيش
في ذلك الوقت ظهر شاب في بداية الثلاثينات اسمه "أحمد بن ابراهيم" وأطلق عليه "أحمد الجري" يعنى الأيسر لأنه كان أيسر، وكان يقاتل بالسيف بيده اليسري، وكان ينتمي الى نفس اسرة الأمير محفوظ، وقيل انه كانت متزوجًا من ابنته، وكان مقربًا له ومصاحبًا له في معاركه ضد الأحباش
تولى "أحمد الجري" قيادة الجيش الصومالى، ولُقِبَ بالإمام "أحمد الجري" وبدأ في اعادة تنظيم الجيش وتقويته، وعمل على توحيد الامارات الاسلامية في المنطقة ونجح في ذلك الأمر، ثم بدأ في مراسلة الدول الاسلامية ليطلب منهم المساعدة في مواجهة التحالف الحبشي البرتغالى، خاصة أنهم أصبحوا مسلحين بالبنادق والمدافع، والتى لم يكن يمتلكها الصوماليين
ولكن لم يستجب لأحمد الغري الا الدولة العثمانية حيث أرسل اليه السلطان العثماني العظيم "سليمان القانوني" 900 جندي من القوات الانكشارية، وهي أفضل الوحدات في الجيش التركي، بل كانوا افضل الجنود في العالم في ذلك الوقت، وكانوا مسلحين بالبنادق، وأرسل معهم "سليمان القانوني" عدد من المدافع، وتبعهم حوالى 2000 متطوع من الحجاز واليمن
سليمان القانوني
القوات الانكشارية
أرسل "سليمان القانوني" مع قوته عدد من المدافع
******
بدأت المواجهات بعد ذلك بين "أحمد الجري" والأحباش وانتصر "أحمد الجري" في جميع هذه المواجهات، وكانت لشجاعته حكايات كثيرة أشبه بالأساطير، وسقطت عشرات المدن الأثيوبية في أيدي المسلمين، بما فيها عاصمتهم "أكسوم" وأصبحت أغلب الأراضى الأثيوبية تحت سيطرة الصومال بقيادة "أحمد الجري"
وأرسل ملك الحبشة بصرخات استغاثة الى بابا روما والى البرتغاليين، فاضطر البرتغاليون لأول مرة الى المشاركة في الحرب بقوات برية، بعد أن كان دورهم مقتصرًا على أعمال قصف وتخريب المدن الساحلية
وحدث المواجهة بين التحالف الاسلامي بقيادة "احمد الغري" والتحالف البرتغالى الحبشي، ووقعت معركة "وفلة" في 28/8/1542 م وكانت الغلبة فيها في البداية للتحالف البرتغالى الحبشي وأصيب أحمد الغري، ولكن تغلب أحمد الغري على اصابته واندفع داخل صفوف اعدائه، وحدث التحول فانتصر المسلمون انتصار ساحقا، وأصيب قائد الكتيبة البرتغالية وهو "كريستوفاو فاسكو دي جاما" ابن "فاسكو دي جاما" ووقع في أسر الصوماليين، وقتله "احمد الجري" بنفسه عقابًا وقصاصًا من الجرائم الكثيرة البشعة التى ارتكبها ضد المسلمين
وكانت معركة "وفلة" من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي كله، وكان لها الفضل في الحفاظ على الوجود الاسلامي في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا
كانت معركة "وفلة" من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي
******
استمر "أحمد الجري" بعد هذه المعركة في التوغل داخل الأرض الأثيوبية، حتى غزا حوالى ثلاثة أرباع الحبشة (أثيوبيا الآن) وضمها تحت سلطان امارة "عدل"
ولكن في أحد هذه المعارك، وهي معركة "زانترا" Zantra على مقربة من بحيرة " تانا" الموجودة في أثيوبيا الآن أصيب "أحمد الجري" برصاصة، وسقط شهيدًا –رحمه الله- فدب الذعر في صفوف الجيش، وانتهي الأمر بهزيمة الجيش
******
تولى المسئولية بعد "أحمد الجري" ابن شقيقه الأمير "نور الدين" وتواصلت الحرب بينه وبين الأحباش، واشتركت في هذه المواجهات أرملة "أحمد الجري" وبالرغم من أن الصوماليين فقدوا كثير من المناطق التى كان قد فتحها "أحمد الجري" في الحبشة الا أنهم أبلوا بلاءًا حسنًا
واستمرت الحروب بين الطرفين الى أكثر من ثلاثين عامًا، حتى جنح الطرفان الى السلم في عام 1559 م
الأمير "نور الدين"
******
هذه باختصار شديد جدًا سيرة الإمام "أحمد الجري" والذي لولا راية الجهاد التى رفعها، ولولا قوة ايمانه " وقوة ارادته لما أصبح هناك أي وجود للأسلام في منطقة شرق أفريقيا
"أحمد الجري" لم يكن معه سوى الله -سبحانه وتعالى- وهو يواجه تحالف صليبي شرس يضم: قوة عظمي في ذلك الوقت وهي الامبراطورية البرتغالية، وقوة حاقدة وشرسة وهي الأحباش (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
******
قصص البطولات الاسلامية كثيرة جدًا لا حصر لها، ولكن أخترت قصة "أحمد الجري" وأهديها الى الإخوة الصوماليين، لإن الدولة الصومالية دولة لها حضارة، والصوماليين شعب عظيم، وأنا لى صديق صومالى قمة في الأخلاق والثقافة ويعمل في مركز مرموق في انجلترا
والدولة الصومالية تتعرض لمؤمرات، والشعب الصومالى مدرك لهذه المؤامرات
اتمنى أن يستعيد الشعب الصومالى روح "أحمد الجري" وان شاء الله يتغلب على صعابه، ويكون له دور في النهضة الاسلامية كما كان له هذا الدور العظيم في الدفاع عن الاسلام منذ أربعة قرون
تمثال "أحمد الجري" في العاصمة "مقديشيو"
|